أميركا
22 كانون الثاني 2018, 15:00

عشيّة مغادرته، البابا يترأّس صلاة مريميّة في بيرو

ترأّس البابا فرنسيس صلاة مريميّة في ساحة ساحة مزار "Virgen de la Puerta" في تروخيللو، عصر السّبت، وألقى كلمة للمناسبة قال فيها نقلاً عن "إذاعة الفاتيكان":

 

"أعرف أنّ كثيرين منكم قد قطعوا مسافات طويلة ليكونوا هنا مجتمعين تحت نظر الأمّ. تتحوّل هذه السّاحة إلى مزار في الهواء الطّلق نريد فيه جميعًا أن نسمح للأمّ أن تنظر إلينا بنظرها الوالديّ والحنون. أمٌّ تعرف قلوب أهل شمال البيرو والعديد من المناطق الأخرى، رأت دموعهم وضحكاتهم وتطلّعاتهم؛ وبالتّالي نريد في هذه السّاحة أن نحافظ على ذكرى شعب يعرف أنَّ مريم أمّ لا تترك أبناءها أبدًا.

يتّشح البيت بحلّة العيد بشكل خاصّ إذ ترافقنا الصّور القادمة من مختلف أنحاء هذه المنطقة، كلّ جماعة يرافقها وجه قدّيس والمحبّة ليسوع وأمّه. وبالتّالي يمكننا أن نتأمَّل أنّه حيث يكون هناك جماعة، حيث يكون هناك حياة وقلوب نابضة وتبحث بلهفة عن دوافع رجاء ودوافع للإنشاد والرّقص، دوافع لحياة كريمة... هناك نجد الرّبّ، هناك نجد أمَّه وأيضًا مثال العديد من القدّيسين الّذين يساعدونا لكي نبقى فرحين بالرّجاء.

معكم أريد أن أرفع الشّكر على هشاشة إلهنا؛ هو يسعى لكي يقترب من كلّ فرد منّا في الصّيغة الّتي يمكنه أن يقبّله من خلالها وهكذا تولد مختلف الألقاب الّتي تعبّر عن رغبة إلهنا بأن يكون قريبًا من كلِّ قلب لأنَّ لغة محبّة الله يُنطق بها دائمًا "بلهجة محلّيّة" ولا تعرف أسلوبًا آخر وبالتّالي يشكّل دافع رجاء أن نرى كيف تأخذ أمُّ الله سمات أبنائها ولباسهم ولهجتهم لتجعلهم يشاركونها في بركتها. إنَّ مريم ستكون على الدّوام أمًّا من أعراق مختلطة، لأنّ جميع الأعراق تجد مكانًا لها في قلبها، لأنَّ الحبّ يبحث عن جميع الوسائل ليُحبَّ ويُحَبّ. جميع هذه الصّور تذكّرنا بالحنان الّذي يريد الرّبّ من خلاله أن يكون قريبًا من كلِّ قرية وعائلة، منكَ ومنّي ومن الجميع.

أعرف المحبّة الّتي تحملونها للعذراء "Virgen de la Puerta" والّتي أريد اليوم أن أعلنها "أمّ الرّحمة والرّجاء". عذراء عزيزة أظهرت، عبر العصور، محبّتها لأبناء هذه الأرض عندما رُفعت فوق بوّابة ودافعت عنهم من التّهديدات الّتي كانت تلحق بهم، مولِّدة هكذا محبّة شعب البيرو بأسره حتّى أيّامنا. هي لا تزال تدافع عنّا وتدلُّنا إلى الباب الّذي يفتح لنا الدّرب نحو الحياة الحقيقيّة، الحياة الّتي لا تذبل. هي الّتي تعرف كيف ترافق أبناءها كلٌّ بمفرده لكي يعودوا إلى البيت. ترافقنا وتقودنا حتّى الباب الّذي يعطي حياة لأنَّ يسوع لا يريد أن يبقى أحدًا خارجًا. وبالتّالي هي ترافق "حنين كثيرين للعودة إلى بيت الآب الّذي ينتظر قدومهم" وغالبًا ما لا يعرفون كيف يعودون؛ كما كان يقول القدّيس برناردوس: "أنتم يا من تُدركون أنّكم لا تسيرون على اليابسة، بل تسبحون في بحر بين العواصف والزّوابع، حدِّقوا إلى النّجمة وادعوا مريم"، هي تدلُّنا على درب البيت؛ هي تقودنا إلى يسوع باب الرّحمة.

