لبنان
07 تشرين الثاني 2022, 06:55

عوده للنّوّاب: إتّقوا الله واسمعوا صوت الضّمير واجتمعوا حول فكرة إنقاذ البلد

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران الياس عوده خدمة القداس الإلهيّ، صباح الأحد، في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس.

بعد قراءة الإنجيل المقدّس، ألقى عوده عظة قال فيها: "أحبّائي، إنجيل اليوم يخبرنا عن حادثتين: الأولى عن امرأة نازفة للدّمّ، والثّانية عن ابنة رئيس للمجمع. في كلّ منهما تظهر الثّقة المطلقة بالرّبّ يسوع، هذه الثّقة النّابعة من إيمان عميق به وبقدرته على كلّ شيء. فرئيس المجمع خرّ عند قدمي يسوع طالبًا إليه شفاء ابنته الوحيدة المشرفة على الموت. ولمّا أعلمه أحد رجاله أنّ ابنته قد ماتت قال له يسوع: "آمن فقط فتبرأ هي". ولأنّ إيمانه كان كبيرًا أقام الرّبّ ابنته من الموت.

أمّا المرأة الّتي بها نزف دم فقد أنفقت معيشتها على الأطبّاء كما يخبرنا الإنجيل، فقد أدركت عجز الطّبّ والأطبّاء، وأنّ لا شفاء لها إلّا بالمسيح. يذكر الإنجيليّ مرقس أنّ النّازفة الدّمّ قالت في داخلها، وهي تقترب من المسيح: "إن مسست ولو ثيابه شفيت" (مر 5: 28). هذا الكلام يدلّ على إيمان المرأة الكبير، وهي لم تتوسّل الكلمات لتعلن إيمانها بل تصرّفت بالإيمان. جاهدت لتصل إليه من بين الجموع المحتشدة حوله، واثقةً أنّ منه وحده الشّفاء. يقول الإنجيليّ: "جاءت من ورائه ولمست هدب ثوبه، وفي الحال توقّف نزيف دمها" (لو 8: 44).

يقول الرّبّ في إنجيل متّى: "لو كان لكم إيمان مثل حبّة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم" (17: 20). إنّ الإيمان العظيم الّذي تحلّت به المرأة النّازفة الدّمّ هو الّذي أهّلها للشّفاء.  

عندما لمست يسوع قال: "من لمسني؟". إزاء حيرة التّلاميذ الّذين أعربوا عن استغرابهم من هذا السّؤال، لأنّ الجموع كانت تحيط به وتزحمه، عاد المسيح ليقول بإلحاح: "قد لمسني أحدهم". لم يقل إنّ كثيرين لمسوه، بل شخص واحد. السّبب، كما يتّضح فيما بعد، هو أنّ شخصًا اجتذب قوّته وقدرته، لذلك قال الرّبّ: "لأنّي علمت أنّ قوّةً قد خرجت منّي" (لو 8: 46). وقد أراد أن يظهر لتلاميذه أنّ الشّخص الّذي لمسه كان مستحقًّا لتقبّل نعمته، بسبب إيمانه.

قول المسيح لا يعني أنّه شعر بنقص في قوّته. المسيح، كإله، لا يخضع لمفهوم الكمّيّة لأنّه ينبوع قوًى لا يفرغ ولا ينضب، لا ينقص ولا يزيد، لأنّ ما من شيء فوق الله، الّذي هو الكمال، أمّا الزّيادة والنّقصان فهما من صفات المخلوقات العابرة. إذًا، ما قصده المسيح بقوله "إنّ قوّةً قد خرجت منّي"، أنّ قوّته الضّابطة كلّ الخليقة قد انتقلت إلى إنسان آخر. في الوقت نفسه، أراد أن يكشف إيمان المرأة، الّتي خرّت أمامه مرتعدةً لأنّها كشفت، فقال لها: "ثقي يا ابنة، إيمانك أبرأك".  

