سويف في عيد مار مارون: للسّير بروحيّة خطاب القسم وبوحدة المعايير
بعد الإنجيل المقدّس حيّا سويف رئيس الجمهوريّة العماد جوزيف عون ودعا له بالتّوفيق في رسالته الوطنية، كما تمنّى لرئيس الحكومة القاضي نوّاف سلام النّجاح في مهمّته رغم التّحدّيات والسّير بروحيّة خطاب القسم وبوحدة المعايير حتّى يعبر الوطن نحو الاستقرار والحداثة، مؤكّدًا أنّ "الشّعب ينتظر يومًا جديدًا، وقد ملّ من السّياسات الضّيّقة والمصالح الفئويّة"، لافتًا إلى أنّ "الشّباب يتوقون إلى وطن سليم وحكم يتميّز بالشّفافيّة والمحاسبة والأخلاق"، وقال: "من كنيسة مار مارون في عيده، أتوجّه إلى جميع اللّبنانيّين بأحرّ التّهاني كي تحلَّ نِعم هذا اليوم المبارك على وطننا الحبيب لبنان ليتجدّد بالرّجاء. من هنا نحيّي غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي متّحدين معه بالصّلاة لأجل لبنان وطن الرّجاء الّذي بناه الموارنة جنبًا إلى جنب مع العائلات اللّبنانيّة كلّها والّتي تكون معًا نسيج هذا المجتمع الّذي يتميّز بقوّة الرّجاء وغنى التّعدّديّة ونعمة الحرّيّة. وعبر أخينا سيادة السّفير البابويّ المطران باولو بورجا الّذي شاء بمحبّته لأبرشيّتنا أن يشاركنا فرحة العيد، نوجّه إلى قداسة البابا فرنسيس، تحيّة بنويّة، ملؤها المحبّة، ونشكره على صلاته الدّائمة لأجل لبنان ونثمّن دور الكرسيّ الرّسوليّ في مواكبة الشّعب اللّبنانيّ بمحنه، حتّى يبقى هذا الوطن في نظر الكنيسة والمجتمع الدّوليّ نموذج اللّقاء والحوار ووطن الإيمان والإنسان.
أيّها الأحبّاء، يأخذ العيد هذه السّنة معنى خاصًّا، إذ يأتي في إطار احتفال الكنيسة الجامعة باليوبيل المقدّس وعنوانه "الرّجاء الّذي لا يُخيّب" (رومانيّين (٥(٥) ، إذ دعينا لنَكُونَ حُجَّاجَ الرَّجَاءِ". نحن نتابع مسيرة الحجّ الرّوحيّة الّتي عاشها مارون الكاهن في منطقة قورش السّوريّة والّتي تنتمي إلى الكنيسة الأنطاكيّة ذات الثّقافة السّريانيّة. لقد شاءت العناية الإلهيّة أن يثبت الموارنة ككنيسة في جبل لبنان، تنمو كأرزه الشّامخ (مزمور ۱۲:۹۲)، منه تنطلق نحو الشّرق والغرب عبر قدّيسيها وناسكها ومن خلال عائلات نهجت الرّوحانيّة الأنطاكيّة الّتي اختبرها رجل الله مارون. ترتكز هذه الرّوحانيّة على علاقة شخصيّة بيسوع المسيح ومعرفة عميقة بكلمة الله وصلاة تقيّة بالرّوح والحقّ وتشبّث بالأرض ليتقدّس الإنسان ويقدّس الأرض بالصّليب والقيامة وبمحبّة أخيه الإنسان. هذه الثّوابت تشكّل جوهر إيماننا.
من علامات الرّجاء هذه السّنة هي الاحتفال بذكرى مرور ألف وسبعمائة سنة ( ۱۷۰۰) على انعقاد المجمع المسكونيّ الأوّل في نيقية (٣٢٥)، وفيه صاغت الكنيسة إيمانها المقدّس بالله الواحد الآب والإبن والرّوح القدس. فكم هو حَسَنٌ أن نعلن إيماننا بصيغة الـ"نؤمن"، تنبعث من قلوب مملوءة بالحبّ، وشفاه تنطق بالرّجاء. كم نحن بحاجة إلى أن نعبر من الـ"أنا" الّتي تكبّلنا على المستوى الشّخصيّ والكنسيّ والرّعويّ والوطنيّ، إلى الـ"نحن" أيّ السّير معًا والعمل معًا، نميت فينا الفرديّة والأنانيّة، فتنتصر الوحدة والمحبّة، وهَكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ نصبحُ جَسَدًا وَاحِدًا فِي الْمَسِيحِ" (روما) (٥:١٢). تعالوا نغفر لبعضنا البعض وننشر ثقافة السّلام، ونعمل لأجل الخير العامّ، ونصون كرامة كلّ إنسان على وجه الأرض.
أيّها المواطنون والمواطنات، في سنة الرّجاء نشكر الرّبّ معكم لأنّه فتح أمامنا في ليل الشّدّة والمعاناة نافذة رجاء تمثّلت في انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة. نحيّي فخامة الرّئيس جوزيف عون وندعو له بالتّوفيق في رسالته الوطنيّة، كما نثمّن خطاب القسم الّذي جدّد في نفوس اللّبنانيّين جميعًا نفحة الرّجاء بلبنان ما زال ينبض بالحياة. ونتمنّى أيضًا لرئيس الحكومة نوّاف سلام النّجاح في مهمّته رغم التّحدّيات والسّير بروحيّة خطاب القسم وبوحدة المعايير حتّى يعبر الوطن نحو الاستقرار والحداثة فتتