متفرّقات
12 نيسان 2022, 10:47

فيروز: مَسيرة أَيقونة خالدة

تيلي لوميار/ نورسات
في سلسلة اللّقاءات الدوريّة التي تنظِّمها "مؤَسسة ابرهيم نجّار للثقافة والحرّيّات" (الأَشرفية)، دعَت الزميل الشّاعر هنري زغيب إِلى محاضرة بعنوان "فيروز: مسيرةُ أَيقونةٍ خالدة" في حضور الوزيرَين السّابقَين ناصيف حتّي وجان أُوغاسابيان والدكتور غالب محمصاني ونخبة مثقّفين من روّاد "المؤَسسة".

إفتتح المحاضرةَ رئيسُ "المؤسّسة" الدكتور ابرهيم نجار منوِّهًا بـ"ضرورة البقاء في الـمَدار الثقافي، رغم كلِّ ما يجري في الوسَط السّياسي من مجريات وتقلّبات وأَحداث يوميّة يتابعها اللّبنانيون بين التّرقّب والقلق"، وأشار إِلى أَنّ "في ذاكرة هنري زغيب صفحات من التّراث اللّبنانيّ الأَدبيّ والفنّي، هو الذي تابع كبار العصر وكتب عنهم من جبران خليل جبران إِلى سعيد عقل إِلى الأَخوين رحباني وفيروز، وكان بين آخر ما أَصدر: كتابه "في رحاب الأَخوين رحباني" طبعة ثانية مَزيدة من كتابه الأَول "طريق النّحل".

 

منذورة على الخُلود

ثمّ جال الـمُحاضر على المسيرة الـمضيئة التي حقَّقَتْها السّيِّدة فيروز منذ مطالعها حتّى تكرَّسَت "أَيقونة حيَّة تربَّعت على قمّة خلودها رسولةَ الإِبداع اللّبنانيّ في جميع أَقطار العالم شرقًا وغربًا"، هي التي كتب في صوتها كبارُ الشّعراء ما لم يكتُبوه في سواها. واستشهد هنري زغيب بقصيدتَين من سعيد عقل في كتابه "يارا" (1960)، الأُولى بعنوان "فيروزَا" والأُخرى "عن دفتر فيروزَا"، جاء فيها:

تبْقي بِصوتِك هالـهَني       انْ خَتْيَر الكون من الهمومْ

تْـهِدِّي وتبْنيها الدني        مْنِ جْديد وتشكِّي النجومْ

ومن هذا البيت الأَخير أَطلق سعيد عقل على فيروز لقب "سفيرتنا إِلى النُجوم".

كما استشهد الـمُحاضر بمقاطع من مقال أُنسي الحاج "أُحبُّها بإِرهاب" في ملحق "النهار" (15 شباط 1970): "أَنا أَركع أَمام صوتها كالجائع أَمام اللّقمة. أَضُمُّ يدَيَّ كالمصلِّين وأُناديك يا ربّ: إِحفظها... احفظها... إِذا كنتَ الله فهي برهانُك، وإِن لم تكُن أَنت الله فهي بَديلُك. وها إِني أَقول اعترافي أَنّني لا أُوْمن إِلَّا بها، وأَعيش لأَنّها هي الحياة".

 

منصور الرحباني: "متوَّجة بالمجد"

وتابع هنري زغيب مسيرة فيروز، من بداياتها عضوَ كورس الأَخوين فليفل (1947) فعضو كورس الإِذاعة اللّبنانيّة (1949) فاكتشاف حليم الرّومي صوتها واقتراحه "فيروز" اسمًا فنيًّا، أَعطاها من أَلحانه وغنَّى معها أُغنيَتَين، وجمعَها في مكتبها بالعازف والملحن عاصي الرحباني الذي بدأَ يعطيها من أَلحانه أُغنيات شاعت، أَبرزُها "عتاب" التي انطلقت من الإِذاعة اللّبنانيّة (1951) وشاعت أَكثر عند انطلاقها من إِذاعة دمشق (1952).

وبعد زواج عاصي وفيروز (23 كانون الثاني 1955) بدأَتْ رحلتَها مع "المشروع الرحباني" المثلَّث الركائز: عاصي ومنصور كتابةً وتلحينًا، وفيروز أَداءً قال عنه منصور في ما بعد: "منذ انضمَّت إِلينا فيروز بدأَتْ مُتَوَّجَةً بالمجد. فإِضافةً إِلى جمالِ صوتها وموهبتِها الخارقة، هي ظاهرةٌ لا تـتكرَّر: صوتُها مميَّز، إِطلاقةُ صوتها ممـيَّـزة، وكلُّ ما جاء في صوتها من خوارقَ، وما برعَت به من صَقْلٍ وتجارب، جعلَ منها رمزًا من رموز هذا العصر. تأَثَّر بها الناس، حتى الشّعراءُ في لبنان والعالم العربي، لأَنّها لم تَكُن مجرَّد صوتٍ وحسب، بل سطعَت بحضورها الآسر وصوتها المفرد، وراح صوتُها يخترق الحواجز العاطفية، ويُرَسِّب في لاوعي سامعه الأَفكار التي يحملُها".

 

من المسرح إلى السينما

وعالج زغيب مراحل صعود فيروز متأَلِّقةً بأَعمال الأَخوين رحباني، إِذاعيًّا بضع سنوات، ثم مسرحيًّا على أَدراج هياكل بعلبك (1957) وتَوَالي الأَعمال المسرحيّة، منها: "البعلبكية" (1960)، "جسر القمر" (1962)، اللّيل والقنديل" (1963)، "بيّاع الخواتم" (1964)، "فخر الدين" (1966)، "جبال الصّوان" (1968)، "ناطورة المفاتيح" (1972)، ثم الانتقال إِلى المسرحيّات في بيروت، منذ "هالة والملك" (1967) حتى "بترا" (1977)، وعرض هذه المسرحيّات في دمشق وعمّان وسواهما.

وتوقّف الـمُحاضر عند تأَلُّق فيروز سينمائيًّا: "بيّاع الخواتم" (1965)، "سفر برلك" (1966)، وبنت الحارس" (1968)، ليركِّز على أَهمية فيروز الممثِّلة التي يعادل حضورها مغنّية على المسرح كما أَمام الكاميرا. وتخلّل المحاضرة استشهادٌ بعدد من الأُغنيات الرحبانيّة التي خلَّدَتْها فيروز.

 

فيروز وزياد الرحباني

وفي الختام كانت أَسئلة من الحضور أَجاب عنها زغيب موضحًا مفاصلَ مهمَّة في مسيرة فيروز. ورفَض التّحدُّث عن النّاحية الشّخصيّة في حياتها، معتبرًا أَنّها شؤُون عائليّة خاصّة لا يتدخَّل بها، كما رفض أَن يدخل في المفاضلة بين الأَعمال الرحبانيّة بدون فيروز، وأُغنيات فيروز بعد الأَخوين رحباني، إِنما شدَّد على أُغنيات زياد الرحباني الذي عرفَ كيف ينقل فيروز إِلى جيل جديد من جمهورها الأَوسع في كلّ العالم.