كلمة البطريرك الرّاعي في افتتاح أعمال الدّورة السّنويّة الـ51 لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان
"يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا، وأشكر الله معكم على أنّه أتاح لنا إمكانيّة عقد هذه الدّورة الواحدة والخمسين من مجلسنا، الّتي نضعها تحت أنوار روحه القدّوس، وشفاعة سيّدتنا مريم العذراء، أمّ الكنيسة وسلطانة الرّسل. فنلتمس نجاح الأعمال لمجد الله وخير كنائسنا، فيما نعالج موضوعها العامّ: "شؤونًا راعويّة وقانونيّة حول الزّواج والعائلة، واليوبيل الذّهبيّ للمجلس".
2. ويطيب لنا أن نرحّب بالأعضاء الجدد: صاحب الغبطة البطريرك يوسف العبسي، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق والإسكندريّة وأورشليم للرّوم الملكيّين الكاثوليك، وقدس الأباتي مارون الشدياق، الرّئيس العامّ للرّهبانيّة المارونيّة المريميّة، وقدس الأباتي مارون ابو جوده، الرّئيس العامّ للرّهبانيّة الأنطونيّة، والأمّ سيلفستر العلم، النّائبة العامّة والرّئيسة الإقليميّة لرهبنة الورديّة في لبنان، عن مكتب رابطة الرّهبانيّات النّسائيّة.
3. ونعرب عن شكرنا لصاحب الغبطة غريغوريوس الثّالث، ولسيادة المطران مار باسيليوس جرجس القسّ موسى، المعاون البطريركيّ للسّريان الكاثوليك، الّذي غادر لبنان لخدمة راعويّة في أستراليا، وللرّئيسيَن العامَّين السّابقَين: الأباتي بطرس طربيه والأباتي داود رعيدي، وللأمّ ماري كلود ندّاف. إنّنا نؤكّد لهم جميعًا محبّتنا وصلاتنا.
4. وثيقتان لقداسة البابا فرنسيس اقتضتا أن نعالج شؤونًا راعويّة حول الزّواج والعائلة. هما الإرشاد الرّسولي "فرح الحبّ"، والإرادة الرّسوليّة "يسوع العطوف الرّحوم".
5. "الشّأن الرّاعويّ" في دورتنا يختصّ "بالمُرافقة العائليّة". الإرشاد الرّسوليّ "فرح الحبّ" يتوسّع في هذا الموضوع في فصله السّادس فيعتبر "من الضّروري مرافقة الزّوجَين، خلال السّنوات الأولى من حياتهما الزّوجيّة، لإغناء وتعميق القرار الواعي والحرّ بحبّ بعضهما البعض حتّى النهاية، وبخاصّة عندما يعيش الأزواج أزمة حبّ وعاطفة بسبب تضاؤل الانجذاب الجسديّ." (الفقرة 217).
إنّها مرافقة راعويّة يشارك فيها أزواج ذوو خبرة حياتيّة وحركات كنسيّة. تعمل هذه المرافقة على إحياء الرّوحانيّة العائليّة والصّلاة والمشاركة في ليتورجيا الأحد، وتكشف أهمّيّة بذل الوقت للعيش معًا، وسماع الواحد الآخر، ومساندة الواحد الآخر. إنّ الرّعيّة هي المكان الأمثل لممارسة هذه الرّاعويّة العائليّة (راجع الفقرتين 223-224).
6. ويعدّد الإرشاد الرّسوليّ "فرح الحبّ" تحدّي الأزمات النّاتجة عن الحياة الزّوجيّة والعائليّة، وعن جراح قديمة في حياة أحد الزّوجَين أو كِلَيهما (الفقرات 232-240). وهي أزمات، إذا لم تُعالج بالمرافقة الرّاعويّة، أدّت إلى فشل الحياة الزّوجيّة وكسر رباطها.
وثمّة مرافقة للأزواج الّذين كسروا رباطهم الزّوجيّ سواء بالهجر أمّ بالإبطال أمّ بالفسخ. فتسعى المرافقة إلى مصالحتهم (الفقرتان 242-243)، وإلى تجنيب أطفالهم صدمات هذا الواقع وهم ضحاياه البريئة (راجع الفقرة 245).
7. ويستكمل الإرشاد الرّسوليّ، في فصله الثّامن، هذه المرافقة بتمييز الحالات الشّاذّة عن القانون، وكيفيّة مقاربتها الرّاعويّة. "فالكنيسة ملزمة بأن ترافق باهتمام أبناءها الأكثر ضعفًا الّذين يعانون من حبّ مجروح ومفقود، لتعيد إليهم الثّقة والرّجاء. فهي مثل ضوء المنارة في الميناء، والسّراج في وسط النّاس، لتنير الّذين ضلّوا طريقهم، ويوجدون في قلب العاصفة. الكنيسة في ذلك أشبه بمستشفى ميداني" (الفقرة 296).
