الأردنّ
08 أيار 2025, 05:55

مشاركة بطريركيّة لافتة في مؤتمر "المسيحيّون في المشرق العربيّ وطموحات الوحدة والتّنوير" في الأردنّ

تيلي لوميار/ نورسات
شارك كلّ من: بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، وبطريرك السّريان الأرثوذكس مار إغناطيوس أفرام الثّاني، وكاثوليكوس كيليكيا للأرمن الأرثوذكس آرام الأوّل كيشيشيان، وكاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان، وبطريرك القدس للرّوم الأرثوذكس ثيوفيلوس الثّالث، والمطران إياد طوال ممثّلًا بطريرك القدس للّاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، وعدد من المطارنة والخوارنة والكهنة والرّهبان والرّاهبات من مختلف الكنائس، في مؤتمر "المسيحيّون في المشرق العربيّ وطموحات الوحدة والتّنوير"، في عمّان- الأردن، بدعوة من المعهد الملكيّ للدّراسات الدّينيّة.

المؤتمر الّذي رعاه وشارك فيه الأمير الحسن بن طلال، رئيس مجلس أمناء المعهد الملكيّ للدّراسات الدّينيّة، وشارك فيه عدد من المشايخ في عمّان، وشخصيّات رسميّة وفعاليّات.

تخلّلت الجلسة الافتتاحيّة كلمات للأمير بن طلال وللبطاركة ولعدد من رؤساء الكنائس في الأردنّ، عبّروا فيها عن أهمّيّة الحضور المسيحيّ في منطقة الشّرق الأوسط وضرورة تعزيزه بالوحدة والتّعايش الأخويّ مع إخوتهم وشركائهم في الوطن.

ومن بين هذه الكلمات، كانت كلمة ليونان نوّه فيها بأهمّيّة دعوة المسيحيّين في الشّرق الأوسط والتّحدّيات الّتي يجابهونها، "فالمسيحيّة متجذّرة في بلدان الشّرق الأوسط منذ آلاف السّنين، وساهمت بثقافاتها ولغاتها العريقة في انطلاقة الحضارة العالميّة المعروفة في أيّامنا. لقد نقلت تمدُّنها وإيمانها إلى القارّة الأوروبيّة الّتي عليها نشأت الحضارة العالميّة الّتي نعرفها اليوم. إنّ واقع التّعدُّديّة في طقوس الكنائس الشّرقيّة ولغاتها وتراثها أمرٌ يثير الاستغراب وبعض الشّكوك، وكأنّ هناك اختلافًا خطيرًا في الإيمان يُنشِئ خلافات وعداوات فرضت الانقسامات. إنّ حقيقة الواقع هي أنّ المسيحيّين كانوا قد أُرغِموا على الهرب من أماكن تواجدهم في مناطق بلادهم الأصليّة، ولجأوا إلى الجبال والبوادي حيث عاشوا لعصور طويلة حفاظًا على إيمانهم، إلى أن سُمِحَ لهم في أواخر القرون الوسطى أن يعودوا آمنين إلى المناطق المدنيّة في بلادهم المستقلّة عن الحكم العثمانيّ. وبعدئذٍ تكوّنت الكنائس المتعدِّدة والمتميِّزة بالطّقوس واللّغات الخاصّة بها".

وأشار بحسب إعلام البطريركيّة إلى وجود "كنائس مستقلّة ذات شرع خاصّ، ومتميِّزة بتراثها السّريانيّ والمارونيّ والبيزنطيّ والأرمنيّ والكلدانيّ والقبطيّ في مختلف بلدان الشّرق الأوسط. وقد خطت هذه الكنائس طريقًا غير سهل لتحقيق الوحدة المنظورة، وعرفت مبادرات حقيقيّة للتّلاقي والتّضامن والشّراكة في البشارة والرّسالة الرّعويّة، ولا تزال تلتقي بروح الأخوّة في الصّلاة والتّحاور في مجالس وحدويّة عديدة، كالمجالس البطريركيّة والأسقفيّة ومجلس كنائس الشّرق الأوسط ومجلس الكنائس العالميّ والمجالس الكنسيّة المحلّيّة على مستوى البلد الواحد أو الإقليميّة على صعيد القارّة الواحدة".

