لبنان
01 آب 2019, 11:26

قداس عيد القديسة شمونة في الوادي المقدس، المعروفة بأمّ الشهداء السبعة


احتفلت رعية حدشيت المارونية بقدّاس لمناسبة عيد القدّيسة شموني المعروفة بأمّ السبعة شهداء، ترأسه خادم الرعية الخوري جورج عيد، في كنيسة القدّيسة شموني في الوادي المقدّس، بعد مسيرة صلاة وتأمل من بلدة حدشيت نحو الوادي سيراً على الأقدام، وهي محطة سنوية، لا زالت الرعية تحافظ عليها من عاداتها وتقاليدها الشعبية والروحية، مرنمّين ومصلّين طيلة الطريق للوصول مع أبناء الرعية الى الوادي.
وفي عظته، أعاد الخوري عيد سرد قصّة الشهيدة القدّيسة شموني وأولادها السبعة ومعلّمهم لعازر، المذكورين في سفر المكابيين الثاني، وكان استشهادهم على يد أنطيوخوس الملك الطاغية. وتحتفل الكنيسة المارونية المقدّسة بتذكارهم في الأوّل من شهر آب مِن كلّ سنة.
وكما جاءت القصّة في الكتاب المقدّس، فإنّه كان رجلٌ يُقال له لعازر مِن متقدّمي الكتبة طاعِنٌ في السنّ رائع المنظر في الغاية فأكرهوه بفتح فيه على أكل لحم الخنزير. فاختار أن يموت مَجيداً على أن يحيا ذميماً، وانقاد إلى العذاب طائعاً، وقذف لحم الخنزير مِن فيه ثمّ تقدّم كما يليق بمَن يتمنّع بشجاعةٍ عمّا لا يحلّ ذوقه رغبةً في الحياة.
فخلا به الموكَلون بأمر الضحايا الكفرية لِما كان بينهم وبينه مِن قديم المعرفة وجعلوا يحثّونه أن يأتي بِما يحلّ له تناوله مِن اللحم مهيّأ بيَده ويتظاهر بأنّه يأكل مِن لحم الضحايا التي أمر بها الملك.
وقبض الملك على سبعة أخوة مع أمّهم شموني فأخذ الملك يكرههم على تناول لحوم الخنزير المحرّمة ويعذبهم بالمقارع والسياط.
فانتُدب أحدهم للكلام وقال: «ماذا تبتغي وعمّ تستنطقنا، إنّا لنختار أن نموت ولا نُخالف شريعة آبائنا»
فحنق الملك وأمر بإحماء الطواجن والقدور ولمّا أُحميَت، أمر لساعته بأن يُقطع لسان الذي انتُدب للكلام ويُسلخ جلد رأسه وتُجدَع أطرافه على عيون أخوته وأمّه
 
ولمّا عاد جذمة أمر بأن يُؤخذ إلى النار وفيه رمق من الحياة ويُقلى وفيما كان البخار منتشراً مِن الطاجن كانوا هم وأمّهم يحضّ بعضهم بعضاً أن يُقدِموا على الموت بشجاعة
 
قائلين: «إنّ الرب الإله ناظرٌ وهو يتمجّد بنا كما صرّح موسى في نشيده الشاهد في الوجوه إذ قال ويستمجد بعبيده»
و لمّا قضى الأوّل على هذه الحال ساقوا الثاني إلى الهوان ونزعوا جلد رأسه مع شعره ثمّ سألوه هل يأكل قبل أن يُعاقَب في جسده عضواً عضواً، فأجاب بلغة آبائه وقال: «لا» فأذاقوه بقية العذاب كالأوّل
 
وفيما كان على آخر رمق قال: «إنّك أيّها الفاجر تسلبنا الحياة الدنيا ولكنّ مَلك العالَمين إذا مُتنا في سبيل شريعته فسيقيمنا لحياةٍ أبديةٍ»
وبعده شرعوا يستهينون بالثالث وأمروه فدلع لسانه وبسط يدَيه بقلب جليد، وقال: «إنّي مِن ربّ السماء أوتيت هذه الأعضاء ولأجل شريعته أبذلها وإيّاه أرجو أن أسترّدها مِن بعد»
 
فبُهت المَلك والذين معه مِن بسالة قلب ذلك الغلام الذي لم يُبالِ بالعذاب شيئاً، ولمّا قضى عذّبوا الرابع ونكّلوا به بمثل ذلك، ولمّا أشرف على الموت قال: «حبّذا ما يتوقّعه الذي يُقتَل بأيدي الناس مِن رجاء إقامة الله له أمّا أنتَ فلا تكون لكَ قيامة للحياة»
 
