لبنان
07 تشرين الثاني 2023, 07:30

في بداية السّنة الطّقسيّة، رسالة من المطران بو نجم إلى كهنة أبرشيّته ومؤمنيها!

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة بداية السّنة الطّقسيّة، وجّه راعي أبرشيّة أنطلياس المارونيّة المطران أنطوان بو نجم رسالة إلى الكهنة والمؤمنين والمؤمنات، بعنوان "في الإفخارستيّا تطمئنُّ قلوبُنا" "لِأَنَّهم لم يَفهَموا ما جَرى على الأَرغِفَة" (مر 6/ 52).

وكتب في سطور الرّسالة بحسب موقع الأبرشيّة الرّسميّ:

"يُخبرنا الإنجيليّ مرقس أنّ التَّلامِيذَ في السّفينة كانوا مَنْهُوكِينَ مِنَ التَّجذِيف لأَنَّ الرّيحَ كانتْ مُخالِفةً لهُم ولم يتعرّفوا على يسوع الآتي إليهم ماشيًا على البحيْرَة فزاد إضطرابُهم وخوفُهم برغم أنه قال لهم: "ثِقُوا! أَنَا هُوَ، لا تَخَافُوا!" بل ظَنُّوهُ شبَحًا. كلُّ ذلك لأنهم "لم يَفهَموا ما جَرى على الأَرغِفَة لقساوة قلوبهم" (مر 6/ 52). فلو كانت قلوبُهم ليّنةً ومُطيعة لفهموا ما جرى على الأرغفة الخمسة وبالتّالي لزالَ خوفُهم وتبدّدَ قلقُهم وعرفوا أنّه ليس شبحًا بل هو يسوع القربانيّ الّذي يهدّئ العواصف.  

أحبّائي،

نحن اليوم نتخبّط في سفينةِ وطننا ومنطقتنا والخوف يلّفنا جميعًا ورياح المصالح والحقد في هذا العالم مخالفةٌ لتجذيفنا ولكنّ المسيح هو معنا في كلّ حين، هل نعرفه ونسلّمه ذواتنا فنرتاح وتهدأ عواصفُ قلوبنا؟ تعالوا نفهم ما جرى ويجري على الأرغفة الإفخارستيّة ونكمل ما بدأناه معًا في رسالتي الرّاعويّة السّنة الماضية بأن نكون "شهود الرّجاء وحاملي الفرح"... وقلوبنا مطمئنة!

أرغفةٌ خمسة أضعها بين أيديكم طالبًا من الرّبّ أن يباركَها ويكّثرَها فتحملونها إلى بيوتِكم وعيالِكم وأصحابِكم وأماكنِ عملكم... تحملونها إلى كلِّ النّاس.  

1. الإفخارستيّا ينبوعُ رجائنا وسلامنا

لا يطلع علينا صباحُ كلِّ يومٍ إلّا بأخبار الموت والحروب والدّمار وكأنّنا خُلقنا لنصارع آلامًا يوميّة لا تنتهي ونسير جلجلةً تستمرُّ مدى عمرٍ كاملٍ. إنّها "آلام الوقت الحاضر" الّتي تُنتجها عبوديّة "الفساد" وتنخر جسد "الخليقة الّتي تئنُّ وتتمخّض" (روم 8/ 18-22). لقد أتى المسيح إلى هذا العالم بالذاّت، هذا العالم المُتخبّطِ بكلّ أنواع العذابات. عاش بيننا وديعًا ومتواضعًا، فقيرًا بالمادّة ولكن غنيًّا بالرّحمة والمحبّة، متجرّدًا من "قوّة الذّراع" ولكن متحلّيًا بالشّجاعة في مواجهة الظّلم والشّرّ. لم يصحْ ولم يماحك ولم يسمع أحدٌ صوتَه في ساحات النّزاعات البشريّة (مت 12/ 19) ولكنّه لم يصمت أمام التّعدّي على كرامة الهيكل وأمام خبث ورياء القادة المدنيّين والدّينيّين. هذا الإله الجبّار أصبح صغيرًا، ضعيفًا مرذولاً وتوارى بدايةً في مزود ثمّ أخيرًا في قربانة هشّة. لقد استحال بيننا خبزًا نازلاً من السّماء وطالعًا من الأرض، من مريم الأرض الخصبة لكي، به ومعه، يمكننا أن نتغلّب على اليأس والإحباط كما تغلّب عليه وانتصر هو يومَ كانت نفسه "قلقة حتّى الموت" مُسلِّمًا ذاته لله أبيه قائلاً: "يا أبتِ بين يديك أستودع روحي".

