دينيّة
26 تموز 2017, 05:30

قدّيسو اليوم: 26 تموز 2017

تذكار البارّة بريجيتا الملكة (بحسب الكنيسة المارونية) كانت بريجيتا من اسوج، شمالي اوروبا. وكان ابوها احد ملوك البلاد اسمه بيرجو. واسم امها سيفريد نسيبة ملوك الغُطط. كانا مشهورين بالتقوى والصلاح. ولدت عام 1302، عنيا بتربيتها على مخافة الله وحب الفضيلة.

 

ولما بلغت السادسة عشرة من عمرها، زوّجها ابوها من أميرِ نيريك، فاشتركت واياه في رهبانية مار فرنسيس. ورزقا ثمانية بنين، فاعتنت بتربيتهم احسن تربية وغرست في قلوبهم مخافة الله وروح الايمان الكاثوليكي الحي. ثم اقنعت زوجها بحفظ العفة. فانضوى الى رهبنة القديس مبارك، لكنه ما لبث ان توفي بنسمة القداسة سنة 1344. قبل ان يبرز النذور الرهبانية.

اما بريجيتا فاعتزلت في ديرٍ مدة سنة، ممارسة انواع الزهد والنسك. وعاشت ارملة ثلاثين سنة، لم تنزع المسح عن جسمها ولم ترقد الا على بساط دون غطاء. وتكتوي كل يوم جمعة بشمعة مضاءة اكراماً لآلام المسيح وتضع في فمها عشبة شديدة المرارة تذكاراً لما ذاقه الفادي الالهي من الخل والمر. ولم تكن تقشفاتها لتعوقها عن مباشرة اعمال الرحمة. فتعول كل يوم اثني عشر فقيراً، تخدمهم على المائدة. ويوم خميس الاسرار تغسل ارجلهم.

وقد أنشأت مستشفيات للمرضى تقوم هي بنفقاتهم. وبمساعدة العيلة المالكة، أنشأت جمعية دعيت باسمها انضوى اليها كهنة قانونيون وراهبات كثيرات. وقد استحقت ان يتجلى لها المخلص مراراً ويوحي اليها اوحية كثيرة قد روتها على مرشديها ومعرفيها فألفوا منها كتاباً ضخماً. وقد ساعدت كثيراً في ارجاع البابوات من أفينيون الى رومة. وزارت الاراضي المقدسة. وبعد زيارتها عادت الى رومة. وقبل وفاتها بخمسة ايام ظهر لها المخلص وانبأها بقرب نعيمها بالمجد الابدي. فرقدت بسلام في 23 تموز سنة 1373. وأحصاها البابا بونيفاسيوس التاسع في مصاف القديسات. واثبتها البابا مرتينوس الخامس سنة 1419. صلاتها معنا. آمين.

 

القديسة حنّة أم مريم العذراء (بحسب الكنيسة السريانيّة الكاثوليكيّة)

هي حنّة والدة العذراء مريم، وكانت من بيت لحم. وقد تزوّجت من يواقيم، وكان هذا جليليّاً من الناصرة. وكلاهما كانا من سبط يهوذا من السلالة الملوكيّة من ذرية داوود، ومحافظين على شريعة الله بكل جهدهما، ويلازمان الصلاة وأعمال البرّ.

وإن ما نغّص عيشهما هو إقامتهما مدّة عشرين سنة في رباط الزيجة ولم يُرزقا ولداً لأنّ حنّة كانت عاقراً. وكانا يبتهلان إلى الرحمن كي يزيل عنهما هذا العار، لأن العقر كان في ذلك الزمان عاراً عظيماً عند اليهود، ووعداه تعالى بأنّه إذا رزقهما ولداً يخصّصانه لخدمته في الهيكل.

وذات يوم إنطلقت القدّيسة حنّة إلى الهيكل إقتداءً بحنّة أم صموئيل لتستعطف مراحم الرب لعلّه يرزقها ولداً ويرفع عارها.

وبعد مرور تسعة أشهر ولدت القديسة حنّة تلك الزنبقة الطاهرة نجمة الصبح، وكان ميلادها في اليوم الثامن من شهر أيلول، ودُعيت مريم. ولمّا صار عمرها ثلاث سنين، أتى بها أبواها إلى أورشليم ليفيا نذرهما لله ويقرّباها لخدمته في الهيكل. وقد وضع لها عيداً البابا غريغوريوس الثالث عشر وذلك سنة 1584 وأمر بأن يُحتفل به في اليوم السادس والعشرين من شهر تموز.