ثمّ ساقوا الخامس وعذّبوه فالتفتَ إلى المَلك وقال:«إنّك بما لكَ مِن السلطان على البشر مع كونك فانياً تفعل ما تشاء ولكن لا تظن أنّ الله قد خذل ذُريّتنا
أصبر قليلاً فترى بأسه الشديد كيف يعذّبكَ أنتَ ونسلكَ»وبعده ساقوا السادس فلمّا قارب أن يموت قال: «لا تغترّ بالباطل فإنّا نحن جلبنا على أنفسنا هذا العذاب لأنّا أخطأنا إلى إلهنا ولذلك وقع لنا ما يقضي بالعجب. وأمّا أنتَ لا تحسب أنّك تُترك سُدى بعد تعرّضك لمناصبة الله»
 
وكانت أمّهم أجدر الكلّ بالعجب والذكر الحميد فإنّها عاينت بنيها السبعة يهلكون في مدّة يومٍ واحدٍ وصبرَت على ذلك بنفسٍ طيّبةٍ ثقةً بالرب
وكانَت تحرّض كُللًّ مِنهم بلغة آبائها وهي ممتلئة مِن الحكمة السامية وقد ألقَت على كلامها الأنثوي بسالة رجلية، قائلةً لهم: «إنّي لستُ أعلم كيف نشأتم في أحشائي ولا أنا منحتُكم الروح والحياة ولا أحكمتُ تركيب أعضائكم، على أنّ خالق العالَم الذي جبلَ تكوين الإنسان وأبدع لكلّ شيءٍ تكوينه سيُعيد إليكم برحمته الروح والحياة لأنّكم الآن تبذلون أنفسكم في سبيل شريعته»
وإنّ أنطيوكس إذ تخيل انه يستخفّ به وخشي صوت معيّر يعيّره أخذ يحرّض بالكلام أصغرهم الباقي بل أكّد له بالأَيْمان أنّه يُغنيه ويُسعده إذا ترك شريعة آبائه ويتّخذه خليلاً له ويقلّده المناصب، ولمّا لم يصغِ الغلام لذلك البتّة، دعا المَلك أمّه وحثّها أن تُشير على الغلام بما يبلغ إلى خلاصه، وألحّ عليها حتّى وعدت بأنّها تشير على إبنها، ثم انحنت إليه واستهزأت بالمَلك العنيف وقالت بلغة آبائها: «يا بُني إرحمني أنا التي حملتُك في جوفها تسعة أشهر وأرضعتكَ ثلاث سنين وعالتكَ وبلّغتكَ إلى هذه السنّ وربّتكَ.
أنظر يا ولدي إلى السماء والأرض وإذا رأيتَ كلّ ما فيهما فاعلم أنّ الله صنع الجميع مِن العدم وكذلك وجد جنس البشر، فلا تخف مِن هذا الجلاّد لكن كُنْ مُستأهلِاً لأخوتك واقبل الموت لألقاكَ مع أخوتك بالرحمة»
 
وفيما هي تتكلّم قال الغلام: «ماذا أنتم مُنتظِرون، إنّي لا أطيع أمر المَلك وإنّما أطيع أمر الشريعة التي أُلقيَت إلى آبائنا على يد موسى، وأنتَ أيّها المُخترِع كلّ شرٍّ على العبرانيّين إنّكَ لن تنجو مِن يدَي الله، فنحن إنّما نُعاقَب على خطايانا
ولقد صبر أخوتنا على ألم ساعةٍ ثمّ فازوا بحياةٍ أبدية وهم في عهد الله وأمّا أنتَ فسيحلّ بكَ بقضاء الله العقاب الذي تستوجبه بكبريائكَ
 
وأنا كأخوتي أبذل جسدي ونفسي في سبيل شريعة آبائنا وأبتهل إلى الله أن لا يُبطئ في توبته على أمّتنا وأن يجعلكَ بالمِحَن والضربات تعترف بأنّه هو الإله وحده
وأن ينتهي فيّ وفي أخوتي غضب القدير الذي حلّ على أمّتنا عدلاً»فحنق الملك ولم يحتمل ذلك الاستهزاء فزاده نكالا على أخوته، وهكذا قضى هذا الغلام طاهراً وقد وكل إلى الرب كلّ أمره. وفي آخر الأمر هلكَت الأمّ على إثر بَنيها.