سيّدة النّجاة في زحلة رفعت سعف النّخل وأغصان الزّيتون
بعد الإنجيل المقدّس ألقى درويش عظة قال فيها:
"سمعنا في إنجيل اليوم أعظم هتاف ردّده النّاس عبر التّاريخ "هوشعنا في الأعالي"، هذا الهتاف الجميل نردّده مع الكنيسة الجامعة كلّ سنة في أحد الشّعانين، إنّه يحكي لنا قصّةَ المعاناة والحبّ الّتي تتردّد اليوم عبر منابر الوعظ في كنائس العالم.
أرغب اليوم أن أشارككم بعض الأفكار الّتي تساعدنا لنفهم أكثر المعنى الرّوحيّ لهذا العيد: كعادتي مررت منذ أيّام وفي ساعة متأخّرة إلى مقام العذراء وتأمّلت بهذه المسبحة الكبيرة المعلّقة على المدخل، وصلّيت لمريم أمّي، لتحفظ هذه المدينة وأبناءها وبناتها، دخلت بعدها إلى كنيسة البرج وفتحت كتاب الصّلاة الموجود على الهيكل ووجدت صليبًا صغيرًا مصنوعًا من ورق الزّيتون وأظنّه كان من بقايا زيّاح أحد الشّعانين من السّنة الفائتة.
هذا الصّليب يعطينا علامة واضحة ويشرح لنا معنى العيد ومدى ارتباطنا بتراثنا الكنسيّ وتقاليدنا الّتي نفتخر بها.
قبل خمسة أسابيع بدأنا معًا الصّوم الكبير المقدّس وبدأنا صلواتنا بصلاة تعبّر عن توبتنا الشّخصيّة: "افتح لي أبواب التّوبة يا واهب الحياة.." خلال الصّوم حاول كلّ واحد منّا من خلال صومه وصلاته أن يعود إلى ذاته ويعبّر عن شوقه وعن رغبته في تمتين علاقته مع الله ووعدناه أن يكون إيماننا أكثر عمقًا وأن نكون أكثر قربًا منه. واليوم وبعد خمسة أسابيع من عمرنا، نأتي مجدّدًا إلى الكنيسة نحمل أغصان الزّيتون وسعف النّخل ونتساءل هل زادتنا هذه الأسابيع حكمة؟ وهل نمونا روحيًّا؟ وهل زدنا إيمانًا؟ وهل تغيّرت علاقاتنا نحو الأفضل؟
مع أوراق الزّيتون وسعف النّخل، ندخل في أسبوع الآلام وهو الأسبوع الأقدس في زمننا وفي تاريخنا، وفيه نرافق يسوع المسيح في آلامه ومعاناته حتّى الجلجلة فالصّليب، كما نرافقه أيضًا في قيامته المجيدة.
هذه الأوراق الخضراء الّتي تعبّر عن الحياة والانتصار هي أيضًا تتحدّانا لنكتشف مرّة جديدة أنّ ما عاناه المسيح من آلام وصلب هو من أجلنا، وهي تذكّرنا أيضًا بأنّنا نحمل في أيدينا مستقبلنا، ومستقبلُنا أن نكون فقط مع المسيح.
خلال هذا الأسبوع نريد أن نوجّه انتباهنا إلى سرّ موت يسوع وقيامته، والصّلوات تساعدنا على التّأمّل بآلامه، وسنسمع الإنجيليّين يسردون لنا التّفاصيل بشغف ومحبّة، كيف أُسلم وسيق إلى المحاكمة وعومل كمجرم وكيف قادوه إلى الجلجلة وطعنة الحربة، وكيف غفر لصالبيه وكيف أنزل عن الخشبة ثمّ تأتي القيامة لنعرف أنّ يسوع الّذي تجسد من أجلنا هو ربّ الموت والحياة.
وأخيرًا علينا أن نطرح على ذواتنا، هذا الأسبوع، سؤالاً مهما: ما هو أثر أسبوع الآلام وعيد القيامة على حياتي؟ أين هو قلبي وأين يتّجه تفكيري؟ ربّما تساعدني هذه الأسئلة على أن يكون أسبوع الآلام رياضة روحيّة.
صلاتي لكم ليوقظ يسوع الرّجاء في قلوبكم وأن تكتشفوا أكثر فأكثر وجهه الرّحيم، وكما دخل أورشليم بمحبّة، أن يدخل إلى قلوبكم فتمتلئوا نورًا وفرحًا بهذا العيد. ولنطلب شفاعة العذراء مريم لنتعلّم منها فرح اللّقاء مع المسيح وأن تعلّمنا كيف نتبعه بحماس وشغف خلال أسبوع الآلام، بنعمة الآب والابن والرّوح القدس".
وبعد القدّاس أقيم زيّاح الشّعانين حول المطرانيّة.