وتطرّق إلى موضوع الإرهاب باسم الدّين، والمهيمن "على قلوب وأفكار التّنظيمات الجهاديّة الهادفة إلى نشر الإسلام السّياسيّ نموذجًا تفرضه بالتّرهيب على العالم. كلّنا نعلم ماذا حلّ ببلادنا المشرقيّة في العقود الثّلاثة الأخيرة من ويلات مخيفة حدثت باسم هذا الفهم الخاطئ للدّين! لقد استغلّ البعض انتشار الفوضى في بعض من بلادنا، فنفّذوا أعمالًا إرهابيّة أعادَتْنا إلى ماضٍ لا نزال نذكره باستنكار شديد، حيث تمّت إبادة للمسيحيّين قام بها ساسة مُضلَّلون ومضلِّلون في الدّولة العثمانيّة".

وتحدّث يونان عمّا قامت به داعش وأتباعها من تنكيل "بمجموعات بريئة من المواطنين العزَّل، قتلًا وخطفًا وتهجيرًا. وهنا لا بدَّ لنا أن نذكر بألم عميق المجزرة الّتي نفّذها إرهابيّون باسم الدّين في كاتدرائيّتنا "سيّدة النّجاة" في بغداد، في ٣١ تشرين الأوّل ٢٠١٠، حيث راح ضحيّتها ٤٨ شهيدًا و٨٠ جريحًا كانوا يصلّون في كنيستهم. وتسبّبت هذه المجزرة الرّهيبة بتهجير المسيحيّين من العراق شرقًا وغربًا، ومنهم، كما ذكرنا، آلاف العائلات الّتي اتّخذت من المملكة الأردنيّة الهاشميّة ملجأً. لقد تمادى الإرهابيّون في الشّرّ، فنكّلوا بمكوِّنات أصيلة في الموصل وسهل نينوى بالعراق، معلّلين أعمالهم الإرهابيّة بإقامة الخلافة في بلاد الرّافدين وسوريا، فاقتلعوا السّكّان من أرضهم، ودمّروا وأحرقوا أماكن العبادة والمؤسَّسات التّربويّة والمنازل، مدفوعين بأجندات سياسيّة مريبة، انقادوا لها بالتّزمُّت البغيض والكراهيّة الشّديدة، وكلّ ذلك باسمه سبحانه وتعالى. لنقلها بصراحة وأمانة للحقّ: هؤلاء الّذين صنعوا الإرهاب وسعوا لتصديره إلى بلاد أخرى، مدّعين أنّهم يعاقبون التّكفير، هم الّذين كفروا بإله المحبّة والعدل والرّحمة والسّلام".

ولفت إلى أنّ "ما يُسمّى بالنّظام العلمانيّ في يومنا أضحى دينًا ذا منهج تغلّب عليه الدّيكتاتوريّة المعلَنة أحيانًا والمستترة غالبًا. وبدل أن تحترم العلمنة حرّيّة المكوِّنات الدّينيّة وتنظّمها بقوانين مدنيّة عادلة، لا تزال تلجأ إلى إلغاء الدّين بحجّة الابتعاد عن التّعصُّب والتّمييز!… انبثقت العلمنة بصورة خاصّة من موجة الاستنارة والتّنوُّر والتّنوير، وهي مصطلحات فلسفيّة عرفها الغرب في القرن الثّامن عشر، دعَتْ إلى تغليب العلم والمعرفة على الجهل والتّخلُّف في حياة الأفراد والمجتمعات والدّول. وهذه المصطلحات الفلسفيّة هي أساسًا منبثقة من الدّيانات التّوحيديّة الّتي تؤكّد على أنّ الله هو النّور في ذاته، وهو مبدع النّور، به تنقشع ظلمة الشّرور، وبه ينتشر الحقّ، وبه تقود الهدى إلى الخير".

