الأردنّ
26 تموز 2018, 05:00

كيف كان اليوم الثّالث والأخير للبطريرك الرّاعي في الأردنّ؟

واصل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قبل ظهر أمس زيارته الرّسميّة والرّاعويّة إلى المملكة الأردنيّة الهاشميّة لليوم الثّالث على التّوالي، والّتي ترافقت مع ترتيبات وتشريفات خاصّة بهذه الزّيارة اهتمّ بها الدّيوان الملكيّ طيلة الرّحلة. وقد استهلّها بزيارة موقع المغطس يرافقه كلّ من وزيرة السّياحة لينا عنّاب، السّفيرة ترايسي شمعون والمطارنة بولس الصّيّاح النّائب البطريركيّ، راعي أبرشيّة القاهرة والسّودان المطران جورج شيحان وراعي أبرشيّة الأراضي المقدّسة والأردنّ المطران موسى الحاج والمونسنيور غازي الخوري والمحامي وليد غيّاض.

 

إستقبل الوفد أمام قاعة كبار الزّوّار النّائب محمود العدوان،  المتصرّف نائب المبيضين،  مدير شرطة البلقاء، ومدير المخابرات وفعاليّات عسكريّة وسياسيّة واجتماعيّة. وعرض نائب مدير الموقع رستم رستم للبطريرك الرّاعي أهمّ المحطّات التّاريخيّة والرّوحيّة للموقع مستعينًا بخريطة من الفسيفساء، تضمّنت رموزًا لتاريخ الموقع.

بعدها  توجّه البطريرك الرّاعي إلى موقع بناء كنيسة مار مارون على ضفاف نهر الأردن ّحيث رفع الصّلاة من على الأرض التّي ستنطلق فيها أعمال بناء الكنيسة الّتي سبق أن وضع الحجر الأساس لها في العام 2012.

 

وألقت الوزيرة عنّاب كلمة ترحيبيّة في حضور الفاعليّات الّتي كانت في استقبال البطريرك عند مدخل الموقع، جدّدت فيها الشّكر له على تلبية الدّعوة ناقلة إليه تحيّات رئيس الحكومة عمر الرّزّاز. ولفتت إلى أنّ "هذا الحضور هو خير تأكيد للعالم بأنّ الأردنّ هو بلد المقدّسات المسيحيّة والإسلاميّة وجذور المسيحيّة ولدت وستبقى في هذا الشّرق"، ومشدّدة على أنّ "اللّقاء اليوم يجري في وقت حزين، تتعرّض له القدس لكلّ أنواع الاعتداءات، لكن العالم متّفق بأنّها لجميع الدّيانات وأنّها تبقى عربيّة فلسطينيّة تحت وصاية هاشميّة، ورمزًا لتعايش الدّيانات"، لافتة إلى "الموقف الّذي أطلقه الملك عبدالله الثّاني في هذا الشّأن من موقع المغطس في عيد الميلاد والّذي أكّد فيه الوصاية الهاشميّة على القدس".

 

وقالت عنّاب: "نكرّر رفضنا للقرار الجائر بخصوص أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل ولقرار الكنيست الأخير بمحو اللّغة العربيّة، والحملة الّتي تتعرّض لها القدس شرسة يجب علينا جميعًا أن نتصدّى لها".

 

وأعربت عن فخر الأردنّ بـ "وجود كنيسة مارونيّة على أرضها وخصوصًا في موقع المغطس فهذه حاجة ضروريّة ونحن نتطلّع بشوق إلى ما يأتي من خلف بناء الكنيسة وهم الموارنة الّذين نتمنّى أن يأتوا إلى بيوتهم هنا في الأردنّ."

ورحّب البطريرك الرّاعي بالحضور، شاكرًا كلّ الجهود الّتي بذلت في سبيل وضع حجر أساس للكنيسة ولاسيّما الملك حسين الّذي قدّم قطعة الأرض واليوم يتابع الملك عبدالله الثاّني من بعده هذه المواضيع الرّوحيّة. كما نوّه بأعمال المطرانيين الصّيّاح وشيخان في سبيل إتمام بناء كنيسة مار شربل في عمّان.