إنّ هذه المرافقة الرّاعويّة المتنوّعة توجب على كلّ أبرشيّة إنشاء "مركز للإصغاء والمرافقة" إلى جانب "مركز التّحضير للزّواج" الّذي يُلزم الخطّاب بمتابعة دوراته، وفقًا للبرامج المعدّة من اللّجنة الأسقفيّة للعائلة والحياة، لكي يحصلوا على الإذن بعقد زواجهم.
8. أمّا "الشَّأن القانونيّ" في الزّواج والعائلة، فترسمه الإرادة الرّسوليّة "يسوع العطوف الرّحوم". وهو أنّ الأسقف في أبرشيّته راع ورأس، وبالتالي قاضٍ على المؤمنين الموكولين إلى عنايته (المقدّمة). وبهذه الصّفة يسهر على حماية الأزواج في الأمانة لعهد الحبّ والرّباط الزّوجيّ، ويتابع باهتمام دعاويهم القضائيّة ساعيًا إلى مصالحتهم وإلى حماية أولادهم من الصّدمات النّفسيّة كاملًا على أن ينعموا بعاطفة أبيهم وأمّهم. وبكونه قاضيًا، على الأسقف أن يحكم في القضايا الّتي تعدّدها الإرادة الرّسوليّة وتُسمّى "المحاكمة الأقصر أمام الأسقف (قواعد خاصّة، المادة 14). فلكي يقوم الأسقف بواجبه الرّاعويّ والقضائيّ هذا يحتاج إلى إنشاء هيئة تساعده في خدمته (قواعد عامّة، المواد 1-6).
9. ليست الغاية من الإصلاح في قانون المحاكمات الزّواجيّة، الّذي أجرته هذه الإرادة الرّسوليّة، تسهيلًا لدعاوى بطلان الزّواج، بل الإسراع في بتّها إيجابًا أو سلبًا. فالتّأخير والمماطلة يُتعبان الأزواج المعنيِّين، ويحملانهم على اتّخاذ مواقف معادية للكنيسة ولمحاكمها، وعلى ارتكاب الخطيئة، كما قال المكرَّم البابا بيوس الثّاني عشر. ويهدف الإصلاح إلى أن تتوفّر لكلّ زوج إمكانيّة اللّجوء إلى المحكمة عبر المعونة القضائيّة (راجع القسم الثّاني: قواعد عامّة المواد 1-6).
10. إنّ الإصلاح الّذي أجراه قداسة البابا فرنسيس على أصول المحاكمات الزّواجيّة، عبر الإرادة الرّسوليّة المذكورة، مرتبط ارتباطًا وثيقًا بجمعيّة سينودس الأساقفة حول الزّواج والعائلة، كمطلب من آباء السينودس. ولذا، ذكره البابا فرنسيس في الإرشاد الرّسوليّ "فرح الحبّ" كوجهٍ راعويّ قانونيّ، في الفصل السّادس، حول مرافقة الأزواج (راجع الفقرة 244). إنّ الأساس في الخدمة الأسقفيّة راعويّ، ويمسّ جوهرها، أمّا القضائيّة فضروريّة، ولكن غير جوهريّة. وهي مفيدة، وملأى بالثّمار إذا اتّصفت بروح الخدمة (diaconia). الأسقف هو الرّأس والخادم، فيما النّائب القضائيّ والقضاة خدّام وأدوات ومعاونون مهمّون للأسقف.
وبما أنّ الأسقف "قاضٍ وطبيب"، من واجبه أن يداوي الشّخص المجروح، ليحصل من الله على الشّفاء والمغفرة، ويتصالح مع الكنيسة. والأسقف المُقام من الرّوح القدس صورة المسيح ومكانَه هو قبل أيّ شيء خادم الرّحمة الإلهيّة الّتي يمارسها عبر سلطته القضائيّة. إنّه في كلّ ذلك يُطبّق مبدأَي التّدبير والرّحمة (راجع مقدّمة الإرادة الرسوليّة).
11. أمّا الموضوع الثّاني لدورتنا بشأن "اليوبيل الذّهبيّ للمجلس"، فنجد بين أيدينا دراسة أعدّتها اللّجنة المعنيّة بعنوان: "إستدراك المستقبل في سبيل راعويّة استباقيّة"، ومشروع "الخطّة المقترحة"، على مدى الثّلاث سنوات المقبلة. وسيكون لهذا الموضوع الوقت اللّازم.
12. أمّا الموضوع الثّالث فهو الاطّلاع على تقارير اللّجان والهيئات، وإجراء الانتخابات في الوظائف الشّاغرة.
13. بالاتّكال على عناية الله، وأنوار الرّوح القدس، وشفاعة أمّنا مريم العذراء، نبدأ أعمالنا، راجين لها النّجاح والثّمار المنشودة من جودة الله".