لبنان
31 تموز 2017, 07:05

قداس الشكر للمجلس العام الأنطوني الجديد‎

احتفل قدس الرئيس العام للرهبانية الأنطونية المارونية، الاباتي مارون أبو جوده، بقداس الشكر، محاطاً بالمدبّرين الأربعة الجدد، الآباء أنطوان عوكر، ومارون بو رحال، ونادر نادر، وجوزف بو رعد، في كنيسة دير مار روكز الدكوانة. شارك في القداس سيادة المطران سمير نصار والمطران جورج عبدالله، وعدد كبير من الرهبان الأنطونيين. تقدّم الحضور سعادة النائب ابراهيم كنعان، ممثلاً رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، وسعادة النائب أنطوان زهرا، ممثلاً رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، والأم جوديت هارون الرئيسة العامة للراهبات الأنطونيات، وأهالي الرئيس العام والمدبرين الجدد، وجمع من أصدقاء الرهبانية. خدمت القداس جوقة المدرسة الموسيقية الأنطونية - أنطلياس، بقيادة الأب فادي طوق الأنطوني.

 

بعد الانجيل، ألقى الرئيس العام عظة قال فيها:


"لقد اخترتُكم وأرسلتُكم لتثمروا ويدومَ ثمركُم".
"إنَّ اختيارَ الله لنا ليجعلَنا شركاءَ لهُ في حملِ الخلاص إلى العالم، يرفعُنا إلى عالمٍ سماويٍّ غير معتاد، يحتاجُ منَّا إلى الاصغاء والصلاة والتنبُّه لصوت الروح، لكي نرتقيَ إلى تنمِّي القيم التي تكمِّلُ طبعَنا البشري، لنستعيدَ الصورة التي سُكبت فينا في بداية الخلق.
أرفع الشكرَ لله أوَّلا، الذي اختارني لأكونَ لهُ مكرَّسًا في الرهبانية الأنطونية، فملأني من نِعَمهِ لأكونَ لهُ خادماً أميناً. كما أرفعُ أنظاري إلى العلاءِ حيثُ بلغَ أبواي، بو طوني وأم طوني، أمام عرش الحمل، بعد جهادٍ طويلٍ على الأرض، وكانا لي مثالًا وعضداً في تكريسِ ذاتي لله، وأشكرُ إخوتي وأخواتي الذين نشأتُ بينهُم على المحبة الشاملة والتعاون مع الآخرين.
ولا بدَّ لي من شكرِ الرهبانيَّة الأنطونيَّة، التي استقبَلَتني فتىً غَرّاً بعمرِ الورود، وكان عمري ١٣ سنة، فربيتُ فيها على الصلاةِ والمحبَّةِ والتعاونِ والخدمة، وهي، من دونِ شكٍّ، عائلتي الأساسيَّة منذ عام ١٩٧١.
في الرهبانيَّةِ الأنطونيَّة كانت ملاعبَ صباي، فيها تعلَّمتُ وتنشأتُ في العلوم المدرسيَّةِ واللاهوتية، فيها عشتُ خُبُراتي، ومنها تنشَّقتُ روحَ المسيح الطيِّبة، وفيها تعرَّفتُ على كلِّ واحدٍ من الرهبان، من سبقونا الى ديار الحق، ومن عشت معهم، وما زلتُ أسيرُ وإياهُم على طريقِ القداسة في الحياة المكرّسة. اشعرُ بأنَّ الجيناتِ التي في داخلي انطونية، وأعتقدُ إن هذا ما رآه فيّ إخوتي، فاختاروني لهم رئيساً وأباً عاماً. فانا لا أدَّعي إلا الإيمانَ بالله ومحبتي لإخوتي، ولا أفتشُ إلّا عن عيشٍ هنيء في الرهبانية التي كبرتُ فيها، كما آمل أن تكونَ قد كبِرَت فيَّ.
فالشكر لله، وللرئيس العام السابق الاباتي داود رعيدي ومجلس مدبِّريه ومعاونيه على كلِّ ما أنجزوهُ من خدماتٍ وإنجازاتٍ للرهبانيَّة والكنيسة، والشكرُ لإخوتي الرهبان على كل شيء. الشكر لهم على إيمانهم بأن الروح يترك بصماته أينما مرّ، الشكرُ لهم على جرأتهِم في اختياري، لأنهم يعرفونَ بأن جسمَ الرهبانية هو كلٌّ متكامل، فلن أكونَ لوحدي ابداً، والشكر لهم لانهم ملتزمونَ كلٌ في خدمتهِ من اجلِ خير الرهبانية والكنيسة والمؤمنين.
يشرّفني أن أعبّر، باسم رهبانيتي، لقداسة البابا فرنسيس، عن طاعتنا الكنسيّة، والتزامنا توجيهاته بالروح البنويّة. وأحييّ غبطة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي، وقد نلنا بركتَهُ البارحة وكان تشجيعُهُ لنا ذخيرةً في مسيرتنا الجديدة. نجدد له، هو رأسُ كنيستِنا المارونية، الولاءَ والمحبة، واستعدادنا للتعاون الوثيق والعملِ معاً.
وأحيي فخامةَ رئيس البلاد، العماد ميشال عون، الساهرُ على الوطن والمواطنين، ونطمئنُهُ بأنَّ أديارَنا ومؤسساتِنا تجهدُ دوماً لِتُسهمَ روحياً وتربوياً وجامعياً واجتماعياً في الوطن، خاصةً وانها منفتحة على نسيج الوطن الطائفي والفكري، وأنَّ لها حضورَها على المستويات كافة.