 

وقال: "نحن في المغطس على ضفاف الأردنّ نستحضر فكرة أنّ من يأتي ويعبر هذا النّهر يولد إنسانًا جديدًا لأنّه عندما جاء يسوع إنسانًا متواضعًا لالتماس نعمة التّوبة وعندما خرج من الحياة ظهر إنسانًا آخر فحلّ عليه الرّوح القدس وظهر سرّ المسيح في نهر الأردنّ."

 

أضاف:" نحن حريصون على أن تبقى أرض القدس أرضًا مقدّسة لكلّ الدّيانات.  والقرارات الدّوليّة منذ 1948 كانت بخصوص القدس مدينة منفتحة على كلّ الدّيانات وفي 1951 اتّخذ الكنيست الإسرائيليّ قرارًا بتبنّي هذا القرار واليوم ينقضه بالنّسبة للأرض المقدّسة. نحن معكم نرفض هذا القرار لما يشكّله من قمع لأنّ أيّ إنسان يريد زيارة الأراضي المقدّسة يحقّ له، ونصرّ لكي يصدر مجلس الأمن قرارًا ولو لم ينفّذ كما هي العادة مع الأسف لإبطال قرار الكنيست احترامًا للبشريّة جمعاء. نحن نقول كلّ الحروب الجارية في منطقة الشّرق الأوسط تولد من القضيّة الفلسطينيّة الّتي لا يريدون إيجاد حلّ لها لكي تبقى شعلة نار يأخذون منها النّار إلى هنا وهناك. هذه الخطورة في الموضوع نحن في أرض حقّق يسوع فيها الكثير من الآيات والعلامات ومنها أنّه أقام الموتى ليقول لنا إنّه يقيم كلّ الموتى في عقولهم وضمائرهم وقلوبهم".

 

وختم: "نصلّي من أجل أن يقيم المسيح موتى القلوب والعقول والضّمائر ونستشفع صلاة القدّيس مارون ويوحنّا المعمدان من هذا المكان ملتمسين من يسوع أن يواصل معجزته ويحمي الأرض الّتي سقاها بدمه".

 

بعدها وفي حديث خاصّ مع وسائل الإعلام الأردنيّة رأى البطريرك المارونيّ في كلمة روحيّة توجّه بها إلى المؤمنين من موقع المغطس أنّ "نهر الأردنّ يذكّرنا بيوحنّا المعمدان الّذي أتى ليشهد للحقيقة"، قائلاً: ""من هذا الموقع التّاريخيّ الكبير للحقيقة، والّذي دعا بكلّ شجاعة النّاس إلى التّوبة، وهو من مارس معموديّة المياه للتّوبة وردّد وقال "توبوا لقد اقترب ملكوت الله"، وهذه الأرض المقدّسة تقدّست بحضور السّيّد المسيح الّذي وقف كغيره من النّاس ليتقبّل سرّ العماد هو الّذي لم يعرف الخطيئة وإنّما أراد الاعتماد ليعلن تضامنه مع كلّ النّاس وحمل خطاياهم. وكان، كما قال عنه يوحنّا المعمدان، "هذا هو حمل الله الّذي يحمل خطايا العالم".

 

وأضاف: "كلّ هذه المعاني عزيزة على قلبنا وسنظلّ نتعلّم أن نشهد للعدالة ونعود إلى الله بروح التّوبة. وهناك حيث مشى السّيّد المسيح على ضفاف نهر الأردنّ ظهر لاهوته وحقيقته، فحلّ عليه الرّوح القدس بشبه حمامة وتجلّت ألوهيّته."

 

وتابع: "بالنّسبة إلينا كمسيحيّين هنا بداية مسيرتنا الإيمانيّة فكان يوحنّا هو الطّريق الممهّد لمجيء المسيح، وكان الجسر بين العهدين القديم والجديد آخر أنبياء العهد القديم وأوّل نبيّ في العهد الجديد. ولم يولد مثل يوحنّا في مواليد النّساء. هذه كلّها بالنّسبة إلينا ذكريات كبيرة، كما أنّ المسيحيّين يتذكّرون هنا معموديّتهم. ولكن المعموديّة الّتي قال عنها الرّبّ يسوع بالماء والرّوح وسمّاها الولادة الجديدة. ونحن نولد مرّتين: مرّة من بطون أمّهاتنا ونرتبط بالأرض، ومرّة بسرّ الإيمان فنكون أبناء الملكوت وبناته. هذه هي المعاني الّتي يحملها هذا المكان بالنّسبة إلينا. وطبعًا، نحمل معنى التزاماتنا وهنا ولدت الأخوّة بين كلّ النّاس. هذه هي الدّعوة الّتي أحيّي المملكة الأردنيّة الهاشميّة لأنّها أرض محبّة وأخوّة وسلام وتعدّد، وهذه علامات هذا الحضور المقدّس".

