الفاتيكان
19 أيار 2021, 11:50

كيف نتغلّب على الصّعوبات الّتي تواجهنا أثناء الصّلاة؟

تيلي لوميار/ نورسات
بإتّباع مثال التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، وتحديدً الخبرة الّتي تُعاش في الصّلاة، حاول البابا فرنسيس خلال المقابلة العامّة اليوم، إظهار بعض صعوباتها الشّائعة الّتي ينبغي تحديدها والتّغلُّب عليها، فقال في هذا السّياق بحسب "فاتيكان نيوز":

"إنّ المُشكلة الأولى الّتي يواجهها الشّخص الّذي يصلّي هي الشّرود. في الواقع يتعب العقل البشريّ عندما يتوقّف طويلاً عند فكرة واحدة. نختبر جميعًا هذه الزّوبعة المستمرّة من الصّور والأوهام في حركة دائمة الّتي ترافقنا حتّى خلال النّوم. وجميعنا نعلم أنّه ليس من الجيّد أن نستمرّ في هذه النّزعة المضطربة.

إنّ الكفاح من أجل التّركيز والحفاظ عليه لا يقتصر فقط على الصّلاة. إذا لم نبلغ درجة تركيز كافية، فلا يمكننا أن ندرس بشكل مفيد ولا يمكننا أن نعمل بشكل جيّد. يعلم الرّياضيّون أنّ الفوز بالمسابقات لا يتمُّ فقط من خلال التّدريب البدنيّ وإنّما أيضًا من خلال الانضباط العقليّ: ولاسيّما مع القدرة على الحفاظ على التّركيز والحفاظ على الانتباه.

إنّ الشرود ليس مُذنبًا ولكن ينبغي محاربته. وفي تراث إيماننا، هناك فضيلة غالبًا ما ننساها، ولكنّها حاضرة جدًّا في الإنجيل وتُسمّى "السّهر". يذكرها التّعليم المسيحيّ بشكل واضح في تعليماته حول الصّلاة. غالبًا ما يذكِّر يسوع التّلاميذ بواجب حياة رصينة، تقودها فكرة أنّه سيعود عاجلاً أم آجلاً، كعريس يعود من العرس أو كسيّد يعود من سَفَر. ولكن بما أنّنا لا نعرف اليوم والسّاعة لعودته فإنّ جميع دقائق حياتنا ثمينة ويجب ألّا تضيع في السّهو والشّرود. لأنّه وفي لحظة لا نعرفها، سيتردّد صدى صوت ربّنا: في ذلك اليوم، طوبى لأولئك العبيد الّذين سيجدهم سيّدهم عاملين، ولا زالوا يركّزون على ما يهمّ حقًّا. لم يتشتّتوا في السّعي وراء كلّ إغراء طرأ على أذهانهم، لكنّهم حاولوا أن يسيروا على الدّرب الصّحيح، وقاموا بواجبهم بشكل جيّد.

حديثٌ آخر يستحقُّ زمن الجفاف، ويصفه التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة بهذه الطّريقة: "القلب مُخَدَّر، وليس هناك طعم للأفكار والذّكريات والمشاعر الرّوحيّة أيضًا. إنّها لحظة الإيمان النّقيّ الّذي يبقى مع يسوع في الألم وفي القبر". غالبًا ما لا نعرف أسباب الجفاف: يمكنها أن تتعلّق بنا، وإنّما الله أيضًا، الّذي يسمح بمواقف معيّنة من الحياة الخارجيّة أو الدّاخليّة. يصف المعلّمون الرّوحيّون خبرة الإيمان على أنّها تناوب مستمرّ بين أوقات التّعزية واليأس؛ لحظات يكون فيها كلّ شيء سهلاً، بينما تُطبع لحظات أخرى بثقل كبير.

مختلف أيضًا هو الكسل الّذي يشكِّل تجربة حقيقيّة ضدّ الصّلاة، وبشكل عامّ، ضدّ الحياة المسيحيّة. إنّ الكسل هو "شكل من أشكال الاكتئاب سببه التّراخي، والنّقص في السّهر، وغياب العناية بالقلب". إنّه أحد الخطايا السّبع المميتة لأنّه إذ يتغذّى بالغرور يمكنه أن يقود إلى موت النّفس. فكيف نتصرّف إذًا في هذا التّعاقب من الحماس والاكتئاب؟ علينا أن نتعلّم أن نسير على الدّوام. إنّ التّقدّم الحقيقيّ للحياة الرّوحيّة لا يقوم في تكاثر النّشوة، وإنّما في القدرة على المثابرة في الأوقات الصّعبة. لنتذكّر مَثَلَ القدّيس فرنسيس حول الفرح الكامل: لا يتمّ قياس مهارة الرّاهب في الثّروات اللّامتناهية الّتي تمطر من السّماء، وإنّما في السّير بثبات، حتّى عندما لا يتمّ الاعتراف بنا، حتّى عندما نتعرّض لسوء المعاملة، وحتّى عندما يفقد كلّ شيء طعم البدايات.

جميع القدّيسين قد عبروا في هذا "الوادي المُظلم" ولا يجب أن نتشكّك إن سمعنا خلال قراءتنا ليوميّاتهم ملخّص ليالي صلاة خاملة تُعاش بدون استحسان. ولذلك علينا أن نتعلّم أن نقول: "حتّى وإن كنت يا ربّي يبدو وأنت تبذل جهدك لمي أكُفَّ عن الإيمان بك، لكنّني سأستمرّ في رفع الصّلاة إليك". إنّ المؤمنين لا يطفئون الصّلاة أبدًا! قد تشبه هذه الصّلاة أحيانًا صلاة أيّوب الّذي لم يقبل بأن يعامله الله ظلمًا احتجّ وطلب أن يواجهه. ونحن أيضًا، الّذين هم أقلّ قداسة وصبرًا من أيّوب، نعلم أنّه في النّهاية، في نهاية مرحلة اليأس هذه، الّتي رفعنا فيها صرخات صامتة والعديد من الأسئلة إلى السّماء، الله سيجيبنا. وحتّى أقسى تعابيرنا وأكثرها مرارة، هو سيجمعها بمحبّة أب، وسيعتبرها كفعل إيمانٍ وكصلاة."