لقد فرحت عام 2015 بالاحتفال بيوبيل الرّحمة. سنة دعوتُ فيها جميع المؤمنين لعبور باب الرّحمة الّذي – كما كتبتُ – "سيتمكّن كلّ من يدخل من خلاله من اختبار محبّة الله الّذي يعزّي ويغفر ويعطي الرّجاء". وأريد أن أُكرّر معكم الرّغبة عينها الّتي كانت تجتاحني حينها: "كم أرغب بأن تكون السّنوات المقبلة مُشبَعة بالرّحمة فنذهب للقاء كلّ شخص حاملين صلاح الله وحنانه!" كم أرغب في أن تتمكّن هذه الأرض الّتي تستقبل أمَّ الرّحمة والرّجاء من أن تنشر وتنقل إلى كلِّ مكان صلاح الله وحنانه. أيّها الإخوة الأعزّاء، أفضل دواء لعلاج العديد من الجراح هو القلب القادر على الرّحمة والقلب القادر على الشّفقة إزاء العذاب والمصاعب وإزاء الخطأ والرّغبة بالنّهوض مجدّدًا.

إنّ الشّفقة فاعلة لأنّنا قد تعلّمنا أنّ الله ينحني علينا كي نتمكّن نحن أيضًا من أن نتشبّه به في انحنائنا على الإخوة، لاسّيما على الّذين يتألّمون. وبالتّالي علينا كمريم أن نكون متنبِّهين للّذين نفد عندهم خمر الفرح كما حصل في عرس قانا. بالنّظر إلى مريم أدعوكم للتّفكير في أمّهات وجدّات هذه الأمّة؛ إنّهنَّ قوّة محرِّكة للحياة والعائلة في بيرو. ماذا سيكون مصير البيرو بدون الأمّهات والجدّات؟ ماذا ستكون حياتنا بدونهنَّ؟ على محبّتنا لمريم أن تساعدنا لتفعيل مواقف تقدير وامتنان تجاه المرأة؛ تجاه أمّهاتنا وجدّاتنا اللّواتي يشكِّلنَ حصنًا لحياة مدننا، إذ يسرنَ بصمت قدمًا، بصمت وبقوّة الرّجاء. شكرًا لشهادتكنَّ.

لكن بالنّظر إلى الأمّهات والجدّات أريد أن أدعوكم لتكافحوا ضدَّ آفة تضرب قارّتنا: حالات قتل النّساء العديدة. كثيرة هي أوضاع العنف الّتي يتمُّ السّكوت عنها داخل جدران البيوت؛ لذلك أدعوكم لتكافحوا ضدَّ مصدر الألم هذا وتطالبوا بأن يُعزّز قانون وثقافة رفض لجميع أشكال العنف.

أيّها الإخوة، إنَّ العذراء أمّ الرّحمة والرّجاء تظهر لنا الدّرب وتدلّنا إلى أفضل حماية ضدَّ شرِّ اللّامبالاة؛ هي تقودنا إلى ابنها وتدعونا لنعزّز وننشر ثقافة رحمة مرتكزة إلى إعادة اكتشاف اللّقاء مع الآخرين: ثقافة لا ينظر فيها أحد إلى الآخر بلامبالاة ولا يحوّل نظره حين يرى معاناة الإخوة".