لبنان
03 كانون الثاني 2025, 11:20

عبد السّاتر مفتتحًا السّنة اليوبيليّة: لا تخافوا!

تيلي لوميار/ نورسات
إفتتح رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبد السّاتر السّنة اليوبيليَّة ٢٠٢٥- حجّاج الرّجاء، في قدّاس إلهيّ احتفل به في كاتدرائيّة مار جرجس في بيروت، وسط حضور عدد من الفعاليّات والمؤمنين.

وبحسب إعلام المطرانيّة، "بدأ الاحتفال برتبة افتتاح اليوبيل والحجّ خلف الصّليب وتجديد مواعيد العماد والنّضح بالماء المبارك، وبتقادم ثلاث: البوق كرمز لصوت الرّجاء الّذي يعلن للكنيسة بداية اليوبيل المقدّس، والمرساة كرمز للرّجاء الثّابت الّذي يثبّتنا في حبّ الرّبّ، والشّعلة كرمز للنّور الّذي يبدّد الظّلام ويضيء طريق الرّجاء".

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران عبد السّاتر عظة قال فيها: "ها نحن نلتقي في هذا المساء وفي هذه الكاتدرائيّة، لنعيش معًا والكنيسة جمعاء بداية سنة يوبيليّة أرادها البابا فرنسيس تحت عنوان "حجّاج الرّجاء". وعيش سنة يوبيليّة كان تقليدًا عبريًّا قبل أن يصير أيضًا مسيحيًّا. فالشّعب العبرانيّ الّذي اختاره الله، بحسب العهد القديم، ليكون شعبًا له وينشر عبادة الله الواحد بين الشّعوب الوثنيّة كان يحتفل بالسّنة اليوبيليَّة كلّ تسع وأربعين سنة فتكون السّنة اليوبيليّة هي السّنة الخمسون.

وكانت تبدأ هذه السّنة بالنّفخ في قرن الخروف، ومن هنا أصل التّسمية، وهي سنة راحة، يرتاح فيها الإنسان والحيوان والأرض. فالإنسان لا يزرع ولا يحصد والثّور لا يفلح والأرض لا تُنقّب ولا تُزرع. وخلف هذه الرّاحة والتّوقّف عن العمل إيمان بأنّ الله يرعى شعبه وهو قادر على العناية به وإطعامه حين يتوقّف عن العمل. وهذه الرّاحة هي تذكير للإنسان بأنّ حياته ليست ثمرة تعبه فقط بل هي أيضًا عطيَّة من الله. وهذه الرّاحة هي تنبيه له حتّى لا يحوِّل العمل ذاته إلى إلهٍ يُضحّي بحياته كلِّها أمامه.

أمّا عدم زراعة الأرض والتّوّقف عن استغلالها فهما أيضًا لإراحتها وللتّذكير بأنَّها ملك الرّبّ الخالق الّذي وضعها بين أيدينا لنعتني بها ونحافظ عليها ونأكل من ثمرها. وكذلك بالنّسبة إلى الحيوان.

وفي السّنة اليوبيليَّة يرتاح المؤمن أيضًا ليكرّس وقتًا أطول للتّقرّب من الله وللصّلاة وليمضي أيّامه مع أهله وأحبّائه فيعتني بزوجته ويحبّها ويربّي أولاده ويخدم والديه.

وفي هذه السّنة أخيرًا، يُعفى المديون من دينه وتردّ الأرض المرهونة لصاحبها وذلك أوّلًا للتّأكيد على أنَّ الأرض وكلَّ ما عليها هي ملك الله وليس الإنسان وليتسنّى للإنسان المقهور أو المستعبد بسبب دين عليه أن تكون له بداية جديدة ينطلق منها إلى حياة جديدة يعيشها بشكل أفضل وبحكمة أكبر.

وبإختصار: إنَّ السّنة اليوبيليّة الّتي عاشها المسيحيّون مرّات ومرّات والّتي يدعونا قداسة البابا فرنسيس إلى عيشها سنة ٢٠٢٥ هي للتّأكيد بأنَّ لله الأرض وما عليها وأنّه الخالق والرّاعي والمدبّر لشعبه. وهي دعوة إلى تكريس وقت أطول للتّقرّب من الله والآخر وإلى العناية بالقريب وبالأرض والحيوانات الّتي عليها.

إحتفالنا هذا المساء بسنة اليوبيل هو أيضًا اعتراضنا على الذّهنيّة السّائدة في عالم اليوم. هذه الذّهنيّة الّتي تقيّم الإنسان بمدى إنتاجيَّته والّتي وصفها البابا فرنسيس بثقافة النّفاية لأنّها تعتبر العجوز والمريض والضّعيف عبئًا وتهملهم كالنّفاية لأنّهم لا يُنتجون. أمّا نحن فإنّنا نرى في العجوز أصلنا وتاريخنا وحكمتنا وفي المريض مصدر إيمان ورجاء ومنبع صلاة وفي الضّعيف صورة الرّبّ المعلَّق على الصّليب والمنتصر على الموت.

إحتفالنا في هذا المساء هو تأكيدنا على أنّ تكديس المال وتجميع الممتلكات ليسا أهمّ من الإنسان ولا من الأرض ولا يجب أن يكونا غايتنا وهدف حياتنا بل غايتنا هي محبّة الله والقريب. إنّه تأكيدنا على أنَّ كلَّ ما لدينا هو عطيَّة من الرّبّ ونحن لسنا سوى وكلاء عليه ولا يحقّ لنا أن نستعمله إلّا من أجل خير الإنسان، كلّ إنسان ويجب أن نتقاسمه والمعوز أيًّا من كان.

إخوتي وأخواتي، لقاؤنا في هذه الكاتدرائيّة هو إعلان لرجائنا الثّابت على يسوع المسيح الإله المتجسّد القائم من الموت ومخلّصنا الوحيد. وفي هذا المساء أقول لكم:

لا تخافوا! فالشّرَّ لن ينتصر لأنّنا نحن الحاضرين ههنا سنعمل من أجل الخير كلَّ يوم وحيثما وجدنا.

لا تخافوا! فالبغض والحقد لن يغلبا لأنّنا نحن الحاضرين ههنا سنحبّ وسنسامح القريب والبعيد، الصّديق والعدوّ.

لا تخافوا! لأنّ التّعصّب لن يفوز لأنّنا نحن الحاضرين ههنا سنقبل الآخر على تمايزه وسنبني معه الجسور.

لا تخافوا! لن نزول أو نفنى لأنّنا جسد المسيح السّرّيّ الّذي لا يزول ولا يفنى.

إخوتي وأخواتي، فلنجدِّد توبتنا ولنذهب ولننشر الرّجاء والفرح والحياة حيثما حللنا. لنصلِّ ولنصلِّ طويلاً ولندعِ الرّوح يقدّسنا. لنحافظ على عطايا الله ولنستعملها لما فيه خير العالم. لنبتعد عن عبادة المال والأملاك ولنسخّرهم في نموّ الإنسان وسلامة حياته. لنردَّ لله قليلًا ممّا أعطانا ولنرفع إليه المجد صبحًا ومساء".

وبعد القدّاس، تقبّل المطران عبد السّاتر التّهاني بالأعياد المجيدة.