إلى عائلتي الانطونية الواسعة، أولئك الذين يعملونَ معنا في مختلف القطاعات، الى أبناء الرعايا الخمس والخمسين التي نخدمُها، إلى الطلاب الجامعيين وأهلهم، الى التلاميذ وذويهم، الى المعلمينَ والموظفين، الى الجمعيات المختلفة التي تعملُ معنا، والذين ينتمون الى العائلة الانطونية الكبرى بشكلٍ أو بآخر: كشافة الاستقلال، والمنضمينَ الى شراكة حسنات السبت، والجمعيات التي يديرها رهبانُنا وتستظلُّ بروحانيتِنا وتسهمُ بها، والحركات الثقافيَّة والإجتماعيَّة والتربويَّة والوطنية، كما أمدُّ يدي لسائرِ إخوتِنا المسيحيين على تعدُّدِ طوائفهِم وسائرِ شُركائِنا في الوطن، إليهم جميعاً أعبِّرُ عن استعدادي للعمل معهم، لبناءِ عالمٍ أفضل، وأشكرهم على ما قاموا بهِ ولإسهامِهم في إغناءِ الروحانية الانطونية المارونيَّة عبر التاريخ، فكان لالتزامِهم وعملِهِم الفضل في التطويرِ الذي وصلنا اليه. فإنهم شركاءَ لنا في الرسالة والحياة والروحانية، نشبكُ يدنا في يدهم لنسيرَ إلى الأمام.
وتحضرُني اليوم تلك العائلات المسيحية الحقة التي تحدَّر منها كل راهب انطوني، والذين كانوا لنا التربةَ الخَصبةَ حيثُ نمت دعوةُ كلِّ واحد منا. فالشكر لهم على كرمهم وسخائهم، وعلى تشجيعهم لنا للانخراط في الرهبانية الانطونية، فكانوا لنا علامةَ خلاصٍ. أُصلي لكي يمنَّ الله على كنيستنا وعلى رهبانيتنا بعائلات مسيحية تعيش الفضائل وتكونَ لنا كما كانت لنا بيوتُنا، منبتَ دعواتٍ للكنيسة والوطن. وليملأ الله بيوتَنا خيراً وبركةً. 
يسرُّني والفرح يغمر قلبي في بداية هذه المسيرة أن أقرَّ بالزخم الذي يُغدقُهُ الله عليَّ وعلى رهبانيتي لنثِبَ الى الأمام بقلوبٍ ملؤُها الرجاء والامل، عاقدين العزم على ان نكونَ عاملين نشيطين في كرم الرب، نُؤتي الثمارَ في حينها لمن ينتظرُها منّا، وندورُ نخدمُ أولئك الذين وضعهُم الربُّ في طريقنا، كما أوصانا السيِّد وكما كان لنا مثالاً في ذلك. وتاريخُ رهبانيتي يحملُ الكثيرَ من تلك الشهادات والبصمات التي نريدُها دوماً نهجاً وحضوراً ورسالةً صادقة.
ولا بدَّ لي في هذه المناسبة اليوم، تذكار الشهداء رهبان مار مارون، خاصةً وأنَّ غبطة البطريرك كان قد أعلنَ هذا العام "سنةَ الشهادةِ والشهداء"، لما للشهداءِ من دورٍ في كنيستِنا المارونية. فما ميَّزَنا، نحن القطيعَ الصغير، هي شهادةُ الايمان التاريخية التي طبَعَتنا كشعبٍ عصاميٍّ صلبٍ امام اغراءاتِ العالم، فصمَدنا وما زلنا صامدينَ في هذا الشرق وسنبقى بإذنِ الله. واذكرُ ايضًا في هذه المناسبة شهداءَ رهبانيتنا الانطونية، وهم بذارٌ سُكِبوا في هذه الارض فأينعت محبةً وشراكةً مع ابناءِ الوطن.
واستحضرُ أيضاً أجيالاً من الانطونيين، وقد انجبَلوا في هذه الأرض ومع أبنائِها، وكان لهم اسهاماتٌ كثيرةٌ في حياة الوطن، أولئِكَ الذين تركوا لنا اسماً نحملهُ ونتغنَّى به، وقد وصلوا الى بيت الآب السماوي، بعدما ترددوا على هذه الأرض في سعيهم نحو الملكوت. رحمهُم الله، رهباناً، ونساكاً، وشهداءَ، ومعلِّمين ومُعترفين، مع أجيالٍ من العاملين معهم، من الشركاء والأصدقاء والأحباء وأصحاب النوايا الصافية، وأعطانا الربُّ ببركة صلاتهم وشفاعتهم دعواتٍ قديسة تسيرُ على هدي الانجيل.
أخيراً أشكركم جميعاً، أنتم الحاضرين معنا اليوم، أنتم الذين رافقتم مجمعَنا العام بالصلاة والدعاء، وأشكر كلَّ الذين عملوا في الخفاء لتأمين مُستلزمات خلوتِنا طوال أسبوعٍ كاملٍ، مع تنويهٍ خاص برهبان ديرنا مار روكز، القيمين عليه مع الموظفينَ جميعاً. كافأ الله تعبهم جميعاً.
فليكُن روح الله هادياً لرهبانيتنا ولكنيستنا، وليبارك نوايانا وجهودنا، لنشاركَ كلَّنا سوية بنشر الخلاص والحب في عالمنا. آمين."
بعد القداس، تقبّل المجلس العام الجديد التهاني من الحضور.