أحبّائي،

عندما نلبّي دعوة يسوع "إصنعوا هذا لذكري" ونتناولُ جسدَه نعيشُ الإختبارَ نفسه. وحده القربان المقدّس يبقى لنا معين النّعمة الّذي لا ينضب والّذي به نرتوي لكي نغلبَ الألمَ والشّرَّ والموتَ بقوّة الحبّ، حبِّ المسيح. هو يُعطينا رجاءَ الحياة لأنّ مَن يأكلُه لا يموت (يو 6/ 54) وهو يمنحُنا السّلامَ الّذي منحَه لتلاميذه بعد أن غسّلَ أرجلَهم في العشاءِ السّرّيّ كما يُخبرنا يوحنّا (يو 14/ 27).

في الإفخارستيّا، تحت أعراضِ الخبزِ والخمرِ الوضيعة، المتحوّلةِ جوهريًّا إلى جسده ودمه، يسوع يسيرُ معنا ويجعلُ منّا شهودَ رجاءٍ وحاملي فرح ورسلَ سلام. لن ندركَ هذه الحقيقة إلّا إذا سجدنا له وتغذَينا منه وتركَنا قلوبَنا تغوصُ في عبادته وفي حبّه دون حدود.  

2. رعايانا تُحيي الإفخارستيّا وتحيا بها

يشكّل تأسيس الإفخارستيّا  في العلّيّة اللّحظةَ الحاسمة في قيام الكنيسة. وفي يوم العنصرة انطلقت مُزوّدةً بمواهب الرّوح القدس إلى العالم. من هنا، كان قولُ المجمع الفاتيكانيّ الثّاني بأنّ لا كنيسة، وبالتّالي لا رعيّة، دون إفخارستيّا ولا إفخارستيّا من دون كنيسة. إنّ انتماءنا الرّعويّ تعزّزه مشاركتُنا الواعية بالسّرّ الفصحيّ من على مذبح رعيّتنا الّذي فيه يتمّ تأوينُ الخلاص الّذي نلناه من على الصّليب.

هذه المشاركة الفعليّة والمستمرّة بالإفخارستيّا هي عربونُ وحدتِنا الرّعويّة إذ لا يليقُ بجماعةٍ مسيحيّةٍ أن تتشاركَ في عشاءِ الرّبّ فيما هي غارقةٌ في انقساماتٍ ولا تبالي بالفقراء (1 قور 11/17-22، 27-34). لذا تحثُّنا الإفخارستيّا على عيشِ التّضامن خاصّةً مع المعوزين كما على نبذِ الخلافاتِ والانقساماتِ في ما بيننا. إنّها "علامةُ الوحدة ورباطُ المحبّة" كما يقول القدّيسُ أغسطينوس، لأنّها تلمسُ قلوبَنا بأعمقِ ما فيها من أشواقٍ ورغبات.

إنّ انقطاعَنا عن المناولة وعن السّجود للقربان المقدّس يسمحُ للموت الرّوحيّ أن يتسلّلَ سريعًا إلى حياتِنا وعلاقاتِنا وجماعاتِنا. تصبحُ مشاريعُنا مجرّد نشاطاتٍ عالميّة لا تُعطي الثّمار الرّوحيّة المرجوّة ونغرق بالتّالي في لامبالاةٍ قاتلة تجرُّ معها الحزنَ واليأسَ ولا نعودُ نفقهُ هويّتَنا المسيحيّة ولا دورَنا ورسالتَنا بأن نُكِملَ ما بدأه يسوع حين قال لنا "إصنعوا هذا لذكري".

لذلك، أدعوكم أحبّائي، أن تقبلوا بتواترٍ على المشاركةِ الفعّالة بالقدّاس وعلى السّجود للقربان في عبادةٍ تُفرغُكم من ذواتِكم لتملأَكم من حبِّ مَن قدَّمَ نفسَه من أجلنا جميعًا دون استثناء.    

