لبنان
07 تشرين الأول 2016, 12:47

قداس في عرجس لمناسبة عيد مار سركيس وباخوس بوجوده: للثبات على إيماننا ولو تعرضنا للمضايقات

أقيم قداس احتفالي في كنيسة مار سركيس وباخوس في بلدة عرجس في قضاء زغرتا، لمناسبة عيد القديسين سركيس وباخوس، ترأسه راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، وعاونه فيه خادم الرعية الخوري مطانيوس يزبك، وحضره رئيس اتحاد بلديات قضاء زغرتا رئيس بلدية عرجس زعني خير وحشد من ابناء البلدة ومغتربيها.

بعد الانجيل المقدس، ألقى بو جوده عظة قال فيها: "إن تاريخ الكنيسة، منذ نشأتها، هو تاريخ شهادة واستشهاد، فالمسيح الذي جاء ليخلص البشرية ويعيدها إلى أحضان الآب وإلى الملكوت، لاقى العداوة والإعتراض ممن سماه هو بذاته أركون هذا العالم، أي الشيطان. وقد تعرض هو بذاته إلى التجربة بعد صيامه أربعين يوما إذ حاول الروح النجس إغراءه، بالمادة أولا: عندما قال له أن يحول الحجر خبزا، وبالسلطة ثانيا: عندما قال له إنه يعطيه كل ممالك الأرض إن هو سجد له، وبالقدرة على اجتراح المعجزات وإثبات قوته الذاتية، وثالثا عندما قال له أن يرمي نفسه من قمة الهيكل إلى أسفل".

أضاف: "العداوة بين يسوع والروح الشرير هي عداوة مستحكمة منذ آدم وحواء، فقد نجح الشيطان في تجربته لهما فاستسلما له ورفضا الله وقررا أن يجعلا من نفسيهما آلهة لنفسيهما، فوعدهما الله بمخلص يسحق رأس الحية الشيطان، وهكذا بدأت الحرب بين قوة الخير، الله الخالق والمخلص، وقوة الشر الساعية إلى فرض سيطرتها الدائمة على الإنسان. وإن تاريخ البشرية على مر الأجيال هو تاريخ صراع بين القوتين: الله والشيطان".

وتابع: "نلاحظ أن المسيح في الإنجيل يتعرض باستمرار إلى عداوة الشيطان وتجاربه المتعددة، وقد نجح الشيطان لفترة إذ أوصله إلى الموت وإلى معاملته من قبل الحكام والشعب معاملة المجرمين. لكن النصر النهائي كان للمسيح إذ أنه انتصر على الموت وقام من بين الأموات، وكانت قيامته عربونا عن إمكانية قيامة كل إنسان إن هو سار في طريق الرب، وهو قد وطىء الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور. وكان يسوع يعرف أن تلاميذه سوف يتعرضون هم بدورهم إلى الإضطهاد، فقال لهم ليس التلميذ أفضل من معلمه، فإن إضطهدوني أنا، فسوف يضطهدونكم أنتم أيضا. وإلى هذا يلفت إنتباههم في هذا المقطع من إنجيل اليوم الذي يقول لهم فيه انهم سوف يلاقون العداوة والإضطهاد حتى من أقرب المقربين إليهم، إذ سيسلم الأخ أخاه إلى الموت والأب إبنه، ويتمرد الأولاد على والديهم ويقتلونهم، وذلك إذا اتبع البعض منهم تعاليمه وإذا رفضها الآخرون".

وأردف: "هذا ما حصل غالبا عبر التاريخ منذ نشأة الكنيسة ولغاية اليوم، فتاريخها هو تاريخ مضايقة واضطهاد منذ العصور الأولى. وإن بولس الرسول الذي كان من أول مضطهدي الكنيسة عندما تزعم العصابة التي قتلت الشهيد المسيحي الأول، الشماس إستفانوس، وقد استولى عليه المسيح وهو ذاهب من أورشليم إلى دمشق لإعتقال المسيحيين، قد تعرض هو كذلك للاضطهاد العنيف الذي يصفه في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس حيث يقول: جلدني اليهود خمس مرات أربعين جلدة إلا جلدة واحدة، ضربت بالعصي ثلاث مرات، رجمت مرة واحدة، إنكسرت بي السفينة ثلاث مرات، قضيت نهارا وليلة في اللجة، كثيرا ما كنت في الأسفار في أخطار السيول وفي أخطار اللصوص. في أخطار من أمتي وأخطار من الأمم وأخطار في المدينة وأخطار في البرية وأخطار في البحر وأخطار بين الإخوة الكذبة".