إنّ القدّيسة حنّة كانت مكرّمة جدّاً عند المسيحيين الشرقيين الأولين. وفي سنة 550 شيّد الملك يوستنيانس الأول كنيسة على إسمها في مدينة القسطنطينيّة. وفي سنة 706 بنى الملك يوستنيانس الثاني كنيسة أخرى على إسم هذه القدّيسة، وقيل أن جسدها أُتيَ به من فلسطين ووُضع في تلك الكنيسة.

إنّ الكتاب المقدّس لم يقل شيئاً عن القدّيسين المعظّمين حنّة ويواقيم حتى إنّه لم يذكر إسميهما. وقد أخبر آباء الكنيسة الأوّلين عنهما، منهم مار أبيفانيوس أسقف سلامينا في قبرص 368 الذي كتب مديحاً رائقاً للقدّيسة حنّة. ومار يوحنّا الدمشقي ومار هيرونيمس. وقيل أن القدّيسة حنّة ماتت بعد ميلاد يسوع المسيح...

وفي مثل هذا اليوم أيضًا: أرملاوس الشهيد (أرموجانوس)

إنّه من نقوميدية ومن أشراف مدينة أثينا، عيّنه الوالي مكسيمانس والياً على مصر ليحلّ محل مينا الذي كان يحمي المسيحيين من التعدّي، وأمر بأن يشدّد على مينا لكي ينكر إيمانه المسيحي. فأخذ أرملاوس يحاول بشتّى الوسائل إرجاع مينا إلى أحضان الوثنيّة ولكنّه لم يفلح، فأمر بقطع لسانه وقلع عينيه ثم ألقاه في السجن حتى أخر رمق من حياته...ولكن أرملاوس أدرك سوء فعله وإهانته لمينا فندم على ما فعل وظنّ أنّه يكفّر عن ذلك بدفن مينا دفنة مهيبة، فأمر جنده بإخراج مينا من السجن وحينما ذهبوا إليه وجدوه سالماً يشكر الله. فآمن أرملاوس أيضاً فنال سر العماد. وحينما سمع مكسيمانس إستشاط غضباً وجاء إلى الإسكندريّة وإذ رأى أنّه ليس بالإمكان أن يجعل مينا وأرملاوس ينكران إيمانهم بالمسيح، أمر بتعذيبهما وضرب عنقيهما فنالا إكليل الشهادة سنة 307.

 

القدّيسة الشهيدة براسكيفي الرومية (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

ولدت في رومية، ونشأت على الإيمان المسيحي . ولما رقد والداها وزعت ثروتها على الفقراء وصارت عذراء للمسيح. بشرت بحق الإنجيل.

وشى بها قوم من اليهود حسدا. حاول الامبراطور استمالتها ولمّا لم تذعن له احتدم غيظًا واسلمها للنار التي لم تحرقها، إنما أطفأت عيناه حدّةُ النار فاستغاث بقدّيسة الله براسكيفي التي أعانته واعادت اليه البصر بقوّة المسيح. بعد ذلك اطلق سراحها، فجالت مبشّرة بالإنجيل، لكنّها تعرّضت من جديد للاضطهاد، وقطع رأسها أمير اسمه طراسيوس.

نُقلت رفاتُها الى القسطنطينيّة وجرت بها أشفية كثيرة.

 

تذكار القديس الشهيد في الكهنة أرمولاوس ومن معه (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

كان أرمولاوس من مدينة نيكوميذيّة العظيمة، وكان كاهناً عالماً، خطيباً غيّوراً، أميناً في خدمة الرب. وكان ذا نفوذٍ كبير في تلك المدينة الشهيرة. وهدى إلى الإيمان بالمسيح عدداً عديداً من عبدة الأوثان. وكان بين الذين آمنوا بالرب على يده ونالوا إكليل الشهادة الطبيب الكبير بندلايمون، الذي سيأتي الكلام عليه غداً.

