عظة البابا فرنسيس خلال احتفاله بقدّاس العشيّة الفصحيّة في بازيليك القديس بطرس
"انّ هذا الاحتفال بدأ في الخارج، وكان يكتنفه البرد وعتمة الليل. وقد شعر المؤمنون بثقل الصمت أمام موت الرّب، هذا الصمت الذي يغوص في أعماق قلب التلميذ الذي يقف أمام الصّليب ولا يقوى على الكلام. وانّ العشيّة الفصحيّة هي ساعات التلميذ العاجز عن الكلام أمام الألم المتأتّي عن موت يسوع. فماذا عسانا أن نقول أمام هذا الواقع؟ أمام هذا الظلم الذي حكم على المعلّم؟ فقد التزم التلاميذ الصمت، وقد اختبروا أثناء آلام الرب عجزهم عن المجازفة بحياتهم والدّفاع عن الرّب، لا بل نكروه، وهربوا والتزموا الصمت.
إنّ هذه الليلة هي ليلة صمت التلميذ الذي وجد نفسه غير قادر على التحرك، لا يعرف أين يذهب أمام أوضاع الألم التي تخنقه ولا يدري ماذا يقول، والذي يعتاد على كلمات قيافا "لا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها". وفي وسط هذا السكوت، وعندما نلتزم الصمت تبدأ الحجارة بالصراخ، مفسحة المجال أمام أعظم إعلان في التاريخ "ليس هنا، لقد قام". انّ حجر القبر صرخ، وأعلن بصرخته هذه حياة جديدة للجميع. فقد ردّدت الخليقة صدى انتصار الحياة على كل ما من شأنه أن يُسكت ويخنق فرح الإنجيل. فقد أطلق حجر القبر نشيد تسبيح وحماسة وفرح ورجاء، ونحن كلنا مدعوون إلى المشاركة في هذا النشيد.
إنّنا تأمّلنا بالأمس مع النّسوة بمن صُلب، واليوم إنّنا مدعوّون للتّأمل معهنّ أيضاً بالقبر الفارغ ولسماع كلمات الملاك القائل"لا تخفن لقد قام". وهذه الكلمات ينبغي أن تبلغ قناعاتنا العميقة وأسسنا الراسخة، والطريقة التي نواجه فيها الأحداث اليوميّة، وخصوصاً طريقة تعاطينا مع الآخرين. وانّ القبر الفارغ يريد أن يتحدّانا ويحرّكنا ويسائلنا، وهو يريد أيضاً أن يشجعنا على الإيمان وعلى وضع ثقتنا بالله الذي يتدخل في جميع الأوضاع، ولدى كل الأشخاص مدركين أن نوره قادر على بلوغ الأماكن الأكثر صعوبة وانغلاقاً على الوجود. لقد قام الرّب يسوع من الموت، قام من هذا المكان الذي لا ينتظر منه المرء شيئاً، وهو ينتظرنا ـ كما انتظر النسوة ـ ليجعلنا مشاركين في عمله الخلاصي. وهذان هما الأساس والقوة اللّذين نملكهما كمسيحيين، المدعوين إلى بذل قصارى جهدنا في البحث عن دروب للكرامة. إنّه ليس هنا، لقد قام. هذا هو الإعلان الذي يعضد رجاءنا ويحوله إلى مبادرات ملموسة من المحبّة.
انطلاقاً من هن، من الضّروري أن نترك هشاشتنا تتقوّى من خلال هذه التجربة. كما لا بد أن تجدد إيماننا، وأن نضع آفاقنا الضيقة موضع نقاش وجدل كي تتجدد من خلال هذا الإعلان. لقد قام الرب من الموت ومعه يقوم رجاؤنا الخلاّق كي نتمكن من مواجهة المشاكل الراهنة، لأنّنا نعلم جيّداً أنّنا لسنا بمفردنا. ويعني الاحتفال بعيد الفصح الإيمان مجدّداً بأنّ الله يتدخل في حياتنا ويتحدى مشاريعنا، كما أنّ الاحتفال بعيد الفصح يعني أن نترك يسوع ينتصر على هذه المواقف الخجولة التي غالباً ما تحاصرنا، وتسعى إلى خنق كل شكل من أشكال الرّجاء. كما أنّ حجر القبر قام بدوره، والنّساء فعلن كذلك، واليوم توجَّه الدعوة إلى المؤمنين المدعوين إلى نبذ كل العادات المتكررة، وإلى تجديد حياتهم، وخياراتهم وكيانهم. فهل تريدون فعلاً أن تشاركوا في إعلان الحياة، أم تفضلون البقاء صامتين أمام تلك الأحداث؟ لأنّ الرب القائم من الموت يدعو كل مؤمن إلى اتباعه بلا خوف."