الفاتيكان
18 آب 2019, 06:15

فرنسيس: أسماؤنا مكتوبة في السّموات، لا بفضل استحقاق لنا بل كعطيّة تلَقّاها كلّ واحد منّا بالمعموديّة

لمناسبة لقاء الصّداقة بين الشّعوب في مدينة ريميني الإيطاليّة من 18 حتّى 24 آب/أغسطس الجاري، في دورته الأربعين، وجّه البابا فرنسيس رسالة تحمل توقيع أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين إلى أسقف ريميني المطران فرنشيسكو لامبيازي.

 

إستهلّت الرّسالة بتحيّات البابا فرنسيس إلى الأسقف ومنظّمي اللّقاء والمشاركين فيه. وبحسب "فاتيكان نيوز"، ذكر فرنسيس موضوع اللّقاء لهذه السّنة المستوحى من قصيدة للقدّيس يوحنّا بولس الثّاني"مما ثبتِّ عليه نظرك وُلد اسمك"  الّتي تتحدّث عن فيرونيكا الّتي مسحت وجه يسوع. كما أشار إلى حديث خادم الله الأب لويجي جوزاني عن هذه الصّورة الشّعريّة متخيّلًا "الجموع بينما يمرّ المسيح حاملًا الصّليب، ينظر إليه الجميع بينما تثبِّت هي نظرها عليه فينفتح شقّ في الجموع، ثمّ ينظر إليها الجميع، كانت امرأة كالنّساء الأخريات بلا إسم لكنّها نالت إسًما ووجهًا وشخصية في التّاريخ". وذُكر أيضًا حديث القدّيس أغسطينوس الّذي يتوقّف فيه عند "زكّا العشّار، والّذي لم يكن ليرى إن لم ينظر إليه يسوع". كما جاء في الرّسالة "هذه هي الحقيقة الّتي تعلنها الكنيسة، أنّ المسيح أحبّنا وبذل حياته من أجلنا، من أجل كلّ واحد منّا، لتأكيد وجهنا الفريد وغير المتكرّر. من أين تأتي أهميّة أن يتردّد صدى هذا الإعلان مجدّدًا اليوم؟ من كون كثيرين من معاصرينا يسقطون جرّاء تجارب الحياة ويجدون أنفسهم وحيدين ومتروكين، وغالبًا ما يعامَلون وكأنّهم أرقام في إحصائيّة، فلنفكّر في الآلاف الّذين يفرون كلّ يوم من الحروب والفقر، إنّ هؤلاء وقبل أن يكونوا أرقامًا هم وجوه وأشخاص، أسماء وقصص". فدعا فرنسيس إلى "عدم نسيان هذ أبدًا، وخاصّة عندما تمارس ثقافة الإقصاء التّهميش والتّمييز والاستغلال مهدّدة كرامة كلّ شخص".

