كيف نتصرّف إن أخطأ أحد بحقّنا؟
"يرتبط المقطع الإنجيليّ لهذا الأحد (لوقا ٦، ٢٧– ٣٨)، ارتباطًا وثيقًا ومنطقيًّا بالمقطع الخاصّ بالأحد الماضي، الّذي سمعنا فيه رواية التّطويبات بحسب القدّيس لوقا.
بالإستماع إلى التّطويبات، كنّا قد نظرنا إلى الحياة من وجهة نظر يسوع، ورأينا، كما يرى هو نفسه، أنّ ملكوت الإله حاضر بشكل غامض في الفقراء وفي المهمّشين والمنكوبين: إنّ هذا الشّكل من عيش الفقر يُشرك بشكل فريد في حياة الرّبّ، وفي أسلوبه العلاقاتيّ.
ماذا نستنتج من ذلك؟
تخبرنا الآيات ٢٧– ٣٠ عن أحداث حياتيّة ملموسة، وعن أمور تحدث ضمن العلاقات اليوميّة: يحدث أن يأخذ شخص ما شيئًا يخصّنا، أو أن يُخطئ في حقّنا، أو أن يطلب منّا شيئًا مهمًّا بالنّسبة لنا. ما العمل؟
يبدو لي أنّ هناك احتمالين.
الإحتمال الأوّل هو أن نحبّ الآخر متّخذين ذواتنا معيارًا لهذه المحبّة. مثلاً أنا أحبّ طالما أنّ الحبّ لا يأخذ منّي أيّ شيء أعتبره حيويًّا لي. أمّا إذا كان الحبّ يأخذ منّي شيئًا ما، عندها أتوقّف، لأنّ ما هو لي أكثر أهمّيّة من الآخر.
ولكن إذا حدث هذا، أيّ إذا كنتُ أحبّ بهذا الشّكل، فانا لا أحبّ حقًّا أيّ أحد، باستثناء نفسي، وكلّ ما أفعل، أفعله لمصلحتي.
هناك معيارآخر، وهو حبّ الآخر أكثر من حبّي لنفسي، وحتّى من حبّي لألمي، ولحاجتي للعدالة، ولحقّي في التّعويض، ولجروحي. إنّ الحبّ بهذا المقياس يعني وضع الآخر فوق كلّ هذا، حتّى لو كان قد أضرّ بي.
أنا لا أسمح لأيّ شي يأخذه أو يطلبه الآخر منّي، ولا لأيّ جرح يسبّبه لي، أن يمنعني من البقاء على علاقة طيّبة معه، حيث أنّني لا أستطيع العيش دون أن أحبّه ، أيّ دون أن أحبّه تمامًا كما هو.
لذلك، لسنا نحن مقياس الحبّ الحقيقيّ. من هو هذا المقياس إذًا؟
نجد الجواب في الآية ٣٦: "كونوا رحماء، كما أنّ أباكم السّماويّ رحيم".
في ملكوت الرّبّ الإله، الّذي يراه يسوع حاضرًا في الفقراء وفي الصّغار، يوجد أسلوب واحد للحبّ وهو أسلوب الآب السّماويّ: ليس فقط لأنّنا جميعًا مدعوّون إلى الحبّ مثله، بل لأنّه لا يمكننا أن نحبّ سوى هكذا لأنّ حبّ الآب يحيا فينا، وهو موجود فينا بفضل الرّوح القدس. هذا هو ملكوت الرّبّ الإله.
طالما أنّ كلّ شخص يسعى إلى الحبّ بقواه الذّاتيّة، فإنّه لا يستطيع إلّا أن يبقى محصورًا في معياره الشّخصيّ. ومهما كان المعيار كبيرًا، فإنّه ليس قادرًا على الذّهاب إلى أبعد من نفسه.
وماذا يحدث عندما نحبّ مثل الآب؟
تخبرنا الآيات الأخيرة للمقطع الإنجيليّ لهذا الأحد عن ثمار الحياة المعاشة بهذا الشّكل، وماذا يحدث لأولئك الّذين يختارون الآب مقياسًا لمحبّتهم.
هذا مثير للاهتمام، لأنّنا، بدأنا يوم الأحد الماضي بنظرة إلى الفقير، إلى من هو الأخير في الحياة وإلى الّذي يكافح من أجل لقمة العيش. أمّا اليوم فنختتم بصورة تتحدّث عن الوفرة، عمّا يزيد عن الحاجة، والّذي يفوق كلّ التّوقّعات والأمال. أولئك الّذين ينفتحون على مقياس حبّ بحسب أسلوب الملكوت، يصبحون أغنياء حقًّا، بثراء يملأ الحياة حقًّا.
قد يبدو أنّهم خاسرون، وقد يبدو أنّهم غير قادرين على المطالبة بحقوقهم، والحصول على العدالة بشكل مشرّفٍ ومريحٍ.
لكن، في واقع الأمر، سيُعطى هؤلاء مقدارًا من الحياة المتميّزة والفريدة حقًّا، حياة لا يعرفها سوى من يحبّ.
فالمحبّ الحقيقيّ لا يخسر شيئًا بل بالعكس. فعندما يحافظ على العلاقة مع الصّديق والعدوّ إنّما يجد نفسه غنيًّا بالحبّ الّذي يجعل الحياة حقيقيّة وأبديّة."