أمّا أرمولاوس فقُبض عليه بأمر الملك ذيوكلسيانس وسيق أمام القضاء لأجل إيمانه بالمسيح ونشر تعليمه. فعُذّب مرّ العذابات، فلبث صابراً حتى الموت. وهكذا سفك دمه لأجل المخلّص الذي طالما قدّم ذاته ذبيحة مرضيّة للآب السماوي على يده.

ونال إكليل الشهادة مع الكاهن أرمولاوس الأخوان أرميبس وهرمو كراتس في مدينة نيكوميذيّة نفسها, فإنّهما بعد أن احتملا أنواع العذابات بصبرٍ جميل وإيمان ثابت، قدّما للسيف عنقيهما فقُطعا وفازا بالحياة الأبديّة. ويقال أن أرمبيس وهرمو كراتس كانا أيضاً من كهنة كنيسة نيكوميذيّة.

وفي مثل هذا اليوم أيضًا: القديسة الشهيدة في البارات برسفكي

كانت برسكفي من بلاد غاليا، وهي فرنسا الحاليّة، وكانت إبنةً وحيدةً لوالديها. والسنكسار الروماني يدعوها فينرندا. والإسمان معناهما "يوم الجمعة" لأنّها ربما ولدت يوم الجمعة. وقضى أبواها أغاثون ويوليتيا سنين طويلة دون أن يُرزقا ولداً. وكانا صالحين تقيين، ولبثا يتضرّعان إلى الله بكل أناةٍ وصبر حتى استجاب الرب لهما ورزقهما تلك الإبنة. ففرحا بها فرحاً لا يوصف، وشكرا الرب على جوده وتصدّقا على الفقراء. ولقد منحهما الرب أكثر ممّا طلبا، فإنّ إبنتهما هذه كبرت وكانت آيةً جمال النفس وجمال الجسد. ودعياها يوم ميلادها أو يوم عمادها بإسم برسكفي ومعناه "يوم الجمعة" أو أيضاً "الإستعداد الحسن".

ومات أبواها فبقيت وحيدةً، فعكفت على خدمة الرب. بدأت فوقفت بتوليتها لعروس العذارى يسوع المسيح، وراحت تخدم القريب وتواسي الحزين، وتبشّر بالإنجيل، وتهدي عبدة الأوثان، ولا سيّما النساء، إلى أنوار الديانة المسيحيّة. وكانت مثالاً حيّاً للفضائل التي كانت تبشّر بها. فآمن بالرب خلق كثير على يدها. ما أعظم الأثر الذي تتركه في النفوس فتاة مسيحيّة عذراء متعبّدة عندما تضع في سبيل خدمة العلي غيرتها وجهودها ومثلها الصالح.

وصارت برسكفي إلى السن الثلاثين وهي دائبة على عملها الروحي الرسولي، حتى قُبض عليها بأمر الملك أنطونينُس قيصر. فعُذّبن كثيراً لكي تكفر بالمسيح، فوُجدت أصلب عوداً من الحديد. وأجرى الله على يديها عجائب كثيرة باهرة، فآمن كثير من الحاضرين بالمسيح. فأُطلق سبيلها. فعادت إلى عملها وإلى بشارتها.

وذهبت إلى رومة فزارت الأماكن المقدّسة، واستمدّت قوّةً جديدة للتفاني في كرم الرب. فقُبض عليها من جديد، فاعترفت بالمسيح. فشُدّد في تعذيبها، فضُربت بأعصاب البقر على صدرها ضرباً عنيفاً، ثم وُضع عليه حجر ثقيل غليظ. وأحموا زيتاً في مرجلٍ وجعلوها فيه فلم يؤذها. فأراد الوالي أسكيباذس أن يختبر بنفسه هل كان ذلك الزيت يغلي أو لا. فاقترب من المرجل، فطارت منه نقطة إلى عينه فأعمته. فصرخ من شدّة الألم واستغاث. فرسمت برسكفي عليه إشارة الصليب وشفته، فآمن بالمسيح هو وجماعة كبيرة من الحاضرين.

فقادوا الشهيدة إلى مدن أخرى وعذّبوها كثيراً، فكانت العجائب ترافقها أينما حلَّت. فأمر بها الملك أنطونينس فضربوا عنقها، وهكذا فازت بإكليل البتولات الشهيدات، في أواسط القرن الثاني للمسيح.