3. مدعوّون لتصبح حياتُنا قربانيّة

يقول لنا يسوع في إنجيل يوحنّا: "مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي ويَشْرَبُ دَمِي يَثْبُتُ فِيَّ وأَنَا فِيه. كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الحَيّ، وأَنَا بِالآبِ أَحْيَا، كَذلِكَ مَنْ يَأْكُلُنِي يَحْيَا هُوَ أَيْضًا بِي" (يو 6/ 56-57). ماذا يعني "يحيا هو أيضًا بي"؟ كيف نحيا به؟

أحبّائي،

الحياة بالمسيح القربانيّ هي التزامٌ بتبديل المسار. لسنا نحن مَن نحيا بل هو الحيُّ فينا (غل 2/ 20). لا نعود نحيا إلّا به، بالاتّحاد الكلّيّ معه، تفكيرًا وقولاً وتصرّفات. بمعنى آخر، نصبحُ "إفخارستيّين" أيّ نتحوّل إلى خبزٍ مكسورٍ من أجل العالم، خبزٍ مكسورٍ بالطّيبة والتّواضع والخدمة كما يقول البابا فرنسيس: "في نهاية كلّ شيء، من كلِّ احتفالاتنا اللّيتورجيّة بالإفخارستيّا، الحبُّ وحده يبقى. ومنذ الآن، سيبدِّل سرُّ الإفخارستيّا العالمَ بالقدر الّذي نسمحُ فيه نحن لأنفسنا بأن نتبدّل، ونصبح خبزًا مكسورًا للآخرين" (عظة، 6 حزيران 2021).

ينطلق هذا التّبدّل المنشود من فعلِ توبةٍ صادقةٍ وممارسةٍ مستمرّة لسرِّ المصالحة كي نكون مستحقّين بأن نصيرَ ما نتناول وإلّ نكون "مُذْنِبين إلى جَسَدِ الرَّبِّ ودَمِهِ" (1 قور 11/ 27). كما أنّ هذا التّحوّل إلى الحالة القربانيّة يفترضُ أن نتعلّمَ كيف ننظرُ إلى إخوتنا وأخواتنا في الإنسانيّة "من خلال عدسةِ القربانة المكبِّرة" (البابا فرنسيس، عظة، 25 آب 2023)، خاصّةً أولئك الأكثر فقرًا واحتقارًا في جسد المسيح. يجب أن تحرّكَنا الإفخارستيّا كي نجدَ ونخترعَ، من خلال أعمالِنا الرّعويّة، مساراتِ إدماجٍ وفداءٍ لكلِّ المهمّشين.

4. الإفخارستيّا تجعلُنا رسلاً في العالم المتالّم

"إذهبوا بسلام"! بهذه الكلمات ينتهي القدّاس فنحن وبعد أن تناولنا جسدَ الرّبّ ودمَه أصبحنا مُرسلين إلى العالم. هذا العالم ينتظرُنا نحن المؤمنين بيسوعَ الرّحوم فكما "أرسله الآبُ الحيّ" وقدّم نفسَه قربانًا ليخلّصَنا، هكذا هو يُرسلُنا نحن اليوم من أجلِ أن نقدّمَ ذواتنا قربانًا في الخدمةِ والإصغاءِ والتّضامن. نُصبح كالعذراء مريم، المرأةِ الإفخارستيّة، الّتي، بعد أن قبلت المسيحَ إبنَها في أحشائها، انطلقت حاملةً بشرى الفرح إلى نسيبتِها إليصابات. وكم من إليصابات اليوم في مجتمعاتِنا بانتظارِ الفرح الّذي اختبرناه في المناولة!

