فرنسيس: الكنيسة الكاثوليكيّة ترغب في تقديم إسهامها ببناء المجتمع والحياة المدنيّة والرّوحيّة في أرضكم الجميلة رومانيا
"يُسعدني أن أكون في أرضكم الجميلة بعد عشرين عامًا من زيارة القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، وفيما تترأّس رومانيا هذا الفصل المجلس الأوروبيّ.
إنّها لحظة مهمّة لكي نوجّه نظرة شاملة على السّنوات الثّلاثين التي مضت، منذ أن تحرّرت رومانيا من النّظام الذي كان يُضيِّق على حريّتها المدنيّة والدّينيّة ويعزلها إزاء البلدان الأوروبيّة الأخرى، بالإضافة على أنّه كان قد حملها على ركود اقتصادها واستهلاك قواها الخلّاقة. خلال هذا الزّمن إلتزمت رومانيا في بناء مشروع ديموقراطيّ من خلال تعدًّديّة القوى السّياسيّة والاجتماعيّة وحوارها المتبادل، من أجل الاعتراف الأساسيّ للحرّيّة الدّينيّة والإدخال الكامل للبلاد في المشهد الدّوليّ الأوسع. من الأهميّة بمكان أن نعترف بالخطوات الكثيرة التي تمَّ القيام بها على هذه الدّرب، كذلك وسط الصّعوبات الكبيرة والتّضحيات.
أُشجّعكم على الاستمرار في العمل من أجل تعزيز الهيكليّات والمؤسّسات الضّروريّة، لا لإعطاء جواب لانتظارت المواطنين الصّحيحة وحسب، وإنّما أيضًا لتحفيز شعبكم والسّماح له بالتّعبير عن إمكانيّاته وذكائه. كذلك ينبغي في الوقت عينه أن نعترف أنّ التّحوّلات التي جعلها ضروريّة إفتتاح مرحلة جديدة قد تضمّنت بزوغ حواجز، لا مفرّ منّا، وينبغي تخطّيها. وبالتّالي لا يسهل تدبيرها على الدّوام بسبب الثّبات الاجتماعي وإدارة البلاد. أُفكّر أوّلاً بظاهرة الهجرة التي طالت ملايين من الأشخاص الذين تركوا البيت والوطن ليبحثوا عن فرص عمل جديدة وحياة كريمة. أُفكّر بالإفقار السّكّانيّ للعديد من القرى التي شهدت خلال سنوات قليلة سفر جزء كبير من سكانها؛ أُفكّر بتبعات هذه الأمور كلّها على نوعيّة الحياة في تلك الأراضي وبضعف إحدى جذوركم الثّقافيّة والروحيّة التي عضدتكم في الصّعوبات والمحن.
لمواجهة مشاكل هذه المرحلة التّاريخيّة الجديدة، ولتحديد الحلول الفعّالة وإيجاد القوّة لتطبيقها، علينا أن ننمّي التّعاون الإيجابيّ للقوى السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والرّوحيّة؛ من الضّروري أن نسير معًا وأن نعد بقناعة بألّا نتخلّى عن الدّعوة الأسمى التي يجب على دولة ما أن تتوق إليها: أن تأخذ على عاتقها الخير العام لشعبها. بهذا الشّكل، يمكن بناء مجتمع إدماجيّ يصبح فيه كلُّ فرد، إذ يضع في متناول الجميع مواهبه وكفاءاته من خلال تربية مميّزة وعمل خلّاق وتضامنيّ، رائدًا للخير العام؛ مجتمع حيث لا يُنظر إلى الضّعفاء والأشدّ فقرًا والأخيرين كأشخاص غير مرغوب فيهم، وإنّما كمواطنين وإخوة ينبغي إدخالهم بشكل كامل في الحياة المدنيّة.
ينبغي لكلّ هذا أن يتحلّى بروح وقلب وبوجهة سير واضحة لا تفرضها اعتبارات خارجيّة أو سلطة مراكز الشّؤون الماليّة العليا، وإنّما الإدراك لمحوريّة الشّخص البشريّ وحقوقه غير القابلة للتّصرّف. بهذا المعنى يمكن للكنائس المسيحيّة أن تُساعد في إعادة إيجاد وتغذية القلب النّابض الذي ينبغي أن ينبعث منه عمل سياسيّ واجتماعيّ ينطلق من كرامة الشّخص ويقود إلى الإلتزام بوفاء وسخاء من أجل الخير العام للجماعة.
إنّ الكنيسة الكاثوليكيّة تُريد أن تضع نفسها في هذا المسار، وتُريد أن تقدِّم مساهمتها في بناء المجتمع، ترغب في أن تكون علامة تناغم ورجاء وحدة، وأن تضع نفسها في خدمة الكرامة البشريّة والخير العام. وتُريد أن تتعاون مع السّلطات ومع الكنائس الأخرى، وجميع الرّجال والنّساء ذوي الإرادة الصّالحة، لكي تسير معهم وتضع مواهبها في خدمة الجماعة بأسرها.
إنّ الكنيسة الكاثوليكيّة ليست غريبة، بل هي تشارك بشكل كامل في الرّوح الوطني، ولذلك هي ترغب في أن تقدّم إسهامها في بناء المجتمع والحياة المدنيّة والرّوحيّة في أرضكم الجميلة: رومانيا. وإذ أتمنّى الإزدهار والسّلام لرومانيا، أستمطر عليكم وعلى عائلتكم وجميع الأشخاص الحاضرين، وكذلك على الشّعب بأسره، فيض البركات الإلهيّة."