عيدٌ، خلفيَّته... خلاف
ويعود هذا العيد الجامع لأوائل القرن الحادي عشر، حيث نشب خلافٌ بين المفكِّرين والكبار من أتباع هؤلاء العظماء الثَّلاثة، حول أسبقيَّتهم ومن هو الأبرز بينهم من حيث الرّوحانيَّة أو الخطابة أو أسلوب التَّعاطي مع النَّاس.
فالفريق الأوَّل دعم القدّيس باسيليوس مُثنيًا على طلاقته في إيصال الكلمة وعمله الدّؤوب ومسيرته الّتي شابهت الملائكة. كما أثنى على قيادته وتنظيمه للحياة الرّهبانيَّة وتفسيراته وكتاباته وصراعاته ضدَّ الهراطقة وعلى عدم تساهله مع الخطأة، في حين رأى أنَّ الذَّهبيّ الفمّ أكثر ليونةً وتسامحًا.
فواجهه الفريق الثَّاني الّذي كان مؤيّدًا للذَّهبيّ الفمّ، بفيض المحبَّة الّتي تمتَّع بها القدّيس، الأمر الّذي كان يسمح له بتفهُّم ضعف الطَّبيعة البشريّة. إضافةً إلى قدرته على شرح الكلمة الإلهيّة وكيفيَّة عيشها يوميًّا. ناهيك عن عظاته الّتي فاضت على النّاس عبقًا روحيًّا.
أمّا الفريق الثّالث، فقد ألقى الضَّوء على فصاحة القدّيس غريغوريوس الّذي كان متمكِّنًا من ثقافة اليونانيِّين ومكتسبًا لحكمتهم وبلاغتهم. إضافةً إلى بلوغه مراتب عالية في التَّأمُّل بخاصَّةً فيما يخصُّ عقيدة الثّالوث القدّوس.
وعلى الرَّغم من أنَّ الحسنات تكاد تكون نفسها عند القدّيسين الثّلاثة، إلّا أنَّ التَّشاذب ما لبث أن انتقل لمستوى الشَّعب، فبرز فيما بينهم شكلٌ من أشكال الأحزاب، الّتي بدورها أنتجت اضطراباتٍ داخل الكنيسة الواحدة، فأصبح واحدٌ باسيليّ وآخر غريغوريّ، إلخ...
وعلى إثر ذلك، ظهر القدّيسون الثَّلاثة في رؤيا لمتروبوليت أوخاييطا الأسقف يوحنّا موروبوس، مؤكّدين له أنَّ مكانتهم واحدة عند الله، ثم انصرفوا إلى السَّماء وهم محاطون بنورٍ لا يوصف.
ومن أبرز ما قالوه له:"نحن متساوون أمام الله كما ترى. لا انقسام بيننا ولا تعارض. كلٌّ منّا تعلّم، في زمانه، من الرّوح القدس، ثم كتب وتكلّم بما يوافق خلاص النّاس. ما تعلّمناه سرًّا أفضينا به للنّاس جهرًا. ليس أوّلٌ ولا ثانٍ بيننا. فلو جئت إلى ذكر أيّ منّا فإنّ الآخرين يتّفقان معه. لذلك مُرِ المستغرقين في الجدل بشأننا أن يضعوا حدًّا للخلاف فيما بينهم، فإنَّنا كما كنّا في الحياة نبقى بعد الرُّقاد مهتمّين بإحقاق السَّلام والإتِّفاق في كلِّ أطراف المسكونة. لهذا السَّبب اجعل التَّعييد لنا في يومٍ واحدٍ... وعلِّم النّاس أنَّ لنا مكانةً واحدةً عند الله".
وللحال جمع الأسقف المتخاصمين وحلَّ الخلاف بينهم معلنًا يوم 30 كانون الثَّاني/ يناير من كلِّ عامٍ عيدًا جامعًا للقدّيسين الثَّلاثة.