في عيد القدّيس نيقولاوس، المطران حدّاد يدعو العائلات إلى عدم الهجرة
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران حدّاد عظة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "يطالعنا إنجيل اليوم بامرأة منحنية الظّهر طلبت الشّفاء من يسوع بإيمانٍ لا مثيل له وشُفيت. الأعجوبة في هذا النّصّ الإنجيليّ صنعها إثنان: الإنسان والمسيح. ولا أعجوبة تحدّث إلّا من خلال مشاركة الإنسان مع الله. تعالوا ننقل هذا المشهد الإنجيليّ إلى واقعنا وواقع كلّ منّا. نريد منك يا ربّ معجزة لا بل معجزات لكنّنا لا نحبّك ولا نثق بقدرتك كفاية فزدنا إيمانًا وثقة بك.
اليوم عيد القدّيس نيقولاوس. إنّه من الأمثلة الّتي أحبّت الله كثيرًا وأجرى الله فيه معجزات عدّة حتّى قيل فيه "عجيب الله في قدّيسيه" هذا القدّيس صانع العجائب.
نكمل شوطنا نحن الأرضيّين ونحتفل بأعياد السّماء على طريقتنا ونقول عيد بأيّ حال عدت يا عيد. على الرّغم من كلّ مآسينا عاد العيد ليدخل في قلوبنا بهجة ليست من صنع هذه الأرض والأرضيّين بل من السّماء هديّة. فكلّ ما يأتينا من الأرضيّين أمسى عبئا لا يطاق مجبولًا بأدنى درجات المفاهيم الإنسانيّة والاجتماعيّة والرّوحيّة.
ماذا أصاب اللّبنانيّين؟ سؤال نطرحه كلّنا والجواب واحد: أصيبوا بالإحباط لأنّ مسؤوليهم أصيبوا بفشل الإدارة. لقد وهبنا الله أرضًا من أجمل بقاع الدّنيا وشعبًا راقيًا وقابل التّطوّر والرّقيّ باستمرار. لكنّه لم يوفّقنا بحكّام ناجحين بل أوصلوا البلاد إلى نقطة مزدرية من النّموّ والتّطوّر. تفكّكت الدّولة كما نلمس يومًا بعد يوم. وهذا شرّ كبير وجبت المحاسبة عليه. دولة تستدين ومصرف مركزيّ يسمح بالدّين ومصارف تقبل الإدانة والمثلّث هذا لا يأبه بأنّ الواقعة ستقع وأنّ المودعين هم الّذين دفعوا الثّمن تعب حياتهم. فمن يحاكم هؤلاء. لا أحد. لقد شلّت يد القضاء وتلبلن. إيّانا ولبلنة الأمور في هذا الوطن.
نتطلّع إلى هذا الواقع ونأمل بإيجابيّة ممكنة بأنّ وطنًا جديدًا قد يولد. فهلّا سارعنا إلى ولادته. نريد لبنانًا جديدًا يؤمن بتداول السّلطات وعدم التّمسّك بموقع أو محاصصة أو ما شابه. لا بأس في موقف الحياد للبنان لكن الأهمّ أن نحيد لبنان بيدنا بواسطة الانتخابات النّيابيّة. إنّه مفصل أساسيّ لكلّ تغيير حتّى للحياد. الكتلة النّيابيّة تحدّد سياسة لبنان. لا انتماءات للخارج بل لبنان أوّلاً وأخيرًا. هذا ما سيؤدّي إلى حياد حقيقيّ. فلا ننتظر من الخارج شيئًا إذا كان الدّاخل لا يهيّء هبة الخارج. ولا ننسى يا أحبّة أنّنا أصبحنا دولة نفطيّة ويتسارع الخارج إلى وضع يده على ثروتنا غير آبه على تفكيك الدّولة بل مساهمًا أحيانًا ومتفرّجًا في أخرى. من يحبّ لبنان لا يسرق أطبّاءه وممرّضاته وأدمغته. بل يساهم في تثبيت الغنى الفكريّ والطّبيعيّ والبشريّ فيه. إنّنا نشهد مجزرة الهجرة خاصّة بين المسيحيّين. فنحن مقدمون على تغيير في الدّيمغرافيا اللّبنانيّة بحيث يحلّ مكان المهاجرين شعوب أخرى ذات أبعاد مغايرة. والدّعوة لأبنائنا ألّا يهاجروا كعائلة برمّتها بل على الأكثر واحد من أبناء كلّ عائلة ليسند الباقين في الوطن. هجرة العائلات ظاهرة مستجدّة تجرح عمق الكيان اللّبنانيّ لاسيّما المسيحيّ منه.
لقد أعطانا الله أن نتساعد قدر الإمكان مع بعضنا البعض. فالغنيّ مع الفقير والكبير مع الصّغير وكلّ فئات الشّعب تتلاقى حول قضيّة واحدة: التّعاون للاستمرار والصّمود. لقد أصبحنا كلّنا فقراء. نتفاهم أكثر ونتحاب أكثر لنبني مستقبلاً أجمل.
أشكر كلّ الّذين يمدّون يدهم لإخوتهم وأخصّ بالذّكر وقف فقراء صيدا. ولهم اليد الطّولى في مساندة فقرائنا. ومؤسّسة صاصي الّتي تأخذ على عاتقها مساعدة مدرسة المطرانيّة في سان نيقولا عين المير وفي قطاعات أخرى. كذلك Oeuvre d'orient et SOS Chrétien والسّفارة الفرنسيّة الّذين يساهمون معنا من خلال الفرانكوفونيّة. نشكر السّيّد شارل حنّا من كرخا والسّيّدين مارك وكريستيان عوده وعائلة عوده وعائلة دبّانة. وكذلك مؤسّسة كاريتاس وأبرشيّة كولونيا في ألمانيا لمدّ يد المساعدة أيضًا. على الرّغم من مآسينا، مستمرّون في نشاطاتنا وفي أماكن عدّة. ننتظر كباقي النّاس رحمة ربّنا ووعي المسؤولين ونصلّي.
لنرفع عيوننا إلى السّماء ونطلب من الله بشفاعة القدّيس نيقولاوس الشّفقة على شعب لبنان. لطالما نجّانا الرّبّ من مخاطر عدّة في هذا الوطن وبقي لبنان، لا تسمح يا ربّ أن يصيبه الانحلال لأنّه رسالة والرّسالة لا تضمحلّ. أكرّر معايدتي القلبيّة لجميعكم يا أحبّة لاسيّما المسمّين بإسم نيقولاوس. وأشكر بإسمي وإسم الآباء جهاد وقزحيّا حضور الفاعليّات والجميع من أصدقاء وأبناء الرّعيّة والأبرشيّة. أشكر جوقة المخلّص وجميع من تعب وحضر قدّاسنا اليوم. وليكن نيقولاوس شفيع أبرشيّتنا مثلاً حقيقيًّا لنا ومعه نستطيع أن نحقّق المعجزات".