دينيّة
27 حزيران 2017, 13:00

في الشّمال.. دير أرثوذكسيّ لرقاد السّيّدة

تمارا شقير
يطلّ شامخًا من بعيد باسطًا قرميده الأحمر حاميًا أبناء الشّمال.. هو ديرٌ السّيّدة الّذي يقع في بكفتين- الكورة ويُعتبر من أهمّ الأديرة والمراكز التّربويّة الأرثوذكسيّة في لبنان.

تدلّ جداريّة موجودة في كنيسة الدّير على أنّه احتلّ أهميّة كبرى في العصر الصّليبيّ حين كان تابعًا لإمارة طرابلس، إلّا أنّ الرّواق المؤدي من المدخل إلى الكنيسة، والمقبرة خلف المذبح وجرن المعموديّة يسبقان تلك الحقبة. وبحسب أحد الرّهبان، فيعود أصل الدّير إلى القرن التّاسع.

على عكس حجم الدّير وضخامته، الكنيسة صغيرة ومتواضعة يعبق فيها عبير الخشوع ويفوح منها عطر الإيمان، وتُقسّم إلى معبدين مع هيكلين منفصلين: معبد جنوبيّ مكرّس لرقاد السّيّدة وآخر شمالي على اسم القدّيس جاورجيوس.

تنتصب في هيكل كنيسة السّيّدة جداريّة تعود إلى العصر الوسيط تُصوّر العذراء والطّفل يسوع، وقد تعرّضت إلى تشويه بسبب مرور الزّمن وتوالي الأحداث خصوصًا إبّان الحرب الأهليّة اللّبنانيّة إذ مُحيت عيون الأشخاص ولم يبق منها سوى رأسي العذراء والطّفل يسوع في المشهد الأماميّ.

أعيد تأهيل الدّير عام 1699، وفي أوائل القرن التّاسع عشر اختلط تاريخه بتاريخ المدرسة الّتي وافق مطران طرابلس صفرونيوس نجّار الدّمشقي (المثلث الرّحمة) على تأسيسها عام 1881. في بداياتها، كانت "المدرسة الوطنيّة الأرثوذكسيّة" أهمّ مؤسسة تعليميّة في المنطقة وأشهرها، إلّا أنّ تطوّرها توّقف مرّات عديدة بسبب الأوضاع المضطربة. ففي العام 1889، أغلق الحاكم العثمانيّ المدرسة بشكل مؤقت كونها أصبحت مركزًا لنموّ القوميّة شعورًا وممارسة، ليعيد المطران غريغوريوس حدّاد فتحها في العام 1893، فتُغلق من جديد عام 1898 لأسباب ماديّة.

ولكن عام 1907 فتحت المدرسة أبوابها مرّة أخرى بفضل الرّابطة العلمانيّة الطّرابلسيّة واحتلّت في ذلك الحين المركز الأوّل بين المدارس الشّماليّة، وكانت المؤسسة التّربويّة الوحيدة الّتي تُعلّم القانون استنادًا إلى الدّستور العثمانيّ. وعام 1914 مع اندلاع الحرب العالميّة الأولى أقفلت المدرسة أبوابها، ولم تفتح مجدّدًا إلّا في العام 1946، وأعلنتها أوّل حكومة لبنانيّة مدرسة ابتدائيّة وبقيت كذلك حتّى العام 1985 عندما تحوّلت إلى مدرسة ثانوية تمنح شهادات البكالوريا الفنيّة. ويُذكر أنّ المدرسة تُقدّم تنشئة عمليّة في الحرف اليدويّة والزراعة لذوي الاحتياجات الخاصّة.

يعود تاريخ دير السّيّدة في بكفتين- الكورة إذًا إلى القرن التّاسع، وما زال حتّى اليوم قائمًا على الرّغم من جميع العقبات التي شهدها لينفح أبناء المنطقة نسمة إيمان وخشوع ورجاء. فلنصلّي ولنطلب من الرّب أن يُبارك هذا الدّير وزوّاره بشفاعة مريم العذراء والقدّيس جاورجيوس ليحافظوا على تاريخه العريق، ولنضرع إليه ليساعدهم على الثّبات في إيمانهم فيُشبّعون روحهم محبّة ورجاء ليسوع المسيح، آمين.