وقال بو جوده: "إننا إذا طالعنا تاريخ الكنيسة وجدنا أن الإضطهادات رافقت المسيحيين منذ نشأتهم ولغاية اليوم وفي مختلف بلدان العالم، ولربما كان القرن العشرون المنصرم من أكثر القرون التي استشهد فيها المسيحيون، بالملايين، تحت الحكم النازي في إيطاليا وتحت الحكم الشيوعي في بلدان أوروبا الشرقية وروسيا، وفي إسبانيا أثناء الحرب الأهلية وفي المكسيك وغيرها من البلدان. ومن بين كل هؤلاء الشهداء يبرز الشهيدان القديسان سركيس وباخوس اللذان كانا من ضباط الجيش الروماني ومن أهم العائلات في الإمبراطورية الرومانية وقد تعرضا للاغراءات الكثيرة كي يكفرا بالمسيح ويعبدا الآلهة الوثنية فينجوا بحياتهما ويحتلا المراكز المرموقة، لكنهما رفضا وجاهرا بإيمانهما بكل جرأة وشجاعة فقتلا. وما حل بهما حل بالكثيرين، وما زال يحل بالمسيحيين في عدد من بلدان العالم اليوم: في العراق مثلا وفي الهند والصين والباكستان وغيرها. والمعروف أن المسيحيين في الشرق العربي، وفي عدد من بلدان المنطقة يتعرضون لهذه الإضطرابات بصورة مباشرة وغير مباشرة، مما يضطرهم إلى ترك بلادهم والهجرة إلى البلدان الغربية التي تستقبلهم وتؤمن لهم حياة هادئة وآمنة".

أضاف: "لكنهم، وفي هذه البلدان التي انتقلوا إليها والتي قد تؤمن لهم العيش الكريم على الصعيد الإقتصادي، والتي كانت نقطة الثقل للوجود المسيحي، والتي أرسلت المبشرين إلى مختلف أقطار العالم، فإنهم مع مسيحيي هذه البلدان، يتعرضون لإضطهاد تحت شكل آخر قد يكون أخطر من الأول، هو الإضطهاد الفكري والفلسفي. إذ أن الكفر والإلحاد واللامبالاة الدينية قد انتشرت بشكل خطير. إذ نظرا إلى التطور الثقافي والعلمي ومع الإختراعات والإكتشافات العلمية التي يجريها العلماء والباحثون، أصبح الكثيرون يعتبرون أنفسهم وكأنهم آلهة ويضعون الله جانبا ويقولون مع عدد من الفلاسفة والمفكرين إن الإنسان، كي يحقق ذاته، عليه أن يقتل الله، كما يقول الفيلسوف الألماني نيتشه، لأن الله وهم وسراب، ولا وجود له على الإطلاق، لأن الإنسان هو الذي خلقه وليس هو من خلق الإنسان".

وتابع: "نتيجة لكل ذلك أصبحت القوانين والدساتير في عدد كبير من البلدان تشرع أمورا تتنافى جذريا مع المبادىء والأسس الأخلاقية وتتعارض حتى مع المعطيات العلمية الطبيعية، من مثل تشريع الإجهاض وقتل الأجنة في الأحشاء ومنعها من الولادة، وممارسة القتل الرحيم للمرضى المزمنين والمسنيين، وزواج مثليي الجنس إلى غيرها من الممارسات. وقد وصل الأمر ببعض البلدان إلى معاقبة الأطباء والممرضين الذين يرفضون ممارسة الإجهاض إلى منعهم كليا من ممارسة الطب. وقد وعت السلطة الكنسية خطورة هذه الممارسات فعالجها الأحبار الأعظمون وبصورة خاصة البابا القديس يوحنا بولس الثاني، والبابا بندكتوس السادس عشر، واليوم قداسة البابا فرنسيس الذي يتحدث باستمرار عما يسميه مجتمع النفايات حيث يوجد الكثيرون من الذين هم منبوذون ومرفوضون من مجتمعهم، ويعيشون في الشوارع ويستعطون ويشحدون لقمة الخبز، بينما لا يراهم الأغنياء والأثرياء الذين يتنعمون برغد العيش، على أبوابهم، وهم لا يرونهم، متشبهين في ذلك بمثل الغني ولعازر الفقير الذي كانت الكلاب أحن عليه من ذلك الغني".

وختم: "إننا مدعوون لوعي هذه الأمور وخطورتها، وإلى التشبث بمبادىء إيماننا والثبات فيها ولو تعرضنا للمضايقات والإضطهادات، وبصورة خاصة في شرقنا العربي، وإلى رفض كل الممارسات المتنافية مع القيم والأخلاق في عدد كبير من البلدان، وإلى عدم الخوف على المصير وإلى التصدي بجرأة وشجاعة لقوة الشر، فنعلن إيماننا على الملأ لأن المسيح وعدنا بالبقاء معنا إلى منتهى الدهر، ولأن وعده صادق وقد برهن عنه بانتصاره على الموت ووعدنا بأن ننتصر معه، هو الذي وطىء الموت بالموت كي يعيد الحياة للذين في القبور".

بعد القداس اقيم حفل عشاء.