لا أبًا لكم على الأرض
"يلفتنا قول المسيح لتلاميذه "لاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متى 23: 9). مع ذلك في المفردات المستعملة في الكنيسة ننادي من يحمل إلينا "الكلمة" من الكتاب المقدّس ومن الكأس بـ"الأبونا". ويبدو هذا اللفظ مستهجَن عند البعض، لا سيّما بحسب رأي المستنكرين لهذه العبارة القائلين إنّ كلام المسيح واضح بعدم السماح للمؤمنين بمناداة أحد "أبونا".
لا تكتفي الكنيسة بهذه المناداة بل أضافت إليها أحد الآباء، نعيد لهم في هذا الأحد، وبعد أيّام يعيّد اللبنانيون لعيد الأب في 21 حزيران.
حقيقة الأمر أنّ الربّ في قوله هذا لا يرفض الكهنة وأبوّتهم، بل يرفض أن يكون لتلميذ المسيح أيّ مرجعيّة على الأرض إلّا الله. فالأب، في العائلة، هو المرجع. يصحّ أن يكون مرجعًا عندما يعكس أبوّة الله، مرجعيّة الله. أمّا إذا كانت مهمّة الأب إبعاد أولاده عن الله وعن محبّته وخوفه، بمعنى آخر حجب أبوّة الله الآب، فهو المقصود بكلام المسيح بألّا يكون أبًا. هو مَن طالب المسيحُ بإقصائه (متى 10: 34).
هذا الأحد هو عيد الأب بامتياز... لأنّ من نعيّد لهم، آباء مجمع نيقية، جاهروا بأبوّة الله الحقيقيّة لابنه الوحيد يسوع المسيح (راجع دستور الإيمان الذي وضعوه، ويو 10: 26، 19: 7، ومتى 27: 40). وعبر الابن الوحيد يغدو "مَنْ لَبِسَ المسيحَ"، ابنًا لله بالتبني (رو 8: 15-16، غلا4: 5-6)، نتوجّه إليه بصلاة "أبانا الذي في السموات" ونعيشها حياة، كأولاد لله (يو 1: 12). وبدورهم يدعى المجتمعون في نيقية "آباء"، ليسوا آباء بذاتهم بل كأيقونة لله الآب، همّهم أن يعكسوا أبوّة الله، وأن يلدونا بالمسيح (1 كور 4: 14-16).
وطالما أنّ الله هو المرجع، وأبوّته هي ما يسعى إليه الأب في الكنيسة، وربّ العائلة في المنزل، عندها يستحقّ هؤلاء أن يدعوا "أبي، أبونا"، لا كامتيازٍ ووسام على الصدر، بل كصليب يحملونه بأمانة، وبتضحية وبمحبّة ودموع لكي ينمو الأولاد في المسيح، أبناءً لله الآب.
هذا الأب يحقّ له التعييد، وعدا ذلك لا تدعوا لكم أبًا على الأرض... كلّ عيد وهذا الأب بخير."