عبد السّاتر لخرّيجي الحكمة: أرجو أن تسعوا إلى إحلال المعرفة مكان الجهل والحقّ مكان الظّلم والاستقامة مكان الفساد
حضر الحفل المطران بولس مطر، ورئيس جامعة سيّدة اللّويزة الأب بشارة الخوري، والنّائب العام لأبرشيّة بيروت المارونيّة المونسنيور اغناطيوس الأسمر، ولفيف من الكهنة والآباء، ورئيسة الجامعة للسّنوات الثّلاثة الماضية البروفسور لارا كرم البستاني والرّئيس الجديد لجامعة الحكمة البروفسور جورج نعمة، وضيف الشّرف رئيس مؤسّسة جبر الاجتماعية رجل الأعمال الأستاذ فيليب جبر، ونواب ووزراء حاليّون وسابقون، وممثّل عن نقيب المحامين في بيروت، ونقيبة الممرّضين والممرّضات في لبنان د. ريما ساسين قازان، ومديرة المستشفى اللّبنانيّ الجعيتاويّ الجامعيّ الأخت هاديا أبي شبلي، وممثّلون عن قائد الجيش ومدير المخابرات ومدير عام أمن الدّولة، وعمداء الكلّيّات الثّمانية ومدراء الأقسام وعائلة الجامعة من إداريّين وتعليميّين وأهالي الخرّيجات والخرّيجين.
وفي كلمته، توجّه المطران عبد السّاتر إلى الخرّيجين والخرّيجات بالقول: "أنتم تنالون في هذا المساء جزاء تعبكم وكدّكم وسهركم، وثمرة تحصيلكم العلميّ الجدّيّ والمتين فهنيئًا لكم. وماذا بعد؟ ماذا ستعملون وإلى ماذا ستسعَون؟ وكم أتمنّى أن تعملوا على بناء مجتمع جديد في بلدكم بدل أن تضيعوا في مجتمع خارج بلدكم. وكم أرجو أن تسعَوا إلى إحلال المعرفة مكان الجهل، والحقّ مكان الظّلم، والاستقامة مكان الفساد.
لا تطمحوا إلى الحصول على تأشيرة دخول إلى أحد البلدان بل اطمحوا إلى البقاء في وطنكم والعمل لأجله وإلّا صارت تضحيات الآباء من أجل بقائه واستمراره مجرّد قصص تسجّل في كتب مبعثرة يأكلها الغبار. لا تفاخروا بمحبّة الوطن بل أحبّوه فعلاً وأعملوا من أجله. أثبتوا فيه حتّى وإن لم يعطكم دومًا ما تستحقون. لا تبتعدوا عنه لأن الأوطان تتحوّل مع المسافات، إلى آثار يهدمها النّسيان. لا تخافوا من المستقبل إلّا إذا أخطأتم في قراراتكم وضللتم في خياراتكم.
أيّها الحفل الكريم،
لنفرح وشبابنا وشاباتنا بنجاحهم ولنهنئهم على ما حققوه. ولنرافقهم بصلاتنا وبمحبّتنا، ولنقف إلى جانبهم ولنعضدهم في مبتغاهم حتّى لا تتكسَّر أحلامهم على صخور الأنانيَّة والفساد والطمع".
كما توجّه عبد السّاتر بالشّكر إلى رئيسة جامعة الحكمة لثلاث سنوات البروفيسور لارا كرم البستاني، مشيرًا إلى أنّها "سنوات كانت ملأى بالتّحدّيات والصّعوبات والعمل المتواصل والمضني قائلًاً: "لمّا طلبت منك تحمّل المسؤوليّة ما ترددت، واعتبرت مهمتك رسالة تؤدّينها في الكنيسة المارونيّة والأبرشيّة لمجد الله الأعظم. دخلت الجامعة وأنت تحملين معك حماسك وغيرتك وقيمك وأنوثتك. فتكرّست لها عابرة بها معاناة الحراك، ودخان انفجار مرفأ بيروت، وعاصفة الأزمة الاقتصاديّة من دون خوف ولا تردّد. إخترت أن تتشاركي المهمّة مع أعضاء الهيئتين التّعليميّة والإداريّة. فأحسنت الاختيار. في أيّامك نمت الجامعة وكبرت وها أنت تودّعينها في صدر من سيتحمّل المسؤوليّة من بعدك، أعني به حضرة البروفيسور جورج نعمه الذي نتمنّى له كلّ الخير في تتميم رسالته.
