الفاتيكان
10 شباط 2021, 13:30

كيف تعود الصّلاة دائمًا من اللّيتورجيا إلى الحياة اليوميّة؟

تيلي لوميار/ نورسات
تابع البابا فرنسيس، خلال المقابلة العامّة اليوم، تعليمه حول الصّلاة، مركّزًا بشكل خاصّ على الصّلاة في الحياة اليوميّة، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"لقد رأينا في التّعليم المسيحيّ السّابق كيف أنَّ الصّلاة المسيحيّة "تتركّز" في اللّيتورجيا. أمّا اليوم فسنسلّط الضّوء على كيف تعود الصّلاة دائمًا من اللّيتورجيا إلى الحياة اليوميّة: إلى الشّوارع، والمكاتب، ووسائل النّقل... وهناك يستمرّ الحوار مع الله: لأنَّ الّذي يصلّي هو مثل العاشق والمُغرم، الّذي يحمل محبوبه في قلبه على الدّوام أينما كان.

في الواقع، يتمّ تناول كلّ شيء في هذا الحوار مع الله: كلّ فرح يصبح دافعًا للتّسبيح، وكلّ تجربة هي مناسبة لطلب المساعدة. إنَّ الصّلاة هي حيّة على الدّوام، تمامًا كنار الجمر، حتّى عندما لا يتكلّم الفمّ. وكلّ فكر، حتّى لو كان "دنيويًّا" في الظّاهر، يمكن أنّ للصّلاة أن تخترقه وتتغلغل فيه. هناك أيضًا جانب مصلّي في الذّكاء البشريّ؛ إنّه في الحقيقة نافذة تطلّ على السّرّ: ينير الخطوات القليلة الّتي أمامنا، ثم ينفتح على الواقع بأسره الّذي يسبقه ويتجاوزه. هذا السّرّ لا يملك وجهًا مزعجًا أو مؤلمًا: إنَّ معرفة المسيح تجعلنا نثق بأنّه حيث لا تستطيع أعيننا وأعين أذهاننا أن ترى، لا يوجد العدم وإنّما نعمة لا متناهية. إنَّ الصّلاة المسيحيّة تغرس في قلب الإنسان رجاءً لا يُقهَر: ومهما كانت الخبرة الّتي تلمس طريقنا، يمكن لمحبّة الله أن تحوّلها إلى خير.

في هذا الصّدد يقول التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة: "نتعلّم الصّلاة في لحظات معيّنة، عندما نصغي إلى كلمة الرّبّ وعندما نشارك في سرّه الفصحيّ؛ ولكن في كلّ وقت، وفي أحداث كلّ يوم، يُعطى لنا روحه لكي يجعل الصّلاة تتدفّق. […] إنّ الزّمن هو بين يديِّ الآب. إنّه في الحاضر حيث نلتقي به: لا في الأمس ولا في الغد، وإنّما اليوم". لا يوجد يوم رائع آخر غير اليوم الّذي نعيشه. والصّلاة هي الّتي تحوّله إلى نعمة، أو بالأحرى، تحوّلنا: فهي تُهدِّئ الغضب، وتعضد الحبّ، وتضاعف الفرح، وتبعث القوّة على المسامحة. وقد يبدو لنا في بعض الأحيان أنّنا لم نعد نحيا، وإنّما النّعمة هي الّتي تحيا وتعمل فينا من خلال الصّلاة. كلّ يوم يبدأ، إذا قبلناه في الصّلاة، يكون مصحوبًا بالشّجاعة، فلا تكون بعدها المشاكل الّتي ينبغي علينا مواجهتها عوائقًا أمام سعادتنا، وإنّما نداءات من الله ومناسبات للقائنا به.

