عظة رئيس الاساقفة بيير باتيستا في الأحد الثاني عشر للزمن العادي – السنة أ (متى 10، 26-33)
وهكذا، سيتم، على درجات متفاوتة، احتجاز الأنبياء وازدراؤهم وسجنهم وقتلهم. هذا هو مصير النبي، ومصير الشاهد للحق، ومصير الّذين يقفون وسط الناس بقلب مستقيم، متجهين نحو الربّ.
ولكن كيف يمكن أن يحمل إنسان بسيط، لفترة طويلة، عبء هذه المعاناة؟
يحدثنا المقطع الإنجيلي لهذا الأحد (متى 10، 26-33) عن ذلك.
ويخبرنا أن الشاهد يعيش وسط عدم الفهم والعزلة وفي نفس الوقت يكون متحرّراً من الخوف. وهذا لثلاث أسباب على الأقل.
السبب الأول هو أن الشاهد ليس هو مصدر الشهادة التي يحملها، وإنما هو مجرد خادم لها.
والكلمة التي يعلنها هي الكلمة التي كان أول من سمعها، وقد غيرت حياته، وها هو ينقلها الآن إلى الآخرين. لكنها كلمة لها قوة وحيوية في حد ذاتها، تماماً مثل البذرة.
وكالبذرة، لديها القوة أن تكشف عن نفسها وأن تنمو وتنضج.
والشاهد هو مجرّد خادم يزرع الكلمة في كل مكان. ليست هي كلمته، ولا يستطيع إلاّ أن يشهد على قوتها وحيويتها.
والسبب الثاني هو أنه، إذا كان صحيحًا أن الشاهد ليس هو مصدر الكلمة التي يعلنها، فمن الصحيح أيضًا أنه ليس هناك سيّد يتحكم بحياته، وليس لأحد السلطة المطلقة على حياته. يمكن قتله جسديا (متى 10، 28) لكن لا يستطيع أحد قتل نفسه، أو انتزاع روحه.
والسبب الثالث هو أن حياة الشاهد تخص، عوضاً عن ذلك، شخصاً عظيما يعتني بها ويحفظها، ويعرفها حتى في أدق تفاصيلها (متى 10، 30) ولن يسمح أن تذهب هباءً.
سوف يخبر الشاهد أولا ومن خلال سيرته الذاتية عن الثقة الّتي تربطه بالشخص الذي يعتني به كأب صالح.
سوف تكون شهادته أكثر فاعلية على قدر ما يكون قلبه خالياً من الخوف، وكلما عرف كيف يعيش العلاقة التي تحافظ على حياته، حتى وسط الأحداث المعاكسة، وهي كثيرة.
لهذا المقطع الإنجيلي صلة بكل إنسان معمّد، وبكل مؤمن بالمسيح.
نحن مدعوون جميعاً أن نعلن في كل مكان عما قاله يسوع في زمانه.
ولن يعفى أي أحد من الخبرة الّتي رافقت كلّ الأنبياء، خبرة إساءة الفهم وخبرة العزلة.
وعليه، فإن تلك الخبرة الشجاعة ستكون الحيّز الأكثر أصالة للشهادة، حيزا لا يعتمد فيه الإنسان على قواه الشخصية، بل على علاقة حب تعتبر الضمان الحقيقي الوحيد، الضمان الّذي لا يخيّب صاحبه أبداً.