الفاتيكان
07 أيلول 2019, 09:15

فرنسيس: لا يمكن أن تكون هناك مقاربة إيكولوجيّة حقيقيّة بدون عدالة اجتماعيّة تضمّن حقّ الاستفادة المشتركة من خيرات الأرض

إجتمع البابا فرنسيس، صباح اليوم، بالسّلطات والسّلك الدّبلوماسيّ وممثّلي المجتمع المدنيّ في مدغشقر، في العاصمة أنتاناناريفو. وبحسب "فاتيكان نيوز"، وجّه كلمة إستهلّها بشكر "رئيس البلاد على دعوته لزيارة مدغشقر وعلى كلمة التّرحيب"، وأيضًا "جميع من ساهم في تحقيق هذه الزّيارة" وخصوصًا "شعب مدغشقر على استقباله المضياف". وألقى فرنسيس تحيّاته إلى الأساقفة وممثّلي الطّوائف والأديان الأخرى.

كما تحدّث البابا فرنسيس عن "دستور هذا البلد والّذي يؤكّد إحدى القيم الأساسيّة في ثقافة مدغشقر، أيّ روح التّقاسم والمساعدة المتبادلة والتّضامن، وأيضًا الرّوابط العائليّة والصّداقة والتّعامل الحسن بين البشر ومع الطّبيعة. تبدو واضحة هكذا صفات هذا الشّعب وميّزاته الّتي تمَكّنه أيضًا من الصّمود أمام الصّعاب بشجاعة. وإلى جانب تقدير وتثمين هذه الأرض المباركة بجمالها وغناها الطّبيعيّ، يجب أيضًا تثمين هذه الرّوح".
وأشار إلى "تطلّع مدغشقر عقب استقلالها إلى الاستقرار والسّلام"، وإلى "تناوب ديمقراطيّ إيجابيّ تميّز باحترام التّكامل، ما يؤكّد أنّ السّياسة هي وسيلة لبناء مواطنة الإنسان وأعماله حين تعاش كخدمة للجماعة البشريّة"، وهذا ما ركّز عليه البابا في رسالته لمناسبة اليوم العالميّ للسّلام 2019. وأضاف فرنسيس "بالتّالي إنّ عمل السّياسة ومسؤوليّتها يشكّلان تحدّيًا متواصلًا أمام من لديهم رسالة خدمة وحماية مواطنيهم وخاصّة الأكثر ضعفًا من بينهم، وتوفير الظّروف لتنمية كريمة وعادلة تشمل الجميع". وأكّد البابا كلامه مذكّرًا بما قاله القدّيس البابا بولس السّادس في الرّسالة العامّة "ترقّي الشّعوب" وموضحًا أنّ "التّنمية لا تقتصر على النّموّ الاقتصاديّ بل يجب أن تكون تنمية متكاملة، ما يعني تنمية تشمل كلّ إنسان والإنسان كلّه". ودعا البابا فرنسيس إلى "محاربة كلّ أشكال الفساد والتّلاعب الّتي تزيد من اللّامساواة الاجتماعيّة، ومواجهة عدم توفّر الضّمانات والاستبعاد الّتي تقود إلى الفقر". كما يجب بحسب ما قاله البابا، "توفير العناصر البنيويّة الّتي يمكنها ضمان توزيع أفضل للدّخل وتعزيز متكامل للسّكّان وخاصّة الفقراء. وعلى هذا التّعزيز ألّا يقتصر على المساعدة".
وبالنّسبة إلى التّنمية المتكاملة، ذكّر البابا فرنسيس "بارتباط هذه التّنمية بالعناية بالبيت المشترك، ولا يعني هذا التّوصّل إلى أدوات للحفاظ على الموارد الطّبيعيّة بل البحث عن حلول متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار تداخل علاقات الأنظمة الطّبيعيّة فيما بينها ومع الأنظمة الاجتماعيّة. فليس هناك أزمتان منفصلتان، الأولى بيئيّة والأخرى اجتماعيّة، وإنّما أزمة اجتماعيّة-بيئّية واحدة ومعقّدة" (139). بعدها أشار فرنسيس إلى "تميّز مدغشقر بالتّنوّع البيولوجيّ والّذي تهدّده إزالة الغابات بشكل مبالغ فيه وذلك لمصلحة قليلين"، وحذّر من "أنّ تدهور هذا التّنوّع يسبّب مشاكل لمستقبل هذا البلد وبيتنا المشترك". وأكّد البابا من جديد على "ضرورة توفير فرص عمل وموارد دخل تحترم البيئة لمساعدة الأشخاص على الخروج من الفقر"، وعلى أنّه "لا يمكن أن تكون هناك مقاربة إيكولوجيّة حقيقيّة أو عمل ملموس لحماية البيئة بدون عدالة اجتماعيّة تضمّن حقّ الاستفادة المشتركة من خيرات الأرض سواء للأجيال الحاليّة أو القادمة". ركّز البابا فرنسيس "على ضرورة التزام الجميع بهذا، ما يعني المجتمع الدّولي"، مشيرًا إلى "مشاركة ممثّلي السّلك الدّبلوماسيّ في هذا اللّقاء وأيضًا إلى المساعدات الّتي قدّمتها المنظّمات الدّوليّة لتنمية مدغشقر. إنّ هذه المساعدات تُبرز من جهّة أخرى انفتاح مدغشقر على العالم"، إلّا أّنه حذّر من "تحوّل الانفتاح إلى ثقافة عالميّة تزدري وتدفن الإرث الثّقافيّ للشّعوب، أيّ من أن تقود العولمة الاقتصاديّة إلى هيمنة ثقافيّة". ودعا البابا فرنسيس إلى "مسيرات تحترم أساليب الحياة الأصليّة وتطلّعات المواطنين، وذلك كي لا تكون مساعدات الجماعة الدّوليّة الضّمان الوحيد لتنمية البلاد، فيصبح هكذا الشّعب صانع مصيره". وأكّد على "ضرورة الإنتباه إلى المجتمع المدنيّ، الشّعب، واحترام تميّزه ودعم مبادراته ونشاطاته"، وشجّع على "مسيرة تسمح بإسماع صوت من لا صوت له، مسيرة لا تستبعد أحدًا".
وبعدها، ذكّر البابا فرنسيس بالطوباويّة فيكتوار رازواماناريفو، الّتي أعلنها القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني طوباويّة خلال زيارته مدغشقر منذ 30 سنة. وقال "إنّ شهادة محبّة الطوباويّة لأرضها وتقاليدها، وخدمتها الفقراء كعلامة للإيمان بيسوع المسيح تكشفان لنا الطّريق الّتي نحن أيضًا مدعوّون للسّير عليها".
وفي الختام، أكّد البابا فرنسيس "رغبة واستعداد الكنيسة الكاثوليكيّة في مدغشقر للمساهمة، عبر حوار دائم مع مسيحيّ الطّوائف الأخرى ومؤمني الأديان الأخرى وجميع أطراف المجتمع المدنيّ، في بلوغ أخوّة حقيقيّة تعزّز التّنمية البشريّة المتكاملة كي لا يُستبعد أحد". وطلب من الله أن يبارك مدغشقر وسكّانها وأن يحفظ هذه الجزيرة السّلميّة والمضيافة ويمنحها الرّخاء والفرح.