ودعا المؤمنين إلى "الحجّ إلى هذا المكان المقدّس الّذي يسهل الوصول إليه"، لافتًا إلى أنّ "الملك حسين أراد من خلال منح مختلف الكنائس أرضًا أن يدعو المسيحيّين إلى زيارة هذا المكان، وهو لكلّ مسيحيّي العالم وأبرز معلم دينيّ للسّياحة الدّينيّة".

 

 

وبعد الظهر وصل البطريرك الراعي  والوفد المرافق الى محافظة عجلون في الاردن، لزيارة مقام سيدة الجبل في بلدة عنجرة، وقد نظم له استقبال رسمي وشعبي ملفت، فعزفت فرقة موسيقية لحن الجيش تكريما. وكان في استقباله محافظ المنطقة علي باشا المجالي ومطران اللاتين ويليام الشوملي وشيوخ العشائر ووجهائها وفاعليات اجتماعية وشخصيات رسمية وسياسية ودينية، وقد منحهم غبطته البركة الرسولية. بعد ذلك، توجه الى الكنيسة للاحتفال بالذبيحة الالهية.

 

.فترأس غبطته  الذبيحة الالهية، في كنيسة سيدة الجبل عنجرة ، عاونه راعي ابرشية الاراضي المقدسة والاردن المطران موسى الحاج وراعي ابرشية القاهرة للموارنة المطران جورج شيحان والنائب البطريركي المطران بولس الصياح والمونسنيور غازي الخوري، في حضور محافظ منطقة عجلون ومدير الاثار ونواب حاليين وسابقين وشيوخ العشائر ووجهاء المنطقة، وشخصيات عسكرية وامنية وراهبات "الكلمة المتجسدة"، وحشد من الكهنة والرهبان والراهبات، إضافة الى المؤمنين الذين أتوا من عنجرة والبلدات المجاورة.

 

قبيل القداس، القى مطران اللاتين ويليام الشوملي كلمة شكر فيها للراعي "هذه الزيارة ورفع الذبيحة الالهية في منطقة تميز اهلها بإيمانهم القوي". واذ سأل الشوملي الراعي الصلاة من اجل سلام المنطقة، عرض للمفاهيم التقليدية للمقام، آملا ان "يبقى محجة لكل مؤمن ومؤمنة في المنطقة".

 

وبعد الانجيل، ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان "ها منذ الان تطوبني جميع الاجيال"، وقال فيها: "لقد توافدنا من كل صوب الى عنجرة لكي نهدي الطوبى لأمنا مريم في كنيسة الجبل التي تكرم فيها، وهذا فرحنا الكبير اليوم. جئنا لنطوبها من اجل العظائم التي أجراها الله فيها وسنتوقف عند خمس من هذه العظائم. ويسرنا ان نختتم زيارتنا بتكريم أمنا بعد ان تذكرنا اليوم ما يدعونا اليه القديس يوحنا المعمدان من توبة الى الله في موقع المغطس. أجمل ما يمكن ان نختم به هذه الزيارة هو ان نكون معكم اليوم لنطوب امنا مريم العذراء.

وتابع غبطته:" العظمة الاولى ان الله عصمها من الخطيئة فصانت نفسها من كل خطيئة شخصية وفي سنة 1858 اعلنت الكنيسة هذه العظيمة عقيدة"، اما العظمة الثانية فهي ان تكون ام الكلمة اي اعطت الكلمة الالهية جسدا بشريا، وهو يسوع المسيح المتجسد، فكان الاله الابن معنا على ارضنا، تجول على هذه الارض المقدسة مخلصا وفاديا، انها عذراء اعطت جسدا بقوة الروح القدس الذي ملأها. اما العظمة الثالثة فهي مشاركتها آلام ابنها يسوع في الفداء، لقد رافقته حتى اقدام الصليب ليكون ذبيحة فداء عن خطايا البشر. والعظمة الرابعة ان الرب قد جعلها اما للبشرية جمعاء بشخص يوحنا الرسول، يسوع قال لها: "يا امرأة اي يا ام الحياة هذا ابنك". كل انسان كان حاضرا بشخص يوحنا فأصبحت مريم المكرمة في كل الديانات اما لكل انسان. وتولت هذه الامومة لتتشفع بكل واحد منا على مجرى التاريخ ، اما العظمة الخامسة فهي انتقالها بالنفس والجسد الى السماء لتكون بجانب الى ابنها، وفي السماء كل انسان يرى مثاله بيسوع المسيح وبمريم العذراء".