وأكّد على حاجة "عالمنا اليوم إلى النّور الإلهيّ وإلى الاستنارة به، فنتنوّر ونُنير الآخرين التّائقين إلى معرفة الحقيقة والدّفاع عن الحقّ والسّعي إلى فعل الخير ونشر السّلام. وهذا يستوجب أن يلتزم الّذين إليهم عُهِدت مسؤوليّة الرّعاية والإرشاد والتّوجيه، وذلك بأن يقدّموا جهارًا ودون تأويل، خطابًا دينيًّا مؤسَّسًا على "مكارم الأخلاق"، فيستعينوا بالنّصوص الدّاعية إلى المحبّة والتّسامح والصّلاح، وإلى قبول الآخر، والسّعي مع ذوي الإرادة الصّالحة إلى بناء المجتمعات والأوطان".

وذكّر بأنّه "في جميع لقاءاتنا مع المسؤولين في حكومات بلدان الشّرق الأوسط نسمع هذا التّأكيد بأنّ البلد يحتاج إلى المسيحيّين كي يحافظ على هويّته المميَّزة. ونحن بدورنا نشكرهم ونؤكّد لهم تصميم المسيحيّين وإرادتهم أن يبقوا في الوطن، ثابتين في أرض آبائهم وأجدادهم، ولكنّهم يحتاجون إلى أفعال تؤمّن لهم حقوقهم من عدالة ومساواة. فالمسيحيّون مستعدّون أن يقلبوا صفحات الماضي الأليمة إذا ما نالوا حقوقهم في المواطنة الكاملة والّتي لا تفرّق ولا تميّز".

وختم كلمته بالقول: "جميعنا نعترف بأنّ اللّقاءات والمؤتمرات الحواريّة المشترَكة مهمّة في التّعارف وفي تبادل الخبرات، مع السّعي لنشر الأخوَّة الصّادقة الّتي تعترف بالآخر وبحقّه أن يكون مختلفًا في عقيدته الإيمانيّة وفي علاقته مع الذّات الإلهيّة. لقد حان الوقت كي تجمع أوطاننا جميع مكوِّناتها، وتتعالى الحكومات عن واقع الأغلبيّة والأقلّيّات في الدّين والطّائفة وعن المفهوم الخاطئ لنتائج صناديق الاقتراع. مطالبُنا المحقّة تتمثّل بألّا يتجاهل أيّ نظام، باسم الدّيمقراطيّة، خطر إدماج الدّين في الحكم، بل على الّذين أُسْنِدَ إليهم الحكم أن يسعوا قولًا وفعلًا لطمأنة الجميع، لاسيّما المكوِّنات الأصغر عددًا، وأن يمنعوا بشتّى الوسائل استغلال الدّين للعنف والتّرهيب لأيٍّ من المواطنين، وهذا شرطٌ أساسيّ كي يتشارك الجميع في مشروع بناء وطنهم على أسس الحقّ والعدل والمساواة والتّضامن والمحبّة والعيش الواحد".

أمّا أفرام فأشار في كلمته إلى عنوان المؤتمر الّذي يحمل دلالات عميقة تعكس قيم العيش المشترك بين جميع مكوّنات المشرق. وتحدّث عن الهويّة المسيحيّة المشرقيّة، لافتًا، بحسب إعلام بطريركيّته، إلى أنّها لسيت محصورة في دين معيّن، وأنّ المنطقة تعايشت فيها حضارات عديدة. وقال: "إنّ المسيحيّين والمسلمين تشاركوا في القرن السّابع الميلاديّ بصياغة الحضارة العربيّة الجديدة، مستحضرًا دور العديد من العلماء والمترجمين المسيحيّين العرب والسّريان في العهد العبّاسيّ"، ومؤكّدًا على ضرورة عدم توظيف الدّين لغايات التّفرقة والانقسامات.