لذلك دعونا نصلّي دائمًا من أجل كلّ شيء ومن أجل الجميع. نصلّي من أجل أحبّائنا، وإنّما أيضًا من أجل أولئك الّذين لا نعرفهم؛ نحن نصلّي حتى من أجل أعدائنا، كما يدعونا الكتاب المقدّس غالبًا. إنّ الصّلاة تُعِدُّنا لحبٍّ كبير. نحن نصلّي بشكل خاصّ من أجل الأشخاص التّعساء، والّذين يبكون في العزلة وقد قطعوا الرّجاء في أن يكون هناك حبًّا لا زال ينبض من أجلهم. إنّ الصّلاة تصنع المعجزات. وعندها يفهم الفقراء، بنعمة الله، أنّ صلاة المسيحيّ، حتّى في وضعهم غير المستقرّ، تجعل شفقة يسوع حاضرة: في الواقع، كان يسوع ينظر بحنان كبير إلى الحشود المتعبة والضّالّة كخراف لا راعي لها.

تساعدنا الصّلاة على محبّة الآخرين بالرّغم من أخطائهم وخطاياهم. إنَّ الإنسان هو على الدّوام أهمَّ من أعماله، ويسوع لم يدن العالم، بل خلّصه. علينا أن نحبّ الجميع، ونتذكّر، في الصّلاة، أنّنا جميعًا خطأة وفي الوقت عينه أنَّ الله يحبّنا الله جميعًا. وإذا أحببنا هذا العالم بحنان، سنكتشف أنّ كلّ يوم وكلّ شيء يحمل خفيًّا في داخله جزءًا من سرّ الله. يكتب التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة أيضًا: "إنَّ الصّلاة في أحداث كلّ يوم وكلّ لحظة هي أحد أسرار الملكوت الّتي تنكشف "للصّغار"، لخدّام المسيح، وفقراء التّطويبات. إنّه لأمر جيّد وعادل أن نصلّي لكي يؤثِّر ظهور ملكوت العدل والسّلام سيؤثر على مسيرة التّاريخ، ولكن من أيضًا أن "نجبل" بالصّلاة المواقف اليوميّة المتواضعة. يمكن لجميع أشكال الصّلاة أن تكون تلك الخميرة الّتي يشبّه الرّبّ بها الملكوت" (عدد 2660).

"الإنسَانُ أَشْبَهَ نَفخَةً، مِثْلُ العُشبِ أَيَّامُهُ" (راجع مزمور 144، 4- 103، 15). كتب الفيلسوف باسكال: "إنَّ الكون بأسره لا يحتاج للأسلحة لكي يسحق الإنسان؛ يكفي بخار، أو قطرة ماء لتقتله". نحن كائنات هشّة وضعيفة، ولكنّنا نعرف كيف نصلّي: وهذه هي كرامتنا الأسمى. وعندما تكون الصّلاة بحسب قلب يسوع تحصل على المعجزات.

في ختام مقابلته العامّة مع المؤمنين وجّه البابا فرنسيس نداء من أجل الهند قال فيه: "أعبر عن قربي من ضحايا الكارثة الّتي حدثت لثلاثة أيّام خلت في شمال الهند، حيث انكسر جزء من نهر جليديّ وسبّب فيضانًا عنيفًا اجتاح محطّتين لتوليد الطّاقة الكهربائيّة. أصلّي من أجل العمّال الّذين فقدوا حياتهم ومن أجل عائلاتهم وجميع الجرحى والمتضرّرين.

في الشّرق الأقصى وفي أنحاء مختلفة من العالم، سيحتفل يوم الجمعة في الثّاني عشر من شباط فبراير، ملايين الرّجال والنّساء بالعام القمريّ الجديد. أرغب في أن أرسل تحيّاتي القلبيّة إليهم جميعًا ولعائلاتهم، وأتمنّى أن يحمل العام الجديد ثمار أخوَّة وتضامن. وفي هذه المرحلة بالذّات، الّتي نعيش فيها مخاوف قويّة لمواجهة تحدّيات الوباء الّذي لا يؤثّر فقط على أجساد وأرواح الأشخاص، بل يؤثّر أيضًا على العلاقات الاجتماعيّة، أعرب عن أملي في أن يتمكّن الجميع من التّمتّع بالصّحّة الكاملة وصفاء الحياة.

وبينما أدعوكم أخيرًا للصّلاة من أجل عطيّة السّلام وكلّ خير آخر، أُذكِّر أنّنا نحصل عليهم باللّطف والاحترام والبصيرة والشّجاعة. ولا تنسوا أبدًا أن تتحلّوا برعاية تفضيليّة للأشخاص الأشدّ فقرًا وضعفًا."