عوده: نحن مدعوّون أن نبقى على الإيمان والرّجاء والمحبّة فتكون لنا حياة في الرّبّ لا تفنى
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى عوده عظة جاء فيها: "أحبّائي، نقرأ عن الأحد الأوّل بعد القيامة، الّذي نقيم فيه تذكارًا للرّسول توما: "... إنّ المسيح في عشيّة اليوم الّذي قام فيه وظهر للتّلاميذ، كان توما غائبًا، ولم يكن مجتمعًا مع البقيّة، لأجل خوف اليهود. فلمّا حضر عند التّلاميذ بعد قليل وعرفوه بحضور المسيح بينهم وقيامته، فليس أنّه ما صدّق التّلاميذ فقط بأنّهم أبصروه ناهضًا، بل ولا صدّق بالجملة أنّ المسيح قام. وتوما هذا كان أحد الإثني عشر. أمّا الإله الحسن التّدبير فاعتنى بهذا التّلميذ وأشفق عليه. وأيضًا دبّر تدبيرًا أعظم لتحقيق قيامته عند الواردين بعد ذلك بأوفر تصديق. فتركه ثمانية أيّام، لكي يضطرم شوقه للغاية ولكي، بتشكيكه، يمنح الكلّ إيمانًا بالغًا في الاستقصاء ويثبّت صدق القيامة..".
يا أحبّة، الإنسان بطبعه شكّاك، لكنّ الشّكّ الّذي يسعى إلى العلم اليقين مبارك، وفيه يجدّد الإنسان إيمانه مع توما، وقد أصبح كلّ شيء جديدًا بقيامة الرّبّ.
خاف التّلاميذ عندما شاهدوا سيّدهم معلّقًا على الصّليب ومضجعًا في قبر، فانزووا في العلّيّة خوفًا من اليهود. إلّا أنّ النّاهض من بين الأموات، كما دحرج الحجر عن باب القبر، هكذا دحرج حجر الخوف عن قلوب تلاميذه، فدخل عليهم والأبواب مغلقة. لا قبر، ولا حجر، ولا أبواب تستطيع أن تمنع لقاء الحبيب بالمحبوب. توما لم يكن حاضرًا، وعندما جاء أراد دليلًا حسّيًّا على قيامة السّيّد، أيّ طالب ببراهين تثبت ذلك، فما كان من الرّبّ إلّا أن عاد وظهر للتّلاميذ ولتوما مجدّدًا، مبدّدًا شكوكهم ومخاوفهم.
هناك شيء من توما في كلّ واحد منّا. نشكّك في كلّ عمل وقول، وفي كلّ أخ لنا. الشّكّ سلاح الشّيطان في عصرنا، به يدمّر أنفسنا وعلاقاتنا وعائلاتنا. يكاد الإنسان يشكّ في نفسه، والأخ بأخيه، والرّجل بزوجته، والزّوجة برجلها. بالشّكّ كسر الشّيطان أربطة المحبّة والأخوّة، فعمّ الفساد بكلّ أشكاله أرجاء العالم. زرع أفكارًا غريبةً وابتدع آلهةً مائتةً جديدةً، نشر محبّةً زائفةً وفرحًا مشوّهًا، فبتنا نخاف ونتقوقع، نضبط الحجر على قبر قلوبنا، ونوصد الأبواب بإحكام، منغلقين في إنساننا العتيق وكأنّنا نخشى التّحرّر والمصالحة. لكن، كما دخل واهب الحياة على التّلاميذ والأبواب مغلقة، هكذا يدخل بنور قيامته قلوبنا طاردًا القلق والحزن والخوف. يدخل ليقتلع الكراهيّة والأنانيّة وكلّ تسلّط، وليزرع المحبّة. يدخل إلى أعماق الإنسان القديم المائت فيجعله إنسانًا جديدًا قياميًّا.
"هات إصبعك إلى ههنا وعاين يديّ، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا" قال يسوع لتوما فأجاب توما "ربّي وإلهي". إيمان توما يحثّنا أن نجدّد إيماننا بقيامة المسيح لأنّ القيامة هي ركيزة إيماننا وخلاصنا. لذا، مع توما، تتوجّه الكنيسة إلى كلّ واحد منّا قائلةً: "إرجعوا إلى قلوبكم وآمنوا بالله، لأنّ الإيمان ينبع من القلب الّذي بواسطته نعرف ونحبّ فنؤمن ونسلّم حياتنا لله ومشيئته". لقد أحبّنا الربّ الإله حتّى إنّه بذل نفسه من أجلنا على الصّليب. ألا يستحقّ منّا أن نسلّم ذواتنا لمحبّته، فنحيا به وفيه حياةً قياميّةً جديدةً؟ لقد ميّزنا الله عن تلاميذه لأنّنا لم نره وآمنّا به فكان لنا الطّوبى، نحن الّذين نحيا كلّ أيّامنا على الرّجاء، بالمحبّة والأمانة له. بموته وبقيامته خلّصنا المسيح من سلطة الموت ودعانا إلى السّلوك في الطّريق الّذي رسمه لنا، المبنيّ على المحبّة والتّواضع والتّضحية. هذا الطّريق ليس سهلًا ولا مقبولاً من الجميع "لأنّ كلّ من يعمل السّيّئات يبغض النّور ولا يأتي إلى النّور لئلّا توّبّخ أعماله. وأمّا من يفعل الحقّ فيقبل إلى النّور لكي تظهر أعماله أنّها بالله معمولة" (يو 3: 20-21). لذا نحن مدعوّون أن نبقى على الإيمان والرّجاء والمحبّة فتكون لنا الحياة باسمه، حياة لا كحياة العالم الفاني، بل حياة في الرّبّ لا تفنى، آمين."