الأراضي المقدّسة
23 حزيران 2023, 09:30

شيء واحد يجب أن يفعله تلاميذ الرّبّ، ما هو؟

تيلي لوميار/ نورسات
"مقطع إنجيل اليوم (متّى 10، 26 - 33) مأخوذ من الفصل العاشر من إنجيل متّى، حيث تمحورت خطابات يسوع لتلاميذه حول المهمّة التّبشيريّة"، يقول بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا في بداية تأمّله بإنجيل الأحد الثّاني عشر للزّمن العاديّ.

ويتابع قائلاً بحسب موقع البطريركيّة: "رأينا الأحد الماضي سبب هذه الخطابات: يرى يسوع الجموع ويشعر بالشّفقة، لأنّهم متعبين ومرهقين وتائهين مثل خرافٍ لا راعي لها. لهذا يرسل تلاميذه ليعلنوا لجميع الفقراء بالرّوح بأنّ ملكوت الله قريب، وينشروا رحمة الله بين الجميع.

لم يعطهم يسوع تعليمات دقيقة، ولم يخبرهم بما يجب أن يقولوه أو يفعلوه، ببساطة عليهم أن يحملوا السّلام، ويتحمّلوا الشّرّ والألم الّذي سيواجهونه، ويوافقوا على دفع ثمن هذا الإعلان الثّمين بحياتهم: في جزء كبير من تعاليم يسوع يسعى إلى توجيه التّلاميذ في المنظور الصّحيح. وهي أنّ الكثيرين سوف يرفضون رسالتهم، وأنّ الكثيرين سوف ينزعجوا من وجودهم، لذا لا ينبغي أن يتفاجأوا، لأنّه لن يحدث لهم أكثر ممّا حدث ليسوع نفسه.

شيء واحد يجب أن يفعله التّلاميذ: "لا تخافوا".

قد تبدو وصيّة غريبة، خاصّة بعد الخطاب الّذي أوضح به يسوع لأتباعه عن الاضطهاد الّذي سيواجههم.

بماذا دُعي تلاميذ يسوع ليعلنوا؟

ببساطة: "لا تخافوا".

حتّى في مواجهة أسوأ التّهديدات، حتّى في وجه الاضطهاد واحتمال الموت، يمكن للمرء أن يحافظ على سلامه. وهذا ليس لأنّنا أبطال، ولا لأنّنا أقوى من خصومنا، ولكن فقط بسبب العلاقة: علاقتنا مع الآب، الّتي تمنح الحياة يقينًا نهائيًّا، وأملًا لا يتزعزع: الأمل بأنّ لا شيء في حياتنا سيذهب سدى.

إنّ مضمون الرّسالة هو ببساطة: الثّقة في الآب، الثّقة الكاملة؛ لذلك فالأمر لا يتعلّق بقول أو القيام بشيء ما، بل يتعلّق بالعيش كالأطفال: هذه دعوة حياتنا الّتي يجب أن تُعلن للجميع.

لذلك، فإن الدّعوة إلى عدم الخوف هي أمر أساسيّ لهذا الإنجيل وهي مركزيّة رسالة يسوع. لقد سمعناها اليوم ما لا يقلّ عن ثلاث مرّات، تمامًا كما أنّ هناك ثلاث مخاوف يحذّرنا منّها يسوع، الّذي يطلب منّا أن ننتبه إليه، حتّى تصل العلاقة مع الآب إلى عمق حياتنا وتحرّرنا من كلّ خوف. ما هي هذه المخاوف؟

الأوّل هو التّجرّد ممّا لدينا وما نحن عليه (مت 10 ، 28) "لا تخافوا الّذين يقتلون الجسد ولا يستطيعون قتل النّفس، بل خافوا الّذي يقدر على أن يهلك النّفس والجسد جميعًا في جهنّم"، وبالتّالي يمكن لشخص ما أن يقتلنا: إنّه الخوف من هشاشتنا وضعفنا ومحدوديّتنا وينتهي هذا الخوف مع الموت.

نجد الخوف الثّاني في الآية 29، عندما يقول يسوع: "ومع ذلك لا يسقط واحد منهما إلى الأرض بغير علم أبيكم": لأنّنا نخشى أن تسير حياتنا بمحض الصّدفة، وأن تكون تحت رحمة قوى معادية لنا، فنحن خائفون من حياة لا معنى لها.

والثّالث هو الخوف العميق الّذي نحمله في داخلنا، وهو الخوف من ألّا نكون جديرين بالاهتمام (مت 10: 31) "لا تخافوا، أنتم أثمن من العصافير جميعًا"، من عدم كونك مهمًّا لأحد، من عدم وجود أيّ شخص يهتمّ بنا.

هذا هو سبب تعاطف يسوع معنا: لأنّ هذه المخاوف تجعلنا متعبين ومرهقين، ويجعلنا نشعر بالوحدة. من ناحية أخرى، التّعاطف هو شعور يتحدّث عن ارتباط، عن علاقة: إنّها الطّريقة الّتي يتعامل بها يسوع مع العالم، والّتي بها يحرّرنا من وحدتنا. إنّه لا يضمن لنا حياة خالية من المشاكل كما يفعل الرّعاة الكذبة، لكنّه يقف على جانب طريقنا، ويفسح لنا مكانًا في حياته وفي علاقته مع الآب: هذا لن يفشل أبدًا.

نختتم بملاحظتين.

كيف تطرد الخوف؟ بشجاعة؟ لا، بالمقارنة مع خوف آخر (متّى 10:28)، مع خوف حقيقيّ، والخوف الوحيد الممكن للمسيحيّ، هو فقدان العلاقة مع الله. يقول يسوع: لا تخافوا الّذين يقتلونكم، ولكن خافوا ممّن يقدرون على قطع علاقتكم مع الآب وخسرانها.

 

أخيرًا: تتحدّث الآيات الأخيرة من هذا المقطع (متّى 10، 32 - 33) عن دينونة في تلك اللّحظة الّتي سنقدّم فيها أنفسنا أمام الآب، وسيتحدّث معه يسوع عنّا. على ماذا سيحكم علينا؟

من المثير للاهتمام، أنّ في نهاية هذا الخطاب التّبشيريّ يقول يسوع إنّنا لن نقدّم أنفسنا للآب بنجاحاتنا التّبشيريّة ولن نقدّم له قائمة أعمالنا الصّالحة أو بالأشخاص الّذين هديناهم. سيتمّ الحكم علينا من خلال الثّقة الّتي نتمتّع بها أو الّتي لم تكن لدينا: إذا كنّا قد وثقنا في الله لدرجة المخاطرة بحياتنا، وإذا كنّا أطفالًا في كلّ مناسبة، عندها سنتمكّن من معرفة الدّور الّذي قمنا به. سنحكم على الثّقة بالله الّذي بدوره جعل الثّقة في الإنسان ممكنة."