سويف: مسيحيّتنا في لبنان تدفعنا للتّضامن مع بعضنا البعض وللتّواصل مع شركائنا في هذا الوطن
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى سويف عظة قال فيها: "لا بدّ لي من أن أتوجّه بالشّكر للخوري سليم مناع على دعوته لنا وعلى حضوره في هذه الرّعيّة ونطلب من الرّبّ أن يمدّه بالصّحّة والقوّة حتّى يتمكّن من أن يتابع خدمته في هذه الرّعيّة المباركة، كما أحيّي الخوري عزّت الطّحش الحاضر بيننا وأشكره على خدمته في أبرشيّتنا.
ولا بدّ لي من أن أعبّر عن فرحي ومحبّتي للمشاركة في هذا الاحتفال مع أبناء رعيّتي في بلدة كرمسدّة، فصحيح أنّ مختلف قرى وبلدات الأبرشيّة هم رعيّتنا لكن لكرمسدّة مكانة خاصّة إذ أنّها تشكّل حصنًا لمقرّنا الأسقفيّ ولإكليركيّتنا.
وأحيّي كلّ الفعاليّات الموجودة ومختلف الجمعيّات والحركات في هذه الرّعيّة الّتي يشير وجودها إلى الحياة في قلب الرّعيّة، وحياتنا المسيحيّة لا بدّ لنا من أن نعيشها في قلب الجماعة وبروح الأخوّة والتّضامن حتّى نكون شهودًا ليسوع المسيح.
في تذكار قطع رأس يوحنّا المعمدان، نعيش الكثير من الحزن والألم لكنّنا ندرك تمامًا أنّ الموت في إيماننا المسيحيّ هو مدخل للقيامة، لذلك في هذا التّذكار الخاصّ بالنّبيّ يوحنّا الّذي لقّب برجل الله وبأعظم مواليد النّساء، يمكن القول إنّ قطع رأس النّبيّ يوحنّا ما هو إلّا تتويج لمسيرة حياته الّتي بدأت وهو في أحشاء أمّه عندما التقى بيسوع المسيح خلال زيارة العذراء مريم لخالتها أليصابات الّتي قالت لها في الزّيارة (ارتقد الجنين فرحًا في بطني).
وخلال هذه الزّيارة، كان اللّقاء الأوّل بين يسوع المسيح ويوحنّا المعمدان وفي الإطار اللّاهوتيّ نقول إنّ هذا اللّقاء شكّل محطّة للتّلاقي بين العهدين القديم والجديد، ففيه التقى العهد القديم مع يسوع المسيح، والعهد الجديد الّذي هو المسيح أتى ليكمّل مسيرة كلّ العهد القديم والأنبياء والآباء والملوك، الّتي من خلالها رافق الله الشّعب وصولاً إلى اللّحظة العظيمة وإلى (ملء الزّمن) أيّ إلى حين إرسال الله ابنه الوحيد يسوع المسيح مولودًا من امرأة حتّى يكون مخلّصًا وفاديًا ومحرّرًا للبشريّة من قيود الموت ومن الشّريعة القديمة ومن الوثنيّة.
يوحنّا المعمدان رافق يسوع منذ أن كان جنينًا في أحشاء أمّه، والمحطّة الأساسيّة في هذه المسيرة هي في نهر الأردنّ حيث عمّد النّبيّ يوحنّا الرّبّ، وقيام يوحنّا بفعل العماد كان بهدف الدّعوة إلى التّوبة والمناداة باقتراب ملكوت الله.
ورسالة يوحنّا المعمدان في تاريخ الخلاص الّتي توجّت بقطع رأسه لأنّه رفض أن يزوّر الحقيقة وأن يساوم ويساير، تدفعنا للقول إنّه لا بدّ لنا كمسيحيّين من أن نشهد للحقّ وليسوع المسيح وإنجيله وكلامه ومنطقه وفكره.
فنحن نعيش الظّلم في هذا العالم لأنّنا بتنا نفتقد إلى شهود للحقّ، ونعيش الحروب لأنّنا أصبحنا من دون سعاة إلى بناء السّلام، وفي لبنان وصلنا إلى هذا القبر المظلم لأنّنا نفتقد عيش العدالة وممارسة العدل والحقّ، لذلك وفي هذا المساء المبارك نطلب من الرّبّ أن يجدّد إيماننا حتّى نعي أنّنا نلنا نعمة وعطيّة كبيرتين من الرّبّ، إذ أنّه ومن خلال سرّ المعموديّة أشركنا في حياته ورسالته حتّى نكون أنبياء ورعاة وكهنة وشهودًا للحقيقة، فأجمل ما في هذه الحياة هو أن نشهد للحقّ.
إنّ الشّهادة للحقّ نعمة تؤدّي إلى الصّمود والاستمرار، فهي الّتي تتجسّد من خلال المصراحة، تساهم في جعل بيوتنا أكثر صمودًا ورعايانا أكثر ثباتًا، والشّهادة للحقّ تمنع شعبنا من التّشتّت وتدفع كنيستنا إلى التّجدّد، وعندما تكون هناك شهادة فعليّة للحقّ يكون حينها وطننا على حقّ.
وفي هذه المناسبة، نصلّي للرّبّ طالبين منه أن يبعد شهود الزّور عن وطننا وعن بيوتنا وعائلاتنا ورعايانا، وفي هذا التّذكار لا بدّ من أن يعود كلّ فرد منّا إلى ذاته ويطلب من الرّبّ أن يساعده حتّى يكون شاهدًا للحقيقة فقط."
وفي الختام قال راعي الأبرشيّة: "أرى كرمسدّة بنظرة كبيرة جدًّا وذلك لطيبة أهلها وناسها الّتي نلتمسها من خلال شبيبتها وأطفالها ومن خلال مختلف الحركات الرّعويّة والاجتماعيّة فيها ومن خلال التّضامن بين أهلها المقيمين والمغتربين في هذه الظّروف العصيبة الّتي يمرّ فيها وطننا، وهنا كلّ الشّكر للرّبّ على المغتربين المنتشرين في كلّ أنحاء العالم الّذين ما زالت قلوبهم في رعاياهم وقراهم.
ونطلب من الرّبّ أن يزيد فينا روح الإيمان والتّضامن حتّى نتمكّن من تخطّي هذه الأيّام، كما نطلب منه أن يبعد المشاكل والخصامات عن قرانا وبلداتنا ومجتمعنا الّتي تدمّر كياننا وتبعدنا عن رسالتنا الأساسيّة الّتي تتجلّى في شهادتنا للحقّ في لبنان وفي كلّ أنحاء هذا الشّرق الّذي وضعنا الله فيه.
فمسيحيّتنا في لبنان الّتي تتحلّى بقيمة الحرّيّة تدفعنا للتّضامن مع بعضنا البعض وللتّواصل مع شركائنا في هذا الوطن بالمحبّة والأخوّة الإنسانيّة والانفتاح بعيدًا عن التّقوقع والانغلاق والانعزال، ودورنا كبير وأساسيّ بعيدًا عن أيّ حسابات ديمغرافيّة، ووجودنا الّذي بدأ منذ قيام الكنيسة الأولى سيصمد اليوم وغدًا وإلى الأبد لهدف واحد وهو الشّهادة ليسوع المسيح."