لبنان
24 حزيران 2021, 13:50

عن الشّرق والسّلام والاستقرار المفقود كتب الأمين العامّ لمجلس كنائس الشّرق الأوسط

تيلي لوميار/ نورسات
قبيل أيّام من يوم السّلام للشّرق الأوسط وتكريسه للعائلة المقدّسة، انضمّ مجلس كنائس الشّرق الأوسط إلى مجلس بطاركة الشّرق الكاثوليك للصّلاة يوم الأحد. وللمناسبة كتب الأمين العامّ للمجلس د. ميشال عبس عبر موقع المجلس الرّسميّ، السّطور التّالية:

"دعا مجلس كنائس الشّرق الأوسط المسيحيّين وكافة أهالي هذا الشّرق المعذّب إلى الانضمام إلى الكنائس الكاثوليكيّة لتكريس الشّرق للعائلة المقدّسة، وذلك في قداس يقام يوم الأحد 27 حزيران/يونيو المقبل تحت مسمّى "يوم السّلام للشّرق".

السّلام، الّذي يُعتبر مفتاح الاستقرار والرّقيّ والتّقدّم للشّعوب، أضحى هدفًا بحدّ ذاته لكثرة ما ضحّت به الحضارة الحديثة.

السّلام غاية مرحليّة، تتبعها غايات، والوصول إليه ضروريّ، وبشتّى الوسائل ومهما كلّف ذلك من تضحيات!

كلِّ الوسائل متاحة للوصول إلى السّلام... إلّا الحرب... وغالبًا ما تتوسّل الدّول الحرب للوصول إلى السّلام. عذرٌ أقبحُ من ذنب!

لقد عاشت البشريّة مراحل لا نهاية لها من الحروب، منها ما دام سنوات، منها ما دام عقودًا، ومنها ما دام لقرون.

ولم تتعلّم البشريّة الدّرس وها هي تزجّ نفسها في حروب عند كلّ منعطف من التّاريخ، فيُقتَل من يُقتَل، ويُشرّد من يُشرّد ويَخرَب ما يَخرَب وقد تُباد شعوب وحضارات بأكملها.

الحرب عزيزة على المجتمع الحديث، مجتمع الصّناعة، مجتمع "لولا الكاسورة لم تعمّر فاخورة"، أيّ ندمّر مجتمعك ونحن نعيد البناء ونرسل لك الفواتير، ديون وطنيّة تسترّد سيادة منقوصة وتبعيّة وحتّى عبوديّة.

مجتمع الآلة لا يعيش إلّا على الحرب، لكنّ العبرة في مَن تعلّم الدّرس وأبعد الحرب عن مجتمعه وحوّله إلى مجتمعات غبيّة ومنقسمة على ذاتها، أوكلَها أن تقوم بالحرب بدلًا عنه وأن تشَغِّل مصانع الأسلحة والذّخائر لديه، إضافة إلى مصانع ما قد دُمّر في الحرب، من تجهيزات البنى التّحتيّة وصولًا إلى أثاث المنازل.

الحروب تجري اليوم بالواسطة، بواسطة شعوب لم تستطع بعد أن تنجز عقدها الاجتماعيّ وترسي حياتها على قواعد الحداثة والتّقدّم. وإذا كان المجتمع متصالحًا مع ذاته وبعيدًا عن الحرب، اخترع له صاحب معمل الأسلحة والذّخائر حججًا نوويّة أو كيماويّة لاجتياحه والقضاء على استقراره ومن ثمّ الاعتذار من شعبه ومن مليون أو أكثر من الضّحايا.

نحن في الشّرق، في قلب الشّرق، في المشرق الإنطاكيّ، ما زلنا نعيش الحروب منذ عقود. حروب تنتهي في مكان لتشتعل في آخر. إنها ملحمة القتل المتنقّل.

موقعنا الجغرافيّ يجعلنا مكانًا جذّابًا للحروب. كذلك مواردنا. ولكن الأهمّ من ذلك هو فقداننا لسيادتنا على أرضنا القوميّة. أوطاننا مقطّعة الأوصال، تزدحم فيها المعاقل من كلّ نوع، معاقل يتبيّن لاحقًا أنّها بؤر التهابات سوف تفتك بالجسم بكامله عند ساعة الصّفر.

لكثرة ما تعرّضنا لزعزعة الاستقرار والنّكبات والكوارث، المفتعلة في أكثر الأحيان، تكوّنت لدينا قناعة أنّ فقط رحمة الرّبّ الخالق هي الّتي تنقذنا. كوارثنا ونكباتنا لم نعد قادرين على لجمها أو السّيطرة عليها، لذلك لا بدّ لنا من استدارة نحو الخالق، نحو قوّة ماورائيّة، تتخطّى القدرة البشريّة، لأنّ الحلول من صنع الإنسان قد استُنفدت.

في النّهاية لا نستطيع إلّا أن نردّد مع السّيِّدْ: "لِمَاذَا أَنْتُمْ نِيَامٌ؟ قُومُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ". (لو 22: 46).

لقد دخلنا في التّجربة أيّها السّيِّد، تجربة الانقسام والخيانة والتّبعيّة والتّنابذ والأنانيّة الجامحة، فألهِمنا بروحك القدّوس أن نخرج منها!".