هي ليتورجيّةُ الإرسال بحيث تَصحَبُنا "بركةُ الثّالوثِ الأقدس، الآبِ والإبنِ والرّوحِ القدس" وتُرسلُنا في انطلاقةٍ جديدةٍ نحو الآخرين كي نعيشَ الإنجيلَ هنا والآن. لا نأتي إلى الذّبيحة كواجبٍ أسبوعيٍّ ثمّ ننتقل إلى مشروعٍ آخر، إنّما نأتي كي نشاركَ آلامَ الرّبّ وقيامتَه، ومن ثمّ نعيشُ مفاعيلَ القدّاس في إلتزاماتنا الاجتماعيّةِ والوظيفيّة. ينتهي القدّاسُ ويبدأ وقتُ الشّهادة. نتركُ الكنيسةَ "لنذهبَ بسلامٍ" حاملين بركةَ الثالوثِ في أنشطتِنا اليوميّة، في بيوتِنا، في أماكن عملِنا، في علاقاتِنا ممجّدين الله من خلال حياتِنا اليوميّة. ولكن إذا تركنا القدّاس ونحن نثرثرُ على بعضِ الحاضرين ونتأفّفُ من عظةِ الكاهن فهذا يعني أنّ القدّاسَ لم ينفذْ إلى قلوبنا. في كلّ مرّةٍ أخرجُ من الكنيسة بعد الاحتفالِ الإفخارستيّ، يجبُ أن أشعرَ أني أفضل مما دخلت، أشعرَ بمزيدٍ من الحياةِ ومن القوّةِ وبرغبةٍ أكبر في العيشِ كشاهدٍ للمسيح.

أحبّائي،

إن جسدَ المسيح الّذي تتناولونه في كلّ قدّاس يجعلُكم تكرّمون وتحترمون أجسادَ إخوتكم، الّذين من خلالهم يتوقعُ يسوع أن تعترفوا به وتخدموه وتكرّموه وتحبّوه (مت 25/ 40).  

5. كرامة الإحتفال الإفخارستيّ وعطايا العبادة القربانيّة

لأنّ  "ذبيحة الإفخارستيّا هي ينبوع وقمّة كلِّ حياةٍ مسيحيّة" كما يُعلن المجمع الفاتيكانيّ الثّاني (نور الأمم 11)، وضعت الكنيسةُ بعضَ القواعد من أجلِ تأكيدِ طبيعةِ هذا السّرّ ومكانتِه في حياتها كما من أجلِ الحفاظِ على الكرامة الّتي يجب أن تميّزَ الاحتفالَ به. هذه النُظم اللّيتورجيّة تهدفُ أيضًا وخاصّةً إلى مساعدة المؤمنين على المشاركة بوعيٍ وفعاليّة وبتقوى حقيقيّة مظهِرةً رونقَ وجمالَ طقسِنا السّريانيّ المارونيّ.

أحبّائي،

في الرّسالة البابويّة "شهوةً اشتهيت" الّتي كتبها البابا فرنسيس في 29 حزيران 2022، يتكلّمُ عن "فنّ الاحتفال" ويعتبر أنّ هذا الفنَّ يجب أن يتمَّ بتناغمٍ مع عملِ الرّوحِ القدس كي نتجنّب الوقوعَ في خطرَين يُهدّدان جماعاتِنا الرّعويّة: خطرُ التّشدّدِ بالشّكليّات مقابلَ خطرِ فهمٍ خاطئٍ للابتكارِ والتّكيّفِ والتّحديث.

لذلك أدعوكم، إخوتي الكهنة، للانتباه بأن لا تشوّهوا لقاءَكم الإفخارستيّ يوم الأحد باجتهاداتٍ شخصيّةٍ واستنباطاتٍ فرديّةٍ تقودُ حتمًا إلى الفوضى. لا تنسوا أنّ الاحتفالَ هو أوّلًا وآخرًا للمسيحِ ولجسدِه السّرّيّ أيّ جماعةِ المؤمنين المعمّدين بموتهِ وقيامتِه. حافظوا على "البساطةِ" و"الوقارِ" في آنٍ معًا وتجنّبوا من أن تقعوا في النّزعةِ "الفولكلوريّة" إن من حيثُ الموسيقى أو صياغةِ الصّلوات أو من حيثُ اللّباسِ والزّينةِ أو الحركات ولا تتمثّلوا بمذاهبَ وطقوسٍ غريبةٍ عن تقاليدِنا وروحانيّتِنا بحجّةِ الانفتاحِ والتّحرّر.

أمّا للمؤمنين، أبناء الأبرشيّة وبناتها الأحبّاء، فأرغبُ أن أتقاسمَ معكم بعضَ الأفكار حول عبادةِ القربان المقدّس وأشجّعَكم على الالتزام بها لما لها من فائدةٍ روحيّةٍ على المستوى الشّخصيّ والمستوى الجماعيّ.

