الأراضي المقدّسة
04 آذار 2022, 14:50

كيف يتمّ تجاوز التّجربة؟

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد الأوّل من زمن الصّوم الأربعينيّ، يتأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا برواية التّجارب على ضوء إنجيل لوقا، فيقول بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"ما زلنا في بداية الزّمن الأربعينيّ (زمن الصّوم الكبير) (لوقا ٤: ١– ١٣)، حيث تمثّل رواية التّجارب المرحلة الأولى من المسيرة الّتي تقودنا إلى فصح الرّبّ.

ونُبرز هنا بعض العناصر الّتي يمكن أن تساعدنا على الدّخول في موضوع اليوم.

الإنجيليّ لوقا، مثل باقي الإنجيليّين الإزائيّين، يضع رواية التّجارب قبل بداية حياة يسوع العلنيّة.

وهذا يعني أنّه قبل البدء برسالته، يجب على يسوع أن يختار طريقه والتّوجّه الأساسيّ في حياته. عليه أن يختار أيّ طابع مسيحانيّ يريد أن يعطي لخدمته.

تدخل التّجربة في العالم، من بداية الخليقة، كما نقرأ في الفصل الثّالث من سفر التّكوين، كإمكانيّة اختيار مختلفة عن المخطّط الأصليّ للرّبّ وعن الطّريقة الّتي فكّر بها الرّبّ وخلق بموجبها الإنسان، على صورته ومثاله.

يسوع أيضًا عليه أن يختار، ولا يعفيه الشّيطان من هذه المحنة. ولكن، بخلاف الإزائيّين الآخرين، يختتم لوقا المقطع بهذه الآية: "لمّا استنفذ إبليس كلّ تجربة ممكنة انصرف عنه إلى الأوان المحدّد" (لوقا ٤: ١٣).

سنرى لاحقًا معنى "الأوان المحدّد" في متّى، وبعد التّجربة الأولى في الصّحراء، يمضي الشّيطان بيسوع على الفور "إلى المدينة المقدّسة" (متّى ٤: ٥). أمّا في لوقا فنجد أنّ التّجربتين الأخيرتين معكوستان. ويضع لوقا ذروة التّجارب في أورشليم، حيث يأتي الشّيطان بيسوع إلى أعلى نقطة في الهيكل (لو ٤: ٩).

إنّ مسيرة يسوع بكاملها في بشارة لوقا، كما سوف نرى مرارًا خلال هذا العام، ليست سوى السّير تجاه القدس، حيث يعرف يسوع أنّ أمامه موعدًا مع الألم والموت.  

على الصّليب أيضًا، كما اليوم في الصّحراء، سيُطلب من يسوع أن يُخلّص نفسه، ألا يكون مثل أيّ إنسان آخر، وأن يفضّل، على الأقلّ هذه المرّة، طريق السّلطة والإثارة والأمور الخارقة. سيطلب منه النّزول عن الصّليب. وهذا سيتمّ ثلاث مرّات، (لوقا ٢٣: ٣٥– ٣٩)، تمامًا كما يجرّب اليوم ثلاث مرّات في الصّحراء من قِبل الشّيطان. لحظات الصّليب هي إذًا "الأوان المحدّد" الّذي سبق وأنبأ عنه لوقا.

في أورشليم، يواجه يسوع الاختبار النّهائيّ، ويؤكّد أنّه يريد ما يختاره اليوم: ليس حياة متمحورة على الذّات، حياة تقرّر وتصنع مصيرها بنفسها، بل حياة تُؤخذ من الآب ويُعهد بها إلى الآب.

وفي أورشليم، سيكون الاختبار رهيبًا، لأنّ ثمن الأمانة للخيار الأصليّ سيكون الموت على الصّليب: هناك يفهمنا يسوع بأن هذه الأمانة هي أثمن من الحياة الشّخصيّة. بهذه الطّريقة انقلب منطق الشّيطان انقلابًا كبيرًا.

إذا كان الشّيطان، في تجارب اليوم، يدعو يسوع إلى استخدام السّلطة، الّتي تأتيه من كونه ابن الله، ليخلّص نفسه، ولتفادي المحدوديّة والإرهاق الآتي من كونه إنسانًا، ففي أورشليم سوف يختار يسوع طريق المحدوديّة والضّعف والموت، للتّعبير الكامل عن طاعته للأب، وثقته غير المحدودة به؛ للتّعبير الكامل عن المعنى الأخير للإنسانيّة الّتي لا تتحقّق بالاستقلال الذّاتيّ، ولكن بفضل علاقة متواضعة وبنويّة واثقة تجاه الآب.

من أين يأتي ليسوع هذا الإدراك، الّذي يجعل خياراته منطقيّة ومتماسكة؟ يقترح لوقا إجابتين.

الإجابة الأولى هي ذكر الرّوح، الّذي يتكرّر مرّتين (لوقا ٤: ١): يسوع ليس وحيدًا، بل يتوجّه باستمرار إلى الآب بفضل الرّوح الّذي يقيم فيه. إنّ عزلة الصّحراء هي المكان الّذي يختبر فيه يسوع حضور الآب اختبارًا قويًّا.

والإجابة الثّانية ترتبط ارتباطًا واضحًا بكلمة الله: يردّ يسوع على الشّيطان، ليس بكلماته الخاصّة، ولكن بالرّجوع إلى الكتاب المقدّس. وفي الواقع، ليست كلماته سوى اقتباسات من سفر تثنية الاشتراع. لا يردّ يسوع بكلماته، بل بكلمة الله الآب.

إنّ التّجربة تدعو الإنسان إلى الإصغاء لصوت آخر غير صوت الآب. ولا يمكن التّغلّب على هذه التّجربة بالقوّة، والمكر، والذّكاء البسيط: من خلال هذه الوسائل وحدها، لا يمكن أن نكون سوى خاسرين وعبيدًا للثّقة الزّائدة بالنّفس. يتمّ تجاوز التّجربة بالبقاء في حالة من الإصغاء لصوت الآب والثّقة به. إنّه إصغاء يتمّ بتواضع وصبر.

على الصّليب أيضًا، وأثناء التّجربة الأخيرة، يستخدم يسوع نفس هذه الأسلحة: ستكون كلماته الأخيرة (لوقا ٢٣: ٤٥) اقتباسًا من المزامير (مز ٣١: ٦)، على شكل صلاة قادرة على التّعبير مرّة أخرى عن الثّقة التّامّة في علاقته مع الآب: "يا أبتاه، في يديك أستودع روحي"."