في مار الياس الطّوق فرحتان!
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران درويش عظة قال فيها:" نفرح معكم ونبتهج في هذا اليوم، بمنحنا رتبة أرشمندريت لرئيس الدّير الأب سابا سعد، تقديرًا وتكريمًا للرّهبانيّة الباسيليّة الشّويريّة لمساهماتها في النّهضة الكنسيّة وفي خدمة الثّقافة والتّربية والعمل الرّعويّ في أبرشيّتنا. وتقديرًا للأب سابا الّذي اتّخذ لحياته شعار صاحب العيد النّبيّ الياس الغيور: "غيرة بيتك أكلتني" فالسّنوات الّتي قضاها في إدارة الشّرقيّة وفي العمل الرّعويّ، هي دليل على تفانيه في الخدمة وعلى قربه من النّاس والأهمّ من ذلك أنّه لم يقع في خطر علمنة نفسه، ففي عمله كان قويًّا لأنّ الرّبّ معه ولأنّه مع الرّبّ، وكانت محبّته محبّة خادمة وحكيمة وفطنة. نهنّئ الأرشمندريت سابا ونشكره على محبّته وخدمته وغيرته وشهادته.
اليوم نعيّد للنّبيّ مار الياس الحيّ، شفيع هذا الدّير المقدّس، وهي مناسبة عزيزة على قلوبنا جميعًا لنتمنّى لرئيس وآباء هذا الدّير وللمعيّدين لهذا العيد ولجميع أبناء وبنات هذه الرّعيّة المباركة والمشاركين معنا في هذه اللّيتورجيا الإلهيّة، عيدًا مقدّسًا ومباركًا.
لقد أنعم الله على النّبيّ إيليّا، بخبرة روحيّة عالية، اختاره الرّبّ ليقود النّاس للتّوبة، وأظهر لهم وهو على جبل الكرمل أنّ قوّة الصّلاة لا يضاهيها شيء، هناك تجلّت قوّة شفاعته عندما صلّى ليُظهر قوّة الرّبّ.
واجه إيليّا الكهنة، عبدة البعل، فهم يعبدون صنمًا أقاموه إلهًا لهم ليحقّقوا مكاسب شخصيّة، وواجههم بشجاعة وغيرة وصلابة، وطلب من النّاس أن يقتربوا من الرّبّ ويصلّوا له. بعد ذلك أقام مذبحًا من اثني عشر حجرًا يرمزون إلى قبائل بني يعقوب ويمثّلون وحدة الشّعب، وصلّى للرّبّ إلهُ آبائنا ليفهم الشّعب أنّه الله معهم، وليُذكّرهم بالوعد الّذي قطعه الله لشعبه.
أراد إيليّا أن يعرف النّاس بأنّ الله هو المطلق ولا يمكن أن نضعه بجانب آلهة صنميّة أخرى، إنّه إله الرّحمة والتّوبة والغفران. صلّى إيليّا واستجاب له الرّبّ: "فنزلت نار الرّبّ والتهمت المحرقة والحطب والحجارة والتّراب وحتّى الماء الّذي في الخندق" (الملوك الأوّل 18/38).
الهدف من صلاة إيليّا هو التّوبة والعودة إلى الله، والنّار الإلهيّة تغيّر القلوب وتسمح لنا أن نعيش مع الإنسان الآخر وفق إرادة الله.
إنّ الله يتوقّع منّا نحن المؤمنين، أن نشعر بحنانه ورحمته، وأن نكون بدورنا رحماء تجاه الآخرين، ورحمةُ الله ضمانة لنا لأنّها تحقّق لنا السّلام والطّمأنينة ونقاوة النّفس.
في سلوك المسيحيّ وفي أفكاره لا توجد كبرياء ولا نميمة، بل حنان وانتباه للنّاس، والمسيح عندما هدم جدار العداوة والقساوة بين النّاس، أراد أن تسود الرّأفة في علاقاتنا مع الآخرين.
لذلك عندما نطلب رحمة الله نسعى من جهتنا أن نكون أسخياء منتبهين لبعضنا البعض، والمؤمن الحقيقيّ هو الّذي يخلق حوله جوًّا عائليًّا، يُشعر الآخرين بالطّمأنينة ويغمرُهم بلطفه وإنسانيّته.
هذا ما نريد أن نتعلّمه من النّبيّ إيليّا في عيده هذه السّنة، نطلب من الله أن يغيّر قلوبنا ويمنحنا نعمة لنكون غيّورين على إيماننا، بنعمة الآب والإبن والرّوح القدس. آمين."
وفي نهاية القدّاس كانت كلمة شكر للأرشمندريت سعد جاء فيها :
" في مدرسة يسوع المسيح زُرعتُ وتجذرت، واليوم أعلن ثباتي ومتابعة نموّي. لماذا؟
لأنّي قبلاً، قرأت الإنجيل كما الجميع والرّهبان خاصّة وعلّمت به، واكتشفت لاحقًا، وبعد سنوات طوال، أنّني لم ألتقِ فعلاً بيسوع.
إعتدّت أن أرى بطرس صيّادًا فقيرًا على شاطئ البحر، وعلمنّي ابن المغارة، أنّ بطرس سيبشّر العالم، ويكون صيّادًا للنّاس.
شاهدت فيه تلميذًا يُنكر المسيح ثلاث مرّات، ويلعن أمام جارية، وعلمنّي جدّي غاسل أرجل التّلامذة، أنّ بطرس سيقف أمام صالبي المسيح مبشّرًا به حتّى ينال الموت مصلوبًا .
