مصر
07 كانون الثاني 2017, 10:25

كلمة البابا تواضروس في قدّاس عيد الميلاد

احتفل البابا تواضوروس الثّاني في قداس عيد الميلاد المجيد بالكاتدرائية المرقسية في العباسية، بحضور الرّئيس السّيسي وجمهور المؤمنين؛ وبعد تلاوة الانجيل المقدّس، ألقى تواضوروس عظةً، جاء بها:

باسم الآب و الابن و الروح القدوس ، الإله الواحد آمين ، تحلّ علينا نعمته وبركته من الآن وإلى الأبد آمين. أهنئكم أيّها الأحباء بعيد الميلاد المجيد والعام الجديد 2017.

أودّ أن أرسل التحية لكل الشهداء الذين سالت دماؤهم لتصير الكنيسة البطرسية كنيسة الشهداء وبشفاعتهم نعيش ونخدم ، ونصلي من أجل أبنائنا المصابين لكي يكمل الرب شفاءهم. بالإصالة عن نفسي وبالنيابة عن المجمع المقدس وجميع الهيئات القبطية أشكر تهنئة وحضور السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وأعتذر عن ضيق المكان لأسباب الترميم ، ثمّ ذكر قداسته الهيئات والسفارت و الجهات وأسماء المهنئين.

أودّ في البداية أن أرسل التحية و التهنئة لجميع الأساقفة والكهنة في أميركا وكندا وأوروبا وأميركا اللاتينية ، وأفريقيا وأورشليم وأستراليا ، ونرحّب بكل الذين شرّفونا. عيد الميلاد المجيد نفتتح به العام الجديد. و نحن نحتفل بعيد الميلاد المجيد ونسعد بالمشاركة مع كل أحبائنا باحتفالات الميلاد المجيد، أحب أن أذكّركم أنّ الله عندما خلق الإنسان في البدء أوجد له كل مصادر الطبيعة، الشمس والقمر والنجوم والحيونات والبهائم والبحر ومصادر المياه ومصادر الطاقة، وكل ما يحتاج إليه الإنسان على الأرض، وسلّمها لآدم كملك مفتوج؛ ولكن كسر آدم الوصية وبدأت الخطية تنتشر وامتدت إلى كل الأشكال الوحشية، و صار الإنسان بئراً للرغبات، ومع انتشار البشر، انتشرت بعض الفضائل مثل العطاء والتعاون، ولكن انتشرت معها الخطيئة وأصبح الإنسان يحمل بعض الفضائل مع الخطيئة. وأريد أن أحدثكم عن فضيلة يفتقدها الإنسان، وهي فضيلة التطلع للسماء. والمدهش أنّ كل البشر يرون السماء، ولكنهم يختلفون في رؤيتها .... البعض يلجأ إليها أحياناً، والبعض لا ينظر لها ، و البعض يراها و لا يركز عليها ، وقليلون هم الذين يتطلعون لها. ولكن أصبح الإنسان يتناسى السماء.