يا أحبّة، سلطة رئيس المجمع وقوّته لم تستطيعا شفاء ابنته، وأموال المرأة الّتي أنفقتها على الأطبّاء كما يذكر الإنجيليّ لم تشفها. المركز الاجتماعيّ والمال والسّلطة والعلم... كلّها غير قادرة وعاجزة. وحده الرّبّ خالقنا هو الكامل، ووحده القادر على شفائنا من أمراضنا، وانتشالنا من الضّيقات. يلزمنا شيء واحد فقط، أن نؤمن به، وأن نثق بقدرته على خلاص نفوسنا وشفاء أجسادنا وقيامتها من بين الأموات، وأن نخرّ أمامه كما فعلت المرأة النّازفة الدّمّ، ونعلن توبتنا طالبين معونته، فيحتضننا بمحبّته ويحيطنا برحمته، وتكون لنا الحياة، ويكون الشّفاء. الرّبّ ملجأنا الأمين في كلّ حين وليس عند الحاجة فقط. إذًا المسيح قيامتنا. فإن متنا في الإيمان الّذي في المسيح، سنقوم معه، ولا يبقى للموت وجود.

يا أحبّة، كثيرون من الزّعماء والمسؤولين قد يكونون من المسيحيّين، إلّا أنّ كلامهم وخطاباتهم لا تشفي، ولا تطرد اليأس، بل قد تزيده، وأعمالهم لا تتّصف بالتّجرّد والنّزاهة والنّبل والجرأة في قول الحقّ ورفض كلّ ما لا يرضى عنه الضّمير. الكنيسة، جسد المسيح، هي الّتي تنقل إلينا كلام الرّبّ الشّافي من الكتاب المقدّس والآباء. كيف لزعماء يدّعون المسيحيّة ويساهمون في إذلال شعب الله لأنّهم لا يعرفون الله ولا وصاياه؟ يتكلّمون ولا يفعلون. هل المسيحيّة وعود فارغة؟ لذلك ندعو النّوّاب، خصوصًا المسيحيّين منهم، أن يتّقوا الله ويسمعوا صوت الضّمير، وأن يجتمعوا حول فكرة إنقاذ البلد، وأن يكونوا يدًا واحدةً تمسك بيد الشّعب لتنتشله من الهاوية. ليسمعوا أنين الشّعب ويتذكّروا أنّه انتخبهم لتمثيله، والدّفاع عن مصالحه، والقيام بكلّ ما يستدعيه واجب التّمثيل من تشريع، ومن مراقبة ومحاسبة، ومن حفاظ على الحياة الدّيموقراطيّة. فليجتمعوا ويختاروا رئيسًا قادرًا على إطلاق ورشة الإصلاح، رئيسًا لا يريد شيئًا لنفسه ويعتبر الكرسيّ مقعدًا مؤقّتًا يغادره عند انتهاء المهمّة، والرّئاسة وظيفةً يتمّمها بنزاهة وصدق ومخافة الله. ثمّ تشكّل حكومة وتطلق ورشة العمل الجادّ في سبيل انتشال لبنان من ركامه، وإعادة الكرامة المسلوبة إلى هذا البلد وأبنائه.

دعوتنا اليوم أن نؤمن بالمسيح ليس بالأقوال بل بالسّلوك والحياة والأفعال، فنحترم أخانا الإنسان ونحفظ حرّيّته وكرامته ونقبل رأيه مهما كان مغايرًا لرأينا، ولا نتصرّف بعنف تجاه من يختلف عنّا. ربّنا قبل كلّ إنسان حتّى من أخطأ إليه، وصلّى من أجل مبغضيه، فهل يحقّ لنا أن نعيّر الآخر بآرائه ونرفض حرّيّته ونكمّ صوته؟ ليكن إيماننا بالقول والفعل، جاذبًا لنعمة الله، حتّى تعمل في كياننا وفي حياتنا وتشعّ من خلالنا إلى الآخرين، فتعمّ البركة والمحبّة عالمنا المظلم، آمين".