قرأت أنّ بولس القائد المحارب لديه أوامر تقتل المسيحيّين، وعلّمني الثّائر، أنّ بولس، رسول الأمم، يَعتبر أنّ كلّ ما في الحياة أقذارًا ليربح المسيح.
حملت حجارة لأرمي الزّانية، لأنّي تعلّمت القوانين وأصبحت مرجعيّة حكم،
وعلّمني أبانا الّذي في السّموات، أنّ هذه المرأة ستكون قدّيسة تبشّر الرّسل بقيامته، فتهيّبتُ لأنّي لطالما رجمتُ قديسّين.
تمشّيت في الحقول، فوجدت أنّ الزّنبقة البيضاء مصيرها الذّبول ثمّ التّنّور،
وعلمنّي المصلوب عطشانًا، أنّ ملوك الأرض وعظماءها لن يكون بمقدورهم أن يلبسوا كواحدة منها.
وأخيرًا وليس آخرًا، قرأت في الإنجيل أنّ ما بين: "الويل لكم".... "والطّوبى لكم" تكمن مسيرة الإنسان بأكملها ومعها حكاية القداسة والقيامة.
من كلّ هذا استنتجت أنّ أعظم خطيئة في التّاريخ ضدّ الرّوح القدس، هي، أن تحكم على إنسان فترى فيه الماضي وتقفل رؤيتك وتغفل عن حقيقةِ، أنّ كلّ لقاء مع يسوع، هو ولادة جديدة.
وأنتم قد تكونون في مرحلة البحث وما زلتم، لذا إن وجد أحد منكم في مدرسة ما منافسة فلا يدعوني إليها، لأنّي لن أتخرّج ولن أخرج منها و لا عليها. لأنّي قبلت بها عن غير استئهال.
هذه المبادئ المعاشة في مدرسة يسوع هي القوّة، والمعنى، في وجه سلسلة الضّيقات والشّدائد والصّعاب والأوبئة والمخاوف الّتي تصيب أرضنا اليوم .
بعد شكري للباري أودّ من صميم قلبي، أن أشكركم جميعًا على هذا التّكريم. خاصًّا بالشّكر المميّز صاحب السّيادة: مطران الأبرشيّة سيّدنا عصام، الّذي وقف إلى جانب الكثير من المحبّين للرّهبانيّة والمقدرّين للعمل الرّسوليّ في هذه المدينة، فسعى، وطالب وأبطل كلّ العوائق ليمنحني عن غير جدارة هذه الرّتبة الكنسيّة الّتي أرى فيها التّكليف دون التّشريف، أشكره على محبّته وصداقته وأبوّتهِ، وسعيهِ ومنذ فترة طويلة لإقامة هذا التّكريم. سيّدنا إني أرفع صلاتي، وأعبّر عن محبّتي وشكري وتقديري لشخصك الكريم سائلاً الله لك الصّحّة والطّمأنينة والقداسة.
كما أشكر الرّهبانيّة الشّويريّة ورئيسها العامّ السّابق الأرشمندريت شربل معلوف والعمدة الرّهبانيّة، على تلقّفهم طلب المطران والزّحليّين وموافقتهم على منحي هذه الرّتبة، مجددًّا فخري واعتزازي بأمّي الرّهبانيّة ومحبّتي لكلّ فرد من أبنائها. واليوم تمثّل العمدة الرّهبانيّة بالنّائب العامّ الأب ديمتري فيّاض والأبوين المدّبرين نقولا رياشي ومطانس نصرالله، اللّذين لهم كلّ الشّكر والمحبّة والدّعاء، كما كافّة أبناء الرّهبنة الشّويريّة الغيورين والمحبّين والّذين طالما اعتبروا التّكريم والمكافأة لابن في الرّهبانيّة كعرس للرّهبانيّة جمعاء.
وأشكر أصحاب السّيادة على حضورهم وبركتهم . والشّكر الكبير للسّادة النّوّاب والوزراء الحاليّين والسّابقين الّذين عملت معهم ولا نزال على خدمة أبناء زحلة الأحبّاء، أعبّر عن تقديري واحترامي لكلّ عمل صالح، ولكلّ خدمة قمتم بها، جماعيّة كانت أم فرديّة ، وأؤكّد أنّنا في الكنيسة نصّلي للحكّام والمسؤولين، ونتفهّم حجم الضّغوطات وبطولة الوقوف في وجه الإغراءات الّتي تعرض كلّ يوم.
وأسوق شكرًا خالصًا للأبوَين العرّابين جان مطران ومخايل عوض.
لقد منحني الله بحق أمّا قدّيسة بكلّ معاني القداسة منها تعلّمت الإيمان والتّكرّس والتّخطّي، أشكركِ وأسأل الله لكِ الصّحّة والعمر الطّويل. وأشكر أخوتي وعائلاتهم والأقرباء جميعًاً
كما أعبّر عن تقديري لعمل الآباء في التّحضير لهذا الاحتفال، خاصّة أخوتي في دير مار الياس الطّوق، الّذين عبّروا مرارًا عن فرحتهم لهذا التّكريم ولهذه الرّتبة. وأشكر الجوقة المميّزة: جوقة مار الياس المخلّصيّة، والمرنّمين جورج الرّياشي ود. رانيا يونس.
كما أشكر الرّسالة الكبيرة المتمثّلة بـTELE LUMIERE، مُحيّيًا جهودهم وصلابتهم في هذه الظّروف الحرجة".
وكانت في الختام كلمة شكر لكلّ من ساهم في إنجاح الاحتفال الرّوحيّ، قمّ تقبّل الأرشمندريت سعد التّهاني في صالون الدّير.