في قصّة الميلاد نتقابل مع شخصيات ركّزت على السّماء، أوّلهم  العذراء مريم  وكانت فتاة نقية تعيش في الهيكل وتخدم الله. العذراء كانت قديسة تتطلع للسماء التي عندما جاءت لها البشرة أنّها ستلد المسيح بدون رجل و كانت مستحيلة في علم البشر، استجابت للبشرة لأنّها كانت تتطلع للسماء. أمّا  الرعاة البسطاء الأمناء الذين كانوا يتطلعون في الليل إلى السماء، فظهر لهم الملاك و قال لهم، ها أنا أبشركم بفرح عظيم لأنهم كانوا يتطلعون للسماء. وكان هذا في بيت لحم وكلمة بيت لحم عبرية، و تعني بيت الخبز . كذلك المجوس، كانو حكماء من المشرق ، فكانوا يتطلعوا للسماء وعندما رأوا نجماً يدل علي ميلاد ملك حملو هداياهم و ذهبوا إلى بيت لحم رافعين عيونهم للسماء وإلى النجم الذي أرشدهم عن مكان ميلاد الرب يسوع، فحملو له ذهباً ولباناً ومراً وهدايا لا تقدم لطفل. أمّا سمعان الشيخ  كان يعمل مترجم من اليونانية إلى العبرية، وأثناء الترجمة السبعينية، عندما كان يترجم عبارة "ها العذراء تحبل وتلد" أراد أن يستبدل كلمة عذراء بكلمة امرأة ، ولكن ظهر له ملاك قال له أكتب ما هو أمامك وبشّره برؤيا المسيح .  و في سن أربعين يوماً استطاع أن يحمل المسيح على ذراعيه، و قال عبارته الشهيرة " الآن يا سيدي تطلق عبدك بسلام " و كان يتطلع إلى السّماء حتي رأى المسيح. ونذكر أيضاً حنا النبية، وهي كانت أرملة و كانت تسبح وهي أرملة متطلعة للسماء. الإنسان ينشغل بالأرض و بالأرضيات وكل ما هو على الأرض له سعادة محدودة سريعاً ما تنتهي. ولكن السعادة الآتية من السماء تدوم، ولذلك نصلي و نقول عبارة " كما في السماء، كذلك علي الارض."

ولكن ما هي فائدة التّطلع للسّماء؟ أنت تتطلع إلى الله الخالق مصدر وجودك الذي وهبك المسؤولية والعلم والموهبة، وكل المعطيات التي يتنعم بها الإنسان، الله الخالق الذي يرعاك و الذي عينه عليك من أول السنة إلى آخرها.  تطلّع إلى النور، لا أقصد النور المادي ( النجوم )، بل أقصد النور المعنوي الذي ينير في قلبك و يجعل قلبك مستنيراً، و نسمع عبارة " أعمى القلب" عندما يكون قلبك منور تستطيع كل شئ بحكمة و يكون لديك الاستنارة. أنّك تتطلّع الى مجتمع الفرح. فالشعوب تبحث عن السعادة، ولكن تبقى السعادة الحقيقية في السماء، لأنّ كل ما هو على الأرض ينتهي بسرعة و يحمل سعادة مؤقتة، وأمّا فرح السماء دائم.   

يحكى عن ملك كان يبحث عن السّعادة وكان دائماً ما يسأل الناس عن مصادر السعادة. و كان كل شخص يقول له مصدر مختلف لا يجلب السّعادة، حتى أتى له شخص، و قال له أنّ السعادة لها قميص عند إنسان فقير يعيش خارج المدينة، فذهب له الملك فسأله هل أنت سعيد؟ فقال له نعم. فسأله الملك هل لديك قميص ؟ فقال يا جلالة الملك ليس عندي قميص. فاكتشف الملك أنّ سرّ السّعادة موجود في قلبه بداخله.  وهنا أهميّة مجتمع السلام ، لأنّك عندما تنظر إلى السماء ، ترخص الأرض في عينك، وتمتلك طاقة الفرح. عندما تتطلع إليها تتطلع إلى السلام الكامل الموجود في السماء.  

كذلك عندما نتطلع للسماء نتطلع إلى مجتمع القديسين و يصبح لك أصدقاء من القديسين و تشعر بالسعادة ، و يقول القديس بولس لي اشتياق أن أنطلق وأكون مع المسيح. لذا، نصلّي من أجل أن لا نرتبط فقط بالأرض، بل بكل ما هو في السماء، لأنّ موطن روحك هو السماء.  لذلك يجب أن تتطلع الروح إلى موطنها الأصلي. نحن نصلّي من أجل كل شخص في مسؤوليّة، ونصلّي من أجل كل الذين في شدّة وكل بلدان أحباءنا في الشرق الأوسط بجميع الأزمات، ونصلّي من أجلكم جميعاً، وكل عام وأنتم بخير. و لإلهنا المجد الدّائم إلى الأبد، آمين .