متفرّقات
22 كانون الأول 2021, 06:18

غوتيريش: رغم التوترات التي يتعرّض لها "لا يزال دفء الشعب اللبناني وكرمه طاغيين ومتألقين"

الأمم المتّحدة
"يؤسفني أن أرى شعب هذا البلد الجميل يعاني بشدة"، قال الأمين العام أنطونيو غوتيريش في ختام زيارة رسمية إلى لبنان استمرت ثلاثة أيام.

جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده مساء الثلاثاء في الساعة السادسة بالتوقيت المحلي، مشيرًا خلاله إلى أن الشعب اللبناني يواجه تحديات هائلة.

ولكن رغم التوترات التي يتعرض لها، قال الأمين العام "لا يزال دفء الشعب اللبناني وكرمه طاغيين ومتألقين."

ولا تزال المنطقة والعالم شاكريْن لكرم لبنان في منحه الملاذ للفارين من الصراع العنيف في الخارج، بحسب السيد غوتيريش الذي أثنى على روح لبنان في التعايش والتسامح.

لا تزال المنطقة والعالم شاكريْن لكرم لبنان في منحه الملاذ للفارين من الصراع العنيف في الخارج

ومرة أخرى، شدّد الأمين العام على أهمية المساءلة تجاه ما حصل في مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020.

ومشيرًا إلى زيارته للمرفأ يوم الاثنين، أعرب عن تعاطفه العميق مع ضحايا الانفجار المدمّر الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص – من آباء وبنات وأبناء وأصدقاء وزملاء من أكثر من اثنتي عشرة دولة.

"الأمم المتحدة تشاطركم آلامكم" قال الأمين العام على أرواح هؤلاء الضحايا مشيرًا إلى أنّ طفلين من أبناء موظفي الأمم المتحدة كانا من بين الضحايا الأصغر سنًّا.

وشدّد على أنّ "اللبنانيين وأهالي الضحايا يستحقون إجابات، فلا يمكن تحقيق العدالة إلا من خلال تحقيق نزيه وشامل وشفاف"، قائلًا إنّ الناس يتوقعون من قادتهم السياسيين أن يستمعوا إلى احتياجاتهم وأن يعملوا على تحسين الاقتصاد، بما في ذلك من خلال حكومة ومؤسسات دولة فاعلة، وعبر مكافحة الفساد بشكلٍ فعال.

 

الخط الأزرق

وكان الأمين العام قد زار مدينة طرابلس في شمال لبنان. كما زار مدينة صور في الجنوب، مشيرًا إلى تأثره الشديد لدى استماعه إلى الشهادات المباشرة حول تداعيات هذه الأزمة على حياة الناس اليومية.

وفي جنوب لبنان أيضًا، زار الأمين العام الخط الأزرق الذي يمتد من رأس الناقورة على البحر الأبيض المتوسط عبر النقطة الثلاثية السورية-اللبنانية-الإسرائيلية على نهر الحاصباني حتى جبل هرمون أو جبل الشيخ.

يشار إلى أنّ حوالي 50 في المائة من الخط الأزرق البالغ طوله 120 كلم متنازع عليه.

وقد استمع إلى إحاطة من رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام، اللواء ستيفانو ديل كول، حول التحديات والفرص على طول هذ الخط والاجتماعات الثلاثية التي تعقد بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي تحت رعاية اليونيفيل.

 

دور النساء والشباب في بعثات السلام

وفي مقر اليونيفيل التقى السيد غوتيريش بحفظة سلام شباب وشابات يعملون تحت لواء اليونيفيل وأعرب عن سعادته لرؤية نسبة جيدة من النساء بين حفظة السلام، وقال إن أحد أهدافه هو التأكد من أن تبلغ الأمم المتحدة في لحظة معينة تكافؤًا تامًّا في الوظائف بين الرجال والنساء.

وفي دردشة مع الشابات المنتسبات إلى اليونيفيل سأل السيد غوتيريش الضابطة كوموثا فيجايان من الكتيبة الماليزية، عن تجربتها في البعثة الأممية في لبنان وتعاملها مع سكان جنوب لبنان. فقالت إنها شاركت ببعض البرامج التدريبية حول كيفية الانخراط مع السكان المحليين، مشيرة إلى أنهم يعاملونها بشكل جيد ويتقبلون عملها داخل البعثة. وردًّا على سؤاله إن كانت تشعر بأنّهم يثقون بها أكثر لكونها امرأة، فردّت قائلة "بالفعل".

وفي هذا السياق، أعرب الأمين العام عن اعتقاده العميق بأن "النساء يقدّمن مساهمة مهمّة للغاية لقواتنا. عندما يتعيّن عليهن التعامل مع المجتمعات على سبيل المثال، عادة ما يكون من الأسهل للمرأة أن تحصل على ثقة المجتمع بسرعة أكثر من الرجل خاصة خلال تعاملها مع السيدات والأطفال."