ما الهدفُ من عبادة القربان المقدّس؟

نعيشُ في عصرِ النّسبيّةِ والتّكنولوجيا الرّقميّة الّتي تدفعُنا على التّركيزِ على النّتائجِ السّريعة والرّبحِ الأكيد والقدرةِ التّنافسيّة. عبادةُ القربان المقدّس هي عكسُ هذا المسار بحيث نكتشفُ خلالها محدوديّتَنا ونختبرُ فقرَنا الرّوحيّ وعدمَ قدرتِنا على الصّلاة فنسلّمُ ذواتَنا لذاك الّذي استحالَ خبزًا فقيرًا لينشلَنا من فقرِنا ويُغنينا من نِعَمه.

في العبادة القربانيّة، نلتهمُ يسوع بأعيُنِنا كما يفعلُ العشّاقُ عندما يلتقون فينظرون إلى بعضِهم البعض بصمتٍ عميقٍ وحبٍّ شديد. ليس المهمّ ماذا نقولُ أو ماذا نفعلُ أمام القربان، إنّما المهمّ أن ندخلَ في حميمّيةٍ معه، أن نقبلَ أن نتعرّضَ لِنورِه المطّهِر كما نتعرّضُ لأشعةِ الشّمس بحيثُ يطّهرُنا من كلِّ المشاهدِ والصّوَرِ الّتي تلّوّثُ أفكارَنا وعقولَنا وإرادتَنا.

أمام القربانِ المقدّس، لا نتكلّمُ بل نُصغي لما سيقولُه هو لنا. نُعطيه الوقتَ الكافي كي يكلّمَنا ويغيّرَنا حتّى ولو شعرَنا بالضّجر وبطولِ الوقت هو لا يضجرُ من لقائنا بل يبقى سعيدًا لأن يكون معنا.

لا يقومُ منطقُ عبادةِ القربان المقدّس على "كمّيّة" أفعالِنا بل على "تحوّل" كينونتا بحيث نتمكّن من رؤيته والتّأمّل به في كلِّ مناسبات حياتِنا والأمكنةِ حيث نعيش إن في الكنيسة أو، وخاصّةً، خارجَ الكنيسة. أليسَ هذا هو معنى قولِ يسوع للمرأةِ السّامريّة: "ولكِنْ تَأْتِي سَاعَة، وهِيَ الآن، فِيهَا السَّاجِدُونَ الحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ والـحَقّ. فَعَلى مِثَالِ هـؤُلاءِ يُريدُ الآبُ السَّاجِدينَ لَهُ. أَللهُ رُوح، وعَلى السَّاجِدِينَ لَهُ أَنْ يَسْجُدُوا بِالرُّوحِ والحَقّ". (يو 4/ 23-24)؟

أحبّائي أبناء وبنات الأبرشيّة،

في القربانِ المقدّس، أنتم تلتقون مَن أعطاكُمُ الحياة، تلتقون مَن خلّصَكم ويخلّصُكم، مَن يهبُكم الشّجاعةَ والصّبرَ من أجل أن تحوّلوا كلَّ أزمةٍ إلى فرصة لمزيد من الالتزام الرّوحيّ والإنسانيّ. أنتم تلتقون مَن يعطيكُم الحكمةَ كي تقاربوا أحداثَ هذا العالم بنظرةٍ مسيحيّةٍ تفتحُ قلوبَكم إلى الحياةِ الآتية. فلا تتأخّروا عن مواعدته والتّماهي معه. في الإفخارستيّا تطمئنُّ قلوبُكم.

أردتُ ان أتقاسمَ معكم هذه الأفكارَ، الأرغفةَ الخمسة، طالبًا من يسوعَ القربانيّ أن يُطمئن قلوبَكم في وسطِ الأزماتِ والأمواجِ الّتي تلطمُ سفينةَ بلادِنا ومنطقتِنا ومُردِّدًا مع الطّوباويّ كارلو أكوتيس، هذا الشّابّ الّذي أمضى سِنّيَ عمرِه القليلة في عبادةِ يسوع في الإفخارستيّا ونشرِ محبّةِ القربان، أنّ هذا "القربانُ المقدّسُ هو طريقُنا الرّئيسيُّ السّريعُ إلى السّماء وإذا أردنا أن نصبحَ قدّيسين فعلينا أن نقفَ أوّلًا أمام المسيحِ في الإفخارستيّا".