وأن كنيستنا الشرقيّة تهتف نحوها في أحد الأناشيد وتقول: "بما أنّكِ جعلتِ حرصك واجتهادكِ مضاهياً لتسميتك، فقد صرت مسكناً للإيمان القويم. فلأجل هذا يا لابسة الجهاد تفيضين الأشفية للمبتهلين إليكِ وتشفعين من أجل نفوسنا يا برسكفي الموافقة لإسمها." أي "الإستعداد الحسن".

 

استشهاد القديس بطلان الطبيب ومن معه (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

وفي مثل هذا اليوم استشهد القديس الجليل مار بطلان الطبيب. ولد في بلدة تعميدون من أب وثني اسمه أسطوخيوس وأم مسيحية تدعي أونالة. فعلماه مهنة الطب وكان بالقرب من منزلهم قس فكان كلما عبر بطلان أمامه يتأمل اعتدال قوامه وكمال عقله وكثرة علمه ويتحسر عليه لبعده عن الله وكان يطلب من الله في صلاته أن يهديه ويرشده إلى طريق الخلاص. ولما اكثر الطلبة والسؤال إلى الله من أجله، أعلمه الرب في رؤيا أنه سيؤمن علي يديه. ففرح بذلك وصار يحادثه كلما اجتاز به إلى أن تمكنت عري المودة بينهما. فعرفه القس فساد عبادة الأصنام وبين له شرف ديانة السيد المسيح وأفضلية حياة تابعيها، وأن الذين يؤمنون بالمسيح تجري علي أيديهم آيات وعجائب فلما سمع بطلان الطبيب فرح واشتهي أن يعمله ليكمل له قصده في الطب ففي أحد الأيام لدغت حية إنسانا وظلت قائمة تحته. فقال في نفسه " أجرب تعليم القس معلمي الذي قاله لي " أن آمنت بالسيد المسيح تصنع آيات وعجائب " ثم أقترب من ذلك الإنسان وصلي صلاة طويلة طالبا من السيد المسيح أن يظهر قوته في إبرائه وفي قتل الحية لئلا تؤذي آخرين. وعند فراغه من صلاته قام الرجل سالما، وسقطت الحية ميتة. فازداد إيمانا ومضي إلى القس وتعمد علي يده وظل يمارس مهنة الطب. وحدث أن جاءه رجل أعمي ليداويه فطرده أبوه فسأله القديس: من هذا الذي طلبني؟ " فأجابه: أنه اعمي ليس لك في شفائه حيلة. فدعاه القديس وسأله هل إذا أبصرت تؤمن بالإله الذي ابرأ عينيك؟ فقال له: نعم. فصلي القديس صلاة عميقة. ثم وضع يده علي عيني الأعمى وقال له: باسم المسيح أبصر. فأبصر للوقت، وآمن بالسيد المسيح. فلما رأي أبوه ذلك آمن هو أيضا. فأحضرهما القديس إلى القس فعمدهما.

ولما تنيح أبوه حرر عبيده ووزع كل ماله علي المساكين وصار يداوي المرضي بدون أجر ويطلب منهم الإيمان بالمسيح، فحسده الأطباء وسعوا به وبالقس وبجماعة كثيرة كانوا قد آمنوا لدي الملك. فاستحضرهم وهددهم بالتعذيب ان لم يكفروا بالسيد المسيح. وإذ لم يكترثوا بتهديده عذبهم كثيرا ثم قطع رؤوسهم أما القديس فقد بالغ في تعذيبه بأن ألقاه للأسود فلم تؤذه وكان الرب يقويه ويشفيه. ثم آمر أخيرا بقطع رأسه فنال إكليل الشهادة. صلاته تكون معنا. آمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضًا: استشهاد القديس أنبا بضابا ورفيقيه

