لبنان
25 كانون الأول 2016, 14:20

عودة في قدّاس الميلاد: لخطاب سياسي يبني شعباً متماسكاً لا شعوباً طائفية متفرقة

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة خدمة قداس الميلاد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في وسط بيروت.

بعد قراءة الإنجيل المقدس، ألقى عودة عظةً جاء فيها:"المسيح ولد فمجّدوه، نحن نعيد اليوم لذكرى ميلاد ربنا وإلهنا يسوع المسيح الإله من الإله كما نقول في دستور الإيمان ابن الله المولود وغير المخلوق المساوي للآب في الجوهر الذي أخلى ذاته آخذاً صورة عبد وولد من العذراء الطاهرة تعبيراً عن محبته العظمى ليخلص الإنسان".

أضاف: "الله محبة، وولادته في الجسد هي تعبير خالص عن محبته للانسان، أمّا موته على الصليب فداءً لنا وقيامته في اليوم الثالث فالتعبير الأقصى للمحبة. إذ كما قال الإنجيلي يوحنا "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (15 13).
فهم تدبير الله الخلاصي يفوق عقل الإنسان. المسيح ولد لكي يموت عنا. الإله تجسد لكي يفتدي البشر، الخليقة العاقة التي عصت أوامر الله فنزل من علياء مجده ليخلصها. هذه المحبة قد أوصانا بها ربنا يسوع المسيح عندما قال لمن سأله عن أعظم الوصايا "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك" (لوقا 10 27)".

وسأل:"أين نحن من هذه المحبة وأين نحن من وصية الرسول بولس الذي كتب "المحبة فلتكن بلا رياء، كونوا كارهين الشر ملتصقين بالخير" (رو 12 9). مؤسف أنّ الشّر يعمّ العالم في أيامنا وأنّ الخير نادر. الحروب تعم منطقتنا والتطرف يأتي على ما تبقى من حضارة فيها، الجوع ما زال منتشراً والعالم ما زال مقسّماً بين غني يتنعم وفقير يتألم، البيئة تنتهك يوميا والبلدان لا تقدر عواقب ذلك. أمّا إذلال الإنسان وانتهاك كرامته واستباحة حياته فسلوك لا تنجو منه بلاد غنية أو فقيرة كبيرة أو صغيرة وإن بنسب متفاوتة"، مضيفاً "لم الإنسان عدو لأخيه الإنسان منذ قايين وهابيل؟ أليس لأنّه لا يعرف المحبة بل يضع أناه ومصلحته في مقدمة اهتماماته ويستسلم لغرائزه مدفوعاً بحبّ المال والسلطة عوض الإصغاء إلى صوت ضميره وفتح قلبه لخالقه والطاعة لوصاياه".

وتابع عودة:"ليت الإنسان يدرك أنّ العمر قصير وأنّ الموت آت لا محالة وأنّ ما تبقى من العمر لا يكفي للتوبة وتنقية النفس من أجل أن نكون من الخراف الذين يدعوهم الرب قائلاً "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم". يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية "قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان" (3 24). القانون ضروري للتربية والتأديب وتهذيب النفس والسلوك وكبح جماح الفوضى. نفس الإنسان أمارة بالسوء لذلك ومن أجل وضع الأمور في نصابها والحد من التعدي والتطاول وسوء التصرف وضعت القوانين. الناموس أو القانون يصوب سلوك الإنسان. في البلدان الراقية الجميع تحت القانون حتى الحكام، والخضوع للقوانين ليس عيباً ولا ضعفاً، بل هو فضيلة، عندما يعتاد الإنسان على حفظ القوانين والأنظمة يأتي دور المحبة، الناموس لا يمنح حياة أما نعمة المسيح فهي عطية الحياة "لأنّ خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم" (يو 6 33).

وقال: "هذا يسوقنا إلى الحديث عما يجري عندنا، فقد استبيحت القوانين والأنظمة، حتى الدستور ما عاد الرادع أو الضابط للخروقات لذلك عمت الفوضى والفساد ولم يعد حد للانفلاش الذي شهدنا نتائجه على كافة الصعد خلال فترة الفراغ في سدة الرئاسة، وما يسمّى نظام ديمقراطي يكاد لا يبقى منه شيء".

واردف: "لذا أملنا كبير في سيد هذا العهد أن يكون حامي الدستور والساهر على تطبيقه من أجل انتظام عمل المؤسسات، إنّ نظامنا قائم على "مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها"، لا تدخل الواحدة بالأخرى وتداخلها فعسى تحترم السلطات بعضها بعضاً وتقوم كل سلطة بعملها دون التدخل في عمل غيرها وذلك بحسب ما جاء في دستورنا. أمّا تطبيق القوانين من قبل المواطنين بدءاً بقانون السير وصولاً إلى احترام كرامة الآخرين وصون حريتهم واحترام التنوع في المجتمع وفي الجامعات فأملنا كبير أن يعمل المسؤولون على تربية المواطنين على ذلك".

