الأردنّ
15 نيسان 2020, 16:20

كنيسة في زمن كورونا بقلم الأب نبيل حدّاد

نورسات/ الأردنّ
ظلَّت الكنائسُ بما تمثّله من مكانٍ للقّاءِ الرّوحيّ وُجهةً تجتذبُ المؤمنينَ. حَوْلَ مَذابِحِها يتحلّقون، مُحتفلين بالذبيحةِ غيرِ الدمويّةَ، ويصنَعون ما أوصاهُم بهِ المعلِّمُ له المجد (إصنَعوا هذا لذِكرِي..) الكنيسةُ للرَّعيّةِ ليْسَتْ مُجرّدَ مبنىً. إنّها مساحةٌ يتشااركُ فِيها أبناءُ الرّعيةِ. يَنْمُونَ معًا ويُنَمُّونَ شركتَهم الروحيّة. وفي لقائِهم كجماعةٍ كنسيّة، وبالصّلاة المشتَرَكة ينضَمّون كحظيرةٍ محليّة مع خرافٍ أُخَر، ليكونوا جميعاً، عَبْر الزّمَنِ وحولَ العالم،ِ أعضاء في الرعيّةِ الواحدةِ الأكبر لراعٍ واحِدٍ أَوْحَدُ. وإذا كانَتْ الصّلاةُ خروجًا مِنَ الذّاتِ وعَنِ الذّاتِ لِلقاءِ الله تعالى، ووقتاً وفعلاً نتّجه فيه إلى الخالق ونحو الآخر، فهي فعلُ تلاقٍ ومحبّة، بل هي أيضاً ترياقٌ ضدّ كلّ شرٍّ وخطيئةٍ، وهي في هذه الأزمةِ، دواءٌ ضدَّ الشِدّةِ وكلّ إحساسٍ بالضّيقِ والعزلة، يلغي حالةَ الانغلاقِ على الذّات؛ وهذا تعريفٌ أعطاه القدّيسُ أغسطينوس عن الخطيئة أنَّها إنغلاق على الذات (وهي فكرةٌ حديثةٌ تمامًا، وفَطِنَةٌ من النّاحيةِ الأنثروبولوجيّة). تَظَلُّ كنيسةُ الرّعيّةِ للجماعةِ المسيحية بيتَها المُقدَّس. فيه تلتئم كَعائِلةٍ في جَوٍّ تقَويٍّ. فيها يعيشُ أبناؤها محطاتٍ مهمّةً في حياتِهم، وفيها ينالونَ الأسرارَ المُقَدّسة كالعُّمادِ والإكليلِ. فيها تُقامُ الخِدَمُ والطُّقوس، ومن منبَرِها يَتَلقّوْنَ التّعليمَ والوَعظ. إنّها الحيّزٌ الذي يتمَظْهرُ فيهِ اتِّحادُهم (بالجميعِ) الّذين يمتلئُ بِهم العالمَ (لأجلِ العالَمِ أجمَعْ وثباتِ كنائسِ اللهِ المقدّسة واتّحادِ الجميعِ.. من الطلبة السّلاميّة في الليترجيا الإلهيّة) ويتذكّرون حاجاتِ الآخرين، وأنَّها حاجاتٌ عاجلةٌ وحقيقيةٌ تماماً. والصلاةَ في الكنيسةِ، كلِّ كنيسةٍ، ليستْ مَحصورةً في أولئكَ الذين تجمَّعوا داخلَها، بل تتجاوزُ جدرانَ بيتِهم المقدّس ( لأجل هذا البيتِ المقدّس والدّاخلين إليه ...) لتتّصلَ بكلَّ المدنِ والقرى ( لأجلِ هذه المدينةِ وكلِّ مدينةٍ وقريةٍ ...). لا تتوقَّفُ عند حدودٍ جغرافيةٍ. ولا يمنعُها حَظْرٌ ولا عزلٌ، وتُدخِلُ المُصلّينَ في إطارٍ "مسكونيّ" وفي (عولمةٍ) روحِيّة، كأعضاء بل كأبناءٍ في الكنيسةِ الجامعةِ المُقَدّسة. يُدركُ المسيحيون أهميَّة الصّلاةِ الجماعيّةِ. لهذا يَظهرُ حرصُهم على اجتماعِهم المبارَكِ في كَنائِسهِم، حَيثُ يكونُ السَّيدُ المَسيحُ فيما بَينَهُم " لِأَنَّهُ حَيْثُمَا ٱجْتَمَعَ ٱثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ بِٱسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِم". ولا غرابةَ في أن نَرى قلَقَهم، إن لم نَقُلْ ضِيقَهُم، في فترة الحَظْرِ "الكورونيّ" هذه، عِندما لا تتاحُ لَهُم على وجه الخصوص في الأسبوع العظيم المُقدّس في هذه الأيام، فرصةُ الدُّخولِ إلى كنائِسِهم، لِلقاءٍ يُتمّمونَ فيهِ وَصيَّةً جاءَتْ في أوّلِ "تشريعٍ طقسِّي" للصّلاةِ الجَماعيّةِ، لا يتجاوزُ الصّلاةَ الفَردّيةَ، ودون أن يُلغيها. ليبقى الانفرادُ في الصّلاةِ فُرصةَ اختبارٍ شخصيٍّ يعيشُه المُؤمِنُ، حيث يشاءُ، في المكانِ والزّمان. * لقد أُوقِفت في الكنائسِ، هنا وفي العالمِ كلّه، الخِدَمُ الطقسيّةُ الجماعيّة، مَنعاً للمُخالطةِ ولتجنُّبِ العدوى، امتثالاً للتعليماتِ والارشاداتِ الصّادرةِ عن الإداراتِ في الدّولة، واستجابةً لمقتضياتِ السّلامة والخَيْرِ العامّ، في الحفاظِ على الصّحّةِ الشخصيّةِ والصحّةِ العامّةِ. وَصارت وسائلُ التّواصلِ الاجتماعيّ الافتراضيّ منصَّاتٍ ومَنابر للبِشارةِ، وصار اليوتيوب وصفحاتُ الفيسبوك وأخواتُها تحملُ لنا التّرانيم والمواعظ ! فَأَضْحَت في زمنِ التّباعدِ الاجتماعيّ وسائلَ "توصيل" البشارَةِ والخِدمةِ اللرّوحيّةِ عن بُعد، فتلتقي العائلةُ فيما بينها في كَنيسةٍ بَيتيّةٍ تتَّحدُ بالصَّلاةِ معَ الأُسَرِ المصلّية ضِمنَ الجماعةِ الواحِدَة. * نُغادِر أجواءَ هذا الزّمن الفيروسيّ الغادر، الغارقةَ في تفاصيلِ الحالةِ المملوءةِ قلقاً وتبعثُراً وهذه الحيرة "الكورونيّة" التي تَسودُ عالَمَنا كلَّه. ونَخرُج من ذواتِنا، دونَ أنْ نُغادِرَ بيوتَنا، وَنُوَجّهُ قلوبَنا أكثر إلى اللهِ تعالى ونحوَ القريب، في تلاقٍ يَحمِلُ حبَّنا لله تعالى ولأخينا الانسانِ. ونتذكَّر أن صلواتِنا وتلاقي قلوبِنا، تجعلُ منَ اللّحظةِ الحاضرةِ في زمن التباعدِ الأجتماعيّ، كنيسةً وحيّزاً للتَّواصلِ الرّوحيّ وعبادةً جماعيّةً تُحبُّها السّماءُ، وتَفرحُ بِها وَبِنا. ولكأنِّي بِالصَوْت يَقولُ : "مَتَى اتَّفَقَ اثْنانِ أو ثَلاثَةٌ بِاسْمِي، عَلى الحُبِّ ووالرَّجاءِ وَالخَيْرِ، فَهُناكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِم". مع الدُعاء للجميعِ بالهناءِ والسّلام والسّلامَة