في مثل هذا اليوم من سنة 284 م. وهي السنة الأولي للشهداء استشهد القديس العظيم الأنبا بضابا الملقب بالجوهري أسقف مدينة فقط بالصعيد. وزميليه الأبوين القس إندراوس ابن خالته، والقديس خريستوذللو في أيام الوالي اريانوس وعهد الإمبراطور دقلديانوس. ولد هذا القديس العظيم في مدينة أرمنت مركز الأقصر بمحافظة قنا، من أبوين مسيحيين ربياه التربية المسيحية منذ نعومة أظفاره. وكانت لوالدته شقيقة رزقت بغلام أسمته إندراوس، وقد تربي هذا الغلام التربية المسيحية الحسنة فتألقت نفسه مع ابن خالته بضابا وتحالفا علي ترك العالم. فعكفا علي مطالعة الكتب الدينية التي شغفا بها فاتسعت مداركها وأصبح كل منهما حجة زمانه في الورع والتقوى ولما بلغ بضابا العاشرة من عمره كان حافظا لأكثر الكتب الدينية والتعاليم الروحية وكان اندراوس يعف معه علي قراءة الكتاب المقدس ومطالعة كتب الوعظ والتعليم وبذلك كان الروح القدس ينطق علي فمهما وكانا يصومان يومين أسبوعا بلا طعام ولا شراب وإذا أكلا فانهما لا يتناولان سوي الخبز والملح مع مداومة الصلاة ليلا ونهارا.

وذات يوم بينما كانا يفكران في العالم الباطل وأتعابه الكثيرة وملذاته ومصائبه العديدة، إذ بهما يعزمان علي ترك الآهل والأقرباء والاعتكاف في مكان بعيد عن الأنظار فذهبا إلى الجبل الشرقي فوجدا هناك القديس أنبا إيساك في الموضع الذي تعبد فيه بعده القديس أنبا بلامون. فعزاهما هذا القديس وقواهما علي احتمال المتاعب لينالا الحياة الأبدية ثم باركهما وأمرهما أن ينفردا في مكان آخر يستطيعان فيه أن يقضيا كل الوقت في العبادة ثم قال للأنبا بضابا: "سوف يا بني ترعي قطيع المسيح وتحل بك أتعاب وشدة واضطهادات عظيمة". وقال لاندراوس " وأنت أيضا ستنال إكليلا معدا لك بعد الجهاد " ثم فارقاه وذهبا إلى الجهة الغربية حيث بنيا لهما صومعة للعبادة والنسك، وكانت لهما دراية تامة ومهارة فائقة بنسخ الكتب المقدسة نظير مبالغ قليلة ليقضيا منها حاجاتهما ويوزعا الباقي علي البؤساء والمساكين. فسمع بخبرهما أسقف تلك البلاد فحضر إليهما ورسم القديس الأنبا بضابا قسا، والقديس إندراوس شماسا وكانا يذهبان إلى كنيسة في إحدى المدن القريبة منهما مرة كل أربعين يوما لاداء الخدمة الكهنوتية. وفي أحد الأيام دخلا الكنيسة ووقف القديس الأنبا بضابا إجلالا واحتراما. وفي أثناء ذلك كان الأسقف جالسا علي كرسيه ينظر إلى القديس بضابا وكم كانت دهشته إذ رأي وجه القديس يلمع كالبدر والنور يسطع منه وعلي رأسه شبه إكليل من الذهب المرصع بالجواهر الثمينة فأمر الأسقف أن يؤتي بهذا القديس ورفيقه إندراوس وعندما قدما إليه حبب إليهما أن يمكثا عنده فرفض أنبا بضابا مفضلا حياة الصحراء الجرداء عن الإقامة تحت رعاية الأسقف. وأما القديس إندراوس فقد قبل الإقامة تحت رعاية الأسقف. وعاد القديس بضابا إلى قلايته وهو يبكي بكاء مرا ويقول: "أطلب إليك يا سيدي يسوع المسيح أن تجعل هذا الموضع مكرسا لك يذكر فيه اسمك إلى الأبد". ثم ترك هذا المكان وذهب إلى جهة أخري بعيدة عنه وبعد أيام أرسل الأسقف رسولا إلى القلاية في طلب القديس فلم يجده فبني الأسقف كنيسة علي اسم هذا القديس وكرسها في اليوم الثالث عشر من شهر كيهك. وأما القديس فكان يحضر إلى الكنيسة من طريق آخر ضيق في الصحراء لاداء الصلاة وكانت تتم علي يديه أثناء ذلك آيات ومعجزات كثيرة ويزداد نعمة وبركة.