وأكّدت الرّسالة أنّ "الكثيرين من المنسيّين هم في حاجة عاجلة إلى أن يروا وجه الرّبّ كي يجدوا أنفسهم مجدّدًا. إنّ إنسان اليوم يعيش غالبًا في عدم يقين ويبدو أنّه بلا قوّة حتّى ويسيطر عليه الخوف بسهولة. أيّ رجاء يمكن أن يكون في هذا العالم إذاً؟ وكيف يمكن للإنسان أن يعثر مجدّدًا على نفسه وعلى الرّجاء؟ إنّ هذا لا يمكن أن يحدث من خلال المنطق أو الإستراتيجيّة، بل إنّ سرّ الحياة هو أن نثبِّت النّظر على وجه يسوع، فالنّظر إلى يسوع ينقّي الرّؤية ويُعدِّنا للنّظر إلى كلّ شيء بأعين جديدة. بلقاء يسوع، وجد الفقراء والبسطاء أنفسهم مجدّدًا وشعورًا بأنّهم محبوبون بشكل كبير، محبّة لا حدود لها".
"في زمن غالبًا ما يكون فيه الأشخاص بلا وجه، مجهولين، لأنّه ليس هناك مَن يثبِّتون عليه أنظارهم، فإنّ شعر القدّيس يوحنّا بولس الثّاني يذكِّرنا بأنّنا نوجد حين نكون في علاقة". ونوّه الكاردينال بارولين في هذا السّياق بأنّ البابا فرنسيس يحبّ التّذكير بهذا الأمر إنطلاقًا من دعوة متّى: "ومَضى يسوعُ فَرأَى في طَريقِه رَجُلاً جالِساً في بَيتِ الجِبايَةِ يُقالُ لَه مَتَّى، فقالَ لَه: اتِبَعْني! فقامَ فَتَبِعَه". وقد تحدّث فرنسيس عن فعل يسوع هذا في عظته مترئّسًا القدّاس في أولغوين في كوبا في 21 أيلول/سبتمبر 2015 خلال زيارته الرّسوليّة إلى هذا البلد، حين قال: "كم كانت كبيرة قوّة المحبّة في نظرة يسوع كي تؤثّر في متّى كما فعلت! كم من القوّة كانت تملك تلك العينان كي تجعله يقوم! .. يسوع توقّف ولم يمرّ بعجل، نظر إليه على مهل، نظر إليه بهدوء. نظر إليه بعيون ملؤها الرّحمة؛ نظر إليه كما لم ينظر إليه أحد من قَبْل. وهذه النّظرة فتحت قلبه، جعلته حرًّا، وشَفَتْه، وأعطته الرّجاء وحياة جديدة". وجاء أيضًا في الرّسالة "هذا هو ما يجعل للمسيحيّ حضورًا مختلفًا في العالم، وذلك لأنّه يحمل إعلانًا يتعطّش إليه بشكل كبير رجال ونساء زمننا، وهو أنّ بيننا هناك مَن هو رجاء الحياة. إنّنا سنتميّز بالأصالة إن أصبح وجهنا مرآة لوجه المسيح القائم، وهو أمر يكون ممكنًا حين نكبر في الوعي الّذي دعا إليه يسوع تلاميذه عندما "رَجَعَ التَّلامِذَةُ الإثنانِ والسَّبعونَ وقالوا فَرِحين: يا ربّ، حتَّى الشَّياطينُ تَخضَعُ لَنا بِاسمِكَ. فقالَ لَهم: ... بلِ افرَحوا بِأَنَّ أَسماءَكُم مَكْتوبَةٌ في السَّموات" (لو 10، 20-21). هذه هي أعجوبة الأعاجيب ومصدر الفرح العميق الّذي لا يمكن لشيء أو لأحد أن يسلبنا إيّاه، أسماؤنا المكتوبة في السّموات، لا بفضل استحقاق لنا بل كعطيّة تلَقّاها كلّ واحد منّا بالمعموديّة، عطيّة نحن مدعوّون لتقاسمها مع الجميع بدون استثناء، وهذا هو معنى أن نكون تلاميذ مرسلين".

وفي ختام هذه الرّسالة، دعا البابا فرنسيس أن "يكون هذا اللّقاء دائمًا مكانًا مضيافًا يمكن فيه للأشخاص أن يثبِّتوا أنظارهم مختبرين هويّتهم، فهذا هو الأسلوب الأجمل للاحتفال بالدّورة الأربعين للّقاء، ناظرين إلى الأمام بدون حنين إلى الماضي أو خوف يدعمنا حضور يسوع ومنغمسين في جسده الّذي هو الكنيسة". وبيّن أيضًا فرنسيس "الرّجاء في أن تكون هذه العقود الأربعة من التزام متواظب وعمل رسوليّ تحفيزًا لطاقات جديدة للشّهادة للإيمان المنفتح على الآفاق الكبيرة للاحتياجات المعاصرة". وطلب البابا فرنسيس حماية العذراء مريم ومنحه البركة الرّسوليّة للأسقف ولجماعة اللّقاء بأسرها.