وختم غبطته: "تعظم نفسي الرب صلاة نبوية مر عليها الفا سنة والنبوءة تتكرر، انتم هنا تواصلون هذه الطوبى لامنا مريم العذراء وتختبرون كل النعم التي تغدقها عليكم، ومعا نصلي لكي بشفاعة مريم ينعم الله على مملكة الاردن بالازدهار والايمان وعلى لبنان والشرق بالاستقرار وبنهاية الحروب، ومن اجل فلسطين لكي تبقى ارض سلام ومحبة. وحده الله القدير يستطيع ان يكسر شوكة كل البغض والاحقاد. واليوم نرفع الصلاة ونذكر عائلاتكم ومرضاكم وموتاكم على أمل اللقاء ثانية. نتمنى لكم كل خير وكل نعمة من لدن الله الغني بالرحمة".

وشكر مدير المركز الكاثوليكي للدراسات وللاعلام الاب الدكتور رفعت بدر البطريرك  الراعي باسم البطريركية اللاتينية وباسم الكنائس الارثوذكسية والكاثوليكيةالمتواجدة في المحافظة وفي الاردن. وقال: "تسهم زيارة البطريرك الراعي بالتنشيط الروحي لمؤمنينا، فالصداقة بين الشعبين اللبناني والاردني وبين الكنيستين وبين الدولتين عميقة ضاربة في الجذور وفي الاعماق" وشدد على ان "زيارة البطريرك زادت يقينا على التلاحم الحضاري بين المسلمين والمسيحيين في بلد المعمودية الاردن". 

 

ومساء اختتم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي زيارته الراعوية والرسمية للمملكة الأردنية الهاشمية بلقاء عشاء أقامه على شرفه رئيس الجالية اللبنانية في الأردن فؤاد أبو حمدان، بحضور فاعليات أردنية رسمية وسياسية واجتماعية واقتصادية وأبناء الجالية اللبنانية، وانضم إلى الحفل النائب الياس بو صعب.

ورحب أبو حمدان بالبطريرك الراعي والوفد المرافق والحضور، وقال: "إن حضوركم اليوم بيننا وسام أحمله على صدري مدى الحياة، فأنتم الرجل الوطني العربي الشجاع، وصوتكم الصارخ في برية هذا العالم لا ينادي إلا بالمحبة والشركة".

 

 

بدوره، شكر البطريرك الراعي ل"أبو حمدان وعقيلته جيهان هذا الحفل"، مجددا "تحياته للملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء على الدعوة الرسمية لزيارة الاردن"، وقال: "زرنا مناطق لم نلتق فيها، إلا بشعب طيب محب صاحب عاطفة يتحدث لغة الانسانية التي تجمع كل الناس. وكان تأكيد على هذا التقارب العاطفي بين بلدينا وشعبينا، ونحن نرفع صلاتنا لتنعم الشعوب والاراضي المقدسة بالسلام، هذه الاراضي التي شهدت على تجليات السيد المسيح. ولا يمكننا الصمت على تهويد الأراضي المقدسة لأنه إقصاء للمسيحيين والمسلمين، وهذا هو موقفنا الذي نعلنه أمام العالم أجمع والأسرة الدولية، ونحن لا نريد أن تكون في زمن العولمة أي أحادية أو إقصاء".

أضاف غبطته: "كما تعرفون، فإن البعض المغرض يحكي عن صراع حضارات وثقافات عندنا، لكننا على العكس من ذلك علينا التماسك بوجه هذه الموجة المغرضة لنحافظ على الثقافة، التي تميزت بها بلادنا".