ولما ذاع صيته وعظم اسمه حضر إليه الناس من كل فج وصوب فكان يشفيهم من أمراضهم الجسدية والروحية. وطلب الشعب من الأسقف الأنبا تادرس قائلين: "نسألك يا أبانا أن تحضر لنا القديس بضابا لنتبارك منه، وليمكث عندنا مدة من الزمان " فأجاب طلبهم وذهب إلى بلدة بهجورة مركز نجع حمادي. ولما وصل إلى البلدة إذا برجل اسمه يوحنا كانت له أبنه وحيدة جميلة المنظر فاغتاظ جيرانها من أبيها، واستعملوا ضدها السحر لأنهم طلبوا من أبيها أن يزوجها لابن لهم فلم يقبل ولكن القديس الأب بضابا صلي عليها فرجعت إلى حالتها وأبطل الله السحر عنها ولما رأي أهلها شفاء ابنتهم علي يدي هذا القديس أتوا وسجدوا أمامه وقبلوا يديه شاكرين له صنيعه. فقال لهم القديس: سبحوا الله واشكروه لأن النعمة التي شفت ابنتكم ليست مني لأني ضعيف من ذاتي " وأما هم فمضوا متهللين فرحين.

ولما كان يوم الأحد والشعب مجتمع في الكنيسة قدموا القديس إلى الأسقف فرقاه قمصا. ثم مكث عند الأسقف في ضيافته مدة تسعة أيام ورجع إلى الجبل. وصارت تتم علي يديه العجائب والمعجزات حتى ذاع خبره في جميع أنحاء الوجه القبلي. وبعد ذلك تنيح أسقف فقط فاجتمع أهل البلاد وقرروا تذكية الأب بضابا أسقفا مكانه وتقدموا للبابا بطرس الأول خاتم الشهداء والبطريرك السابع عشر ليرسمه أسقفا عليهم فظهر للبابا ملاك الرب في رؤيا قائلا له: "اذهب إلى الصعيد الأعلى واحضر القمص بضابا وارسمه أسقفا علي مدينة فقط لأن الرب قد أختاره " وما كاد يطلع الفجر حتى جاءت إلى البابا وفود المؤمنين طالبين منه أن يعين الأب المكرم بضابا أسقفا فأرسل البابا أربعة من الكهنة بخطاب للقديس فلما وصلوا تسلم منهم الخطاب وقرأ فيه ما نصه: "يقول الإنجيل المقدس من سمع منكم فكأنه سمع مني ومن جحدكم فقد جحدني " فبكي القديس بضابا بكاء مرا وقال " الويل لي أنا المسكين الخاطئ لان الشيطان يريد هلاكي " ثم صلي قائلا: "لتكن مشيئتك يارب لا مشيئتي فأنت تعلم أني ضعيف وإنسان عاجز وليس لي قدره علي هذا الأمر " فأخذه الرسل وأنزلوه في السفينة إلى البابا فقال البابا لرعيته: "من تختارون ليكون عليكم أسقفا " فأجاب الجميع بصوت واحد قائلين " الأب بضابا لأنه مستحق هذه الخدمة الشريفة". عندئذ أخذه البابا ورسمه أسقفا علي كرسي قفط وفيما هو يضع عليه يده إذ صوت من السماء يقول: "مستحق مستحق أن تنال هذا المنصب ومكث الأنبا بضابا عند البابا عدة أيام، ناول في أثنائها الشعب من جسد المسيح ودمه وعندما وضع يده علي الكأس ليرشم الجسد بعلامة الصليب تحول الخمر دما. فتعجب البابا ونظر إلى القديس وقال له: "بالحقيقة أنت مختار من الله " وبعد أن أكمل الأنبا بضابا خدمة اليوم، استأذن للسفر إلى بلاده فركب سفينة شراعية بها رجل مقعد لا يستطيع المشي منذ اثنين وعشرين سنة واذا برجل القديس تنزلق وتدوس رجلي ذلك المقعد فتشددت ركبتاه ووثب في الحال وهو يسبح الله والذين كانوا في تلك السفينة طلبوا إليه أن يذكرهم في صلواته ويباركهم.