وقال: "لقد كان فرح اللبنانيين كبيراً بولادة الحكومة بعد طول مخاض، ونحن نصلي من أجل أن يوفقها الله في تأدية مهامها على أحسن وجه من أجل خدمة هذا الشعب الذي يعاني، الوضع صعب والمطلوب إنقاذ هذا البلد الذي هو وطننا جميعاً وانخراط الجميع في ورشة إعادة بناء الدولة والمؤسسات، أكانوا داخل مجلس الوزراء أو خارجه واستدراك ما ضاع من وقت وفرص وإعادة لبنان إلى خريطة الدول المتطورة، المطلوب تنافس سياسي شريف لا عدائية وانتقام واعتماد خطاب سياسي يبني شعباً لبنانياً واحداً، متماسكاً ينتمي إلى الوطن لا شعوباً طائفيّة متفرّقة، المطلوب إصلاح إقتصادي مع تطوير القطاعات الإنتاجية وحماية الإنتاج المحلي ووضع خطط استراتيجية للبنان الغد في كل المجالات: البيئة، الصحة، التعليم، الصناعة، الزراعة، الكهرباء، الماء، النفايات والنفط، المطلوب وضع حد للهدر والفساد واستغلال المؤسسات العامة وإيجاد فرص عمل للبنانيين لكي لا يصيبهم اليأس ويهجروا هذا البلد، لبنان بحاجة إلى أبنائه، وخاصّة الشباب والشابات في مقتبل العمر الذين يحصلون على الشهادات هنا ويستثمرونها في الخارج، المطلوب إصلاح الإدارة والقضاء على كافة أنواع الفساد فيها وفخامة الرئيس رافع شعار الإصلاح والتغيير خير من يستطيع القيام بذلك مع رئيس مجلس الوزراء والوزراء الذين على عاتقهم تقع مسؤولية ذلك، وما يبشّر خيراً استحداث وزارات تحمل عناوين تبث الأمل في نفوس المواطنين وتعيد إليهم الثقة بدولتهم".

وشدّد على "أنّ الدولة الناجحة ترتكز على إدارة ناجحة وعناصر كفوءة، كما ترتكز على مبدأ المحاسبة والثواب والعقاب، لذا أملنا أن تفعل أجهزة الرقابة لكي لا يعود أحد يستهين بوظيفته أو يسخرها لمصالحه، كما نأمل أن ينظر إلى المرأة على أنها مواطنة كاملة الحقوق والواجبات، ما يعني أنّ عليها أن تتحمّل المسؤوليّة إلى جانب الرجل لا وراءه في الوظائف العامة وفي النيابة والوزارة، حان الوقت لكي نرى في مجلسنا النيابي عشرات النائبات فنتساوى بذلك ليس فقط مع البلدان الأوروبية بل مع بعض البلدان العربية التي سبقتنا، كما نأمل أن تعطى النساء عدّة حقائب ولم لا نصف الحقائب في مجلس الوزراء هل تعجز من تربي الأجيال وتمنطقها بالقيم والأخلاق والعلم عن القيام بمهام وزيرة أم أنّنا نفتقر إلى نساء كفوءات متعلّمات وذوات خبرة، دعاؤنا في هذا اليوم المبارك أن يحفظ الرب الإله حكامنا ويلهمهم القيام بكل عمل صالح ويعضدهم في ورشة البناء والإصلاح ومكافحة الفساد، كما نصلّي من أجل أن يعمّ السلام العالم وأن تنمو المحبّة في قلوب الجميع فينتفي البغض والحقد والتعصب والقتل والتدمير والتهجير وتعم العدالة والإستقرار والفرح".

وأضاف:"الميلاد عيد المحبة والفرح والسلام، بميلاد المسيح سقطت الحواجز بين الله والإنسان وصار ابن الله إنساناً ليصير الإنسان إلهاً، ولكن كيف نعيش فرحة الميلاد والعالم غارق في المآسي والحروب ومنطقتنا تغلي والأرواح تزهق فيما نشهد صمتاً مطبقاً من دول العالم التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان تجاه ما يجري حولنا من تعصب أعمى يدفع إلى القتل والتدمير والتهجير فقط لأنّ قيمها تتوقف عند حدود مصالحها".

وختم عودة: "لنصلّ معاً من أجل كل المقهورين والمظلومين والمهجرين والمخطوفين، سائلين الرب الإله المولود في مغارة أن يبلسم قلوب الجميع ويعيد المفقودين إلى ذويهم ويعيد إلينا أخوينا المطرانين بولس ويوحنا سالمين، كما نسأله أن يكون هذا العيد المبارك بداية مشرقة للبناننا الحبيب وللّبنانيين جميعاً. بارككم الله وأعاد عليكم هذه المواسم المقدسة بالصّحة والعافية والسّلام والأمان".