كلمة الأباتي إدمون رزق في حفل تكريم الأباتي جبرايل القرداحي
"نلتقي اليوم، في هذا الحفل المبارك، لنكرّم علمًا من أعلام الفكر والرّهبنة، علاّمةً عظيمًا، سخّر حياته للعلم والإيمان، وجعل من فكره سراجًا على منارة الأجيال، ومن كتاباته شهادةً حيّةً على التزامه بالإنسانيّة الواعية.
إنّ الأباتي القرداحيّ، لم يكن رئيسًا عامًّا على رهبانيّته، لكنّه نال رتبة الأباتيّة من البطريرك بولس مسعد، تقديرًا لإنجازاته في الرّهبانيّة ومن أجل خدمة وخير الكنيسة. وتكريمه اليوم ليس تكريمًا لشخصه فحسب، بل هو تكريم لمسيرة طويلة من رجالات كبار قدّموا حياتهم من أجل الحقيقة والمعرفة والقداسة. هؤلاء الرّجال يجسّدون صورة الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة الّتي لم تتوقّف عن تقديم شهادة حيّة، إن في الإيمان وإن في العلم والتّربية.
إنّ الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة الّتي أفتخر أن أحمل اسمها، نشأت برغبة مؤسّسين عظماء، أناروا طريق البيعة من حبّهم لله وسعيهم الدّؤوب في رقيّ الإنسانيّة. فها المطران عبدالله قراعلي، ابن العائلة الغنيّة يتجرّد من غناه المادّيّ ليغتني بالكلمة وبالمشورات الإنجيليّة، وها العلّامة جرمانوس فرحات يتفوّق ويشتهر في العلم والأدب والوعظ والفضل والفضيلة، حتّى دعي بحقّ: أبا اللّغة العربيّة ورائدها العظيم. وها الأباتي العلّامة يوسف السّمعانيّ الكبير، صاحب المكتبة الشّرقيّة "Biblioteca Orientalis" يطلق حركة الاستشراق، ويعرّف الغرب على الشّرق، والشّرق على الغرب. أمّا الأباتي بطرس فهد، فقد أغنى المكتبات بما كتبه عن تاريخ الرّهبانيّة والطّائفة المارونيّة... والسّبحة تكرّ، حاملةً أسماء الكثيرين من أبناء هذه الرّهبانيّة الّذين خدموا في الرّسالات وعلّموا في الحياة، وساسوا ودبّروا في مجالات كثيرة، وخافوا على خلاص النّفوس وكانت صلواتهم مع مساعيهم أكاليل رجاء أينما حلّوا، حتّى نصل اليوم، إلى غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي. ولا يسعنا إلّا أن نرفع التّحيّة الصّادقة والإجلال الكبير لغبطتكم. أنتم الرّاعي الصّالح الّذي يحمل همّ الكنيسة المارونيّة ورسالتها في لبنان والعالم، بصوت نبويّ يصدح بالحقّ، وبقلب أبويّ لا يعرف إلّا العطاء. أنتم النّور الّذي يرتفع ليضيء مسار اللّبنانيّين في الحقّ والخير.
لقد كنتم ولا تزالون حافظين للكنز ومدافعين عن الثّقافة الإنسانيّة والإيمانيّة. أنتم صوت الحقّ والضّمير، الحامل الشّجاع لقيم الكنيسة المارونيّة في لبنان والعالم، الرّاعي الّذي يناضل لنهضة شعبه، والمدافع عن وحدة لبنان، وزارع الرّجاء الأوّل في نفوس أبناء كنيسته. ولن ننتظر المستقبل لنشكركم ونكرّمكم، لأنّكم محطّة تكريم يوميّة وصلاة شكر لا تنتهي.
اليوم يا صاحب الغبطة، بطريركنا الغالي، أردنا بتكريم العلّامة الأباتي جبرايل القرداحي، أن نكرّم عظماء رهبانيّتنا جميعًا المذكورين والمنسيّين، ولكم يا أبانا جزيل الشّكر والتّقدير.
مرحبًا بكم جميعًا، ومرحبًا بكم يا صاحب الغبطة، أنتم تاج هذا اللّقاء، وبهاء هذه المناسبة، وشهادة حيّة على استمرار الرّسالة الّتي بدأها آباؤنا العظماء.
نرجو لهذا اللّقاء أن يكون وفاءً لمسيرة الأباتي جبرايل القرداحيّ، ولرسالة تقليديّة تحمل مفتاح الغد الأفضل."