وحصلت علي يديه عدة معجزات أثناء سفره. ولما وصلوا بلادهم سالمين، خرج جميع الشعب الخاضع لذلك الكرسي وبأياديهم الشموع والصلبان والمجامر وأغصان الزيتون وسعف النخيل ثم أدخلوه البيعة. ولما جلس علي كرسي الأسقفية عاش زاهدا كما كان أولا حتى أنه كان يواصل الليل بالنهار مصليا وكان طعامه الخبز والملح، ولباسه نسيج من الشعر وكان يأتي بالمعجزات والآيات العجيبة. ولما أثار دقلديانوس الإمبراطور الروماني الاضطهاد علي المسيحيين حضر الوالي اريانوس إلى الصعيد وقبض علي المسيحيين وزجهم في أعماق السجون وأذاقهم من العذاب أشكالا وألوانا حتى وصل إلى اسنا. فلما بلغ الخبر القديس أنبا بضابا غار غيرة روحية وقال: "أيصح لي أن أمكث في هذا المكان واخوتي المسيحيين يلاقون من العذاب ما لا يحتمل كلا. لابد لي أن أذهب هناك وأموت ضحية الإيمان " وبعد ذلك دعا الشعب وأقام قداسا حبريا حضره الجميع وبعد أن ناولهم من الأسرار المقدسة أخذ يعظهم قائلا: "يلزمكم أيها الأبناء أن تستشهدوا علي اسم المسيح ولا تخافوا من النيران الملتهبة وأسنة الرماح المفزعة ولمعان السيوف المسلولة علي رقابكم كما يلزمكم أيضا أن ترحموا الفقير وتعزا الحزين وتواظبوا علي الصلاة والصوم لأنهما القوة التي بواسطتها يمكنكم أن تتغلبوا علي العقبات وتطاردوا الشيطان الذي يود أن يضعف إيمانكم بالسيد المسيح. وها أنا يا أبنائي أقول لكم ما حدث لي، لقد عذبني الشيطان عشرة أيام متتالية وقد تغلبت عليه بقوة الصلاة والصوم لقد قال السيد له المجد: "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة " واستمر هذا الأسقف بعظ شعبه ويقويه مستعينا بآيات الكتاب وتعاليم الرسل. وبعد ذلك رشمهم بعلامة الصليب المقدس وباركهم وودعهم قائلا: "سوف أذهب للاستشهاد علي يد اريانوس الوالي" فبكي الشعب وناحوا علي فراقه فعزاهم وقواهم وبعد ذلك تركهم ومضي إلى مدينة اسنا. وكان يصحبه الأب المبارك القس إندراوس والأب خريستوذللو فالتفت إليهما الأب الأسقف وقال لهما: "إلى أين تمضيان؟ فقالا له أننا نمضي معك لنموت حبا في المسيح " فشخص الأسقف إليهما فرأي نعما الله قد حلت عليهما ووجههما يلمع كالبدر. فقواهما وأمرهما أن يثبتا علي الإيمان بالمسيح وقال لهما: "أني في هذه الليلة نظرت وإذا بملاك معه ثلاثة أكاليل فقلت له هذه؟ فقال لك واحد ولابن خالتك واحد ولخريستوذللو واحد والآن هلم بنا نمضي إلى اسنا".