أيّتها البروفيسور لارا، كنت أوّل امرأة تترأّس جامعة كاثوليكيّة في لبنان. كنت رهانًا ورُبح الرّهان بفضل عزمك ومواهبك وقلبك الكبير، فشكرًا لك.
ولا بدّ لي أيضًا من أن أشكر السّيّد فيليب جبر على قبوله دعوة رئيسة الجامعة بأن يكون ضيف حفلة تخرّجنا على الرّغم من مسؤوليّاته الجسام. إنّني أشكركم على كلمتكم التي حتمًا كان لها التّأثير العميق في قلوب خرّيجينا وخرّيجاتنا.
وأرحبّ أيضًا بسيادة المطران بولس مطر الذي كانت له اليد الطّولى في قيام هذه الجامعة ونموّها. فلكم منّا جميعًا كلّ التّقدير والشّكر".
بدورها أبدت البروفسور البستاني فخرها واعتزازها بالخرّيجين الذين دخلت إلى الجامعة معهم وها هو يغادرونها وفي جعبتهم شهادة جامعيّة وهي تغادرها وفي جعبتها أمثولة حياة. وقالت في كلمتها: "نحتفل بكم اليوم ونعتزّ لأنّكم آمنتم بالوطن حين غادره الكثيرون فأصبحتم رمزًا للمثابرة والنّجاح. نفتخر بكم لأنّكم صنعتم التّاريخ. حصّلتم العلم بالرّغم من إنفجار وجائحة وأزمات معيشيّة واقتصاديّة ووجوديّة وبالرّغم من تلاشي المسؤوليّات وتفكك المؤسّسات". أضافت: "يا صنّاع التّاريخ لا تبخلوا على وطنكم بعلمكم ولا تضعوا سراج نور الحكمة تحت المكيال بل ازرعوه على أعلى قمم لبنان فيضئ لجميع الذين هم في البيت".
واستذكرت البستاني أنّها دخلت الجامعة قبل ثلاث سنوات في الخامس من آب ٢٠٢٠ عندما كان الدّمار والإحباط في كلّ مكان وكانت الجامعة جريحة وثكلى تبكي أحلام من حضنت ولا تعلم أيّ جرح تضمّد ولا من أين تبدأ. وأبدت ارتياحها بأنّ الجامعة استعادت بريق جمالها وتزيّنت بأحلى حللها من أجل طلابها الذين مرّوا في أروقتها وتركوا في قلبها أكثر من ذكرى وأكثر من قصّة وأكثر من نجاح.
وإختتمت بالقول: "إنّ الشّهادة اليوم مستحقّة بجدارة قائلة: "أيّها الخرّيجون، أكملوا ما بدأتموه هنا: إصنعوا التّاريخ، إجعلوا من العالم ملاذًا آمنًا ومكانًا حاضنًا كجامعة الحكمة، وعند صنع التّاريخ لا تكونوا قدامى الحكمة بل كونوا أنتم الحكمة! أمام الأزمات إمشوا عكس التّيّار، أمام الاستسلام قاوموا وابتكروا، أمام المجهول استبقوا وأبدعوا، أمام الدمار إبنوا ودعموا، أمام الاستهتار كونوا المسؤولية!"
وفي كلمته لفت جبر إلى أنّه ترك لبنان عام ١٩٧٦ ولم يتمكّن من العودة إلّا بعد ست وثلاثين سنة، وقال: "لا أرى فترة عرفها لبنان أكثر صعوبة من السّنوات الأربع الماضية حيث خسر الأهل أموالهم ووظائفهم وغادر عدد كبير منهم أرض الوطن".
ودعا جبر الخرّيجين إلى أن يكونوا صبورين على أنفسهم، وأن ينتهزوا الفرص المتاحة أمامهم في العلوم والتّكنولوجيا والطّبّ حيث تبرز الابتكارات والحداثة.
وقال: "لا نجاح من دون فشل والنّجاح الحقيقيّ يكمن في التّأثير الإيجابيّ في حياة الآخرين. والتّحدّي الأكبر يكمن في أنّ الحياة لا تعطي الإنسان ما يحتاج إليه بل تعطيه ما يستحقّه! لذا إعملوا دائمًا حتّى تكونوا مفيدين. فهذا هو النّجاح الحقيقيّ".
وقدمت البستاني درع الحكمة التّكريميّ لرجل الأعمال فيليب جبر تقديرًا لجهوده الاجتماعيّة ولشكره على تقديم مؤسسته منحًا جامعيّة لأكثر من تسعين طالبًا في جامعة الحكمة.
وكانت كلمتان باسم الطّلاب الذين استلموا شهاداتهم من المطران عبد السّاتر.