أما آية فرحات، وهي مساعدة لغوية ميدانية، وأصغر موظفة مدنية في اليونيفيل، فقد انضمت إلى البعثة في عام 2019. وفي دردشتها مع الأمين العام، شرحت ماهية وظيفتها، قائلة إن عملها ينطوي على مساعدة قوات اليونيفيل على التواصل مع الجيش اللبناني والمجتمع المحلي.

"أعتقد أن التواصل مهم للغاية، وحقيقة أننا نوصّل الرسالة أمر بالغ الأهمية. وهو جزء مهم جدًّا من عمليات حفظ السلام لتكون قادرًا على ربط الأفكار والاتفاق على شيء ما في نهاية المطاف."

وسألها الأمين عما تلاحظه عن أحوال القرويين لدى تجولها مع جنود البعثة، فقالت إن الوضع لا يبعث السرور في النفس، خاصة بعد جائحة كوفيد التي ألقت بثقلها على معظم سكان العالم، هذا بالإضافة إلى ما يشهده لبنان من أزمات متعددة، الأمر الذي زاد الطين بلة...

 

السلطة تخاف من الفن

ويتمتع لبنان بمجتمع مدني نابض بالحياة ومتنوع، في ظل وجود أكثر من 10,000 منظمة مسجلة في وزارة الداخلية والبلديات، تعمل على مجموعة واسعة من القضايا، في مختلف المجالات الإنسانية والتنموية. وقد مرّ القطاع بمراحل عدة. وكانت الأحداث الأخيرة (الأزمة السورية، انفجار مرفأ بيروت، الأزمة الاجتماعية والاقتصادية منذ عام 2019) إيذانا ببداية مرحلة جديدة في تطور المجتمع المدني اللبناني.

وفي اليوم الأخير من زيارته إلى لبنان، التقى الأمين العام بثلة من نشطاء المجتمع المدني والمنتمين إلى منظمات إنسانية، بمن فيهم السيد قاسم اسطنبولي، رئيس جمعية صور للفنون.

ودعا السيد اسطنبولي إلى دعم القطاع الثقافي وتنميته لإحداث تغيير اجتماعي، لأن ذلك ما يؤدي بالفعل إلى إحداث تغيير سياسي. قاسم اسطنبولي قال إن أحلام تلاميذه اليوم تقتصر على السفر إلى خارج لبنان. وتحدث عن الحاجة إلى تطوير مناهج التعليم في لبنان، بما في ذلك الفنون.

وقال إن "السلطة الفاسدة في لبنان التي تسرق منذ ثلاثين سنة كل ثروات البلد، تخاف من الفن، لأنه ما يجمع الناس"، مشيرًا إلى أهمية إحداث ثورة ثقافية تواجه الفساد وتصنع تغييرًا.

"نحن محكومون بالأمل، ومتمسّكون بالحبّ"، أكّد قاسم رغم ألمه، "ولا شيء يستطيع أن يجمعنا سوى الفنون والرياضة، هذه اللغة الإنسانية التي نحن بحاجة إلى إحيائها."

 

أجندة الأمم المتحدة الوحيدة في لبنان هي دعم شعبه

وطالب قاسم المؤسسات الدولية بما فيها الأمم المتحدة بدعم الفنون لصنع توازن ثقافي في لبنان.

وقدّم الناشط قاسم اسطنبولي إلى السيد غوتيريش ملصقًا قديمًا لفيلم مصري من الستينات عرضته دار سينما كانت رائجة في طرابلس، وهي أقدم سينما في لبنان، مشيرًا إلى أنّ هذه السينما تستخدم حاليًّا للاقتتال الداخلي في لبنان.

وقال اسطنبولي إن هذا الملصق عزيز جدًّا على قلبه لأنه من الذاكرة- ذاكرة الفنون والإرث الثقافي الذي نحاول حمايته في لبنان.

وفي نهاية الاجتماع أعرب الأمين العام عن إعجابه الكبير بجميع من تحدّث في هذه الجلسة، قائلًا إن شهادتهم تعطي صورة جليّة عن معاناة اللبنانيين، بما في ذلك أمثلة طُرحت اليوم عن تسرب الأطفال من المدارس وتوقهم لترك وطنهم وحيرة الأهل فيما يجب فعله لحماية أطفالهم في ظل الوضع الراهن، وأيضًا عدم التزام السلطة في العناية بشعبها ورفاهه.

وأكّد السيد غوتيريش أنه ليس للأمم المتحدة أي أجندة سياسية في لبنان، "فأجندتنا الوحيدة هي دعم الشعب اللبناني".

وأشار إلى أنه في سياق رسم مسار تحقيق التعافي المستدام، يضطلع المجتمع المدني والنساء والشباب بدورٍ محوري. "يجب أن تُسمَع أصواتهم وأن تُؤخذ مقترحاتهم بعين الاعتبار وبجدية."

وفي هذا الصدد قال إن عقد انتخابات برلمانية حرة ونزيهة، وفي موعدها عام 2022، سيشكل فرصة أساسية للناس لإسماع أصواتهم.