وبعد ذلك التقي بهم القديس بنيامين فحياهم. ولما وصلوا اسنا رأوا جموعا من المسيحيين من أساقفة وقسوس وشمامسة ومؤمنين يعذبون وسمع الوالي بخبر قدومهم فاستحضرهم وأمرهم أن يبخروا للآلهة فغضبوا وصرخوا قائلين: "نحن مسيحيون ولا نخشاك أيها الملك الكافر، ولا نعبد تلك الآلهة النجسة التي صنعت بأيد بشرية وأما إلهنا الذي نعبده فهو في السماء خالق كل شيء بكلمة قدرته ما يري وما لا يري الذي له المجد والكرامة والسجود مع أبيه الصالح والروح القدس الآن وكل أوان والي دهر الداهرين آمين. " فلما سمع الوالي منهم هذا الكلام ورأي ثباتهم أمر أن تؤخذ رؤوسهم بحد السيف وفي ذاك الوقت وقف الأسقف بضابا ينظر إلى المسيحيين أثناء عذابهم واذا به يري بعين الإيمان ملائكة تنزل من السماء وفي أيديهم أكاليل من نور يضعونها ويرفعونها إلى السماء بكرامة ومجد عظيمين. فتقدم الأسقف ومن معه وصاحوا قائلين: "نحن مسيحيون نؤمن بيسوع المسيح رب كل الخلائق واله كل قدرة " فقال لهم الوالي: "من أين أنتم " ثم سأل الأب الأسقف عن اسمه فأجابه قائلا: "أنا الحقير بضابا " فأجابه: "أظن أنك أسقف تلك البلاد ولكن أعجب كيف تجاسرت بهذا الكلام: ألم تخش بطشي وتهاب عظمتي وسلطاني؟ ألم تر العذاب المعد لأولئك الذين يعترفون بهذا الاسم؟ " عندئذ أجابه القديس بكل شجاعة قائلا: "ألم تسمع قول الكتاب علي لسان سيدي يسوع المسيح: كل من يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضا به قدام أبي الذي في السموات (مت 10: 32 و33)، فلآجل هذا الوعد نعترف بإلهنا يسوع المسيح إلى النفس الأخير " ثم أخذه الوالي تارة باللين وأخري بالشدة فلم ينجح في أن يثنيه عن عزمه وعن إيمانه في أحد السجون فلما أبصره القديسون سلموا عليه وقالوا له: "أغلب لنا هذا الوالي لأنك أعطيت الغلبة من رب الجنود " وبينما هم كذلك يتحدثون بعظائم الله، إذا برئيس الملائكة ميخائيل يظهر للأسقف قائلا: "السلام لك أيها الجليل. لتفرح نفسك اليوم فقد قبل الله جميع أتعابك وزهدك وجهادك في سبيل الدين وسوف تنال ثلاثة أكاليل الأول لتعبدك ونسكك منذ صغرك. والثاني تكلل به بكل مجد وكرامة لتحظي بالأمجاد السماوية". وصعد الملاك فقام القديس وصلي: "اسمعني أيها الآب ضابط الكل ولتصعد طلبتي أمامك، ولتشتمها رائحة بخور فترضي عنا. أسألك أيها الآب من أجل شعبك وقديسيك، الذين يصنعون رحمة مع المساكين أن تقبل نفسي كوديعة بين يديك لأحظى بأمجادك الأبدية لأن لك المجد والعز والإكرام والسجود مع أبيك الصالح والروح القدس إلى الأبد، آمين..

ولما انتهي من طلبته رأي الرب الإله المخلص وحوله الملائكة آتيا ليعزيه قائلا: "العزاء يا حبيبي بضابا. هوذا أنا معك " ثم صعد الموكب البهي إلى السماء. وفي الصباح أمر الوالي بإخراج الجميع إلى الموضع الذي اجتمع فيه أهل المدينة. فلما نظروا القديسين صرخوا قائلين: "نحن مسيحيون نؤمن باله واحد أنه أنبا بضابا " فاغتاظ الوالي واحضر القديس ومن معه وأمر أن تقطع رؤوسهم بالسيف فسألت الدماء أنهارا وحصدت الأرواح جهارا حتى صار الفضاء مملوءا بالملائكة الأطهار يرحبون بأرواح هؤلاء القديسين الأبرار ونال القديس بضابا والقديس إندراوس وخريستوذللو أكاليل الحياة الأبدية.

بركاتهم المقدسة تكون مع جميعنا. آمين.

وقامت الملكة والدة الإمبراطور قسطنطين الصغير بتجديد كنيسة هذا القديس بعد أن هدمت في عصر دقلديانوس الطاغية.

وفي مثل هذا اليوم أيضًا: نياحة البابا يوأنس العاشر البطريرك الـ85

وفي مثل هذا اليوم من سنة 1085 ش. (13 يولية 1369 م.) تنيح البابا يوأنس العاشر البطريرك أل 85 الشهير بالمؤتمن الشامي، وهو من دمشق الشام. وكان عالما فاضلا تولي في 12 بشنس سنة 1079 ش. (7 مايو سنة 1363 م.) وجلس علي الكرسي مدة ست سنوات وشهرين وسبعة أيام وتنيح ودفن بمصر القديمة بجوار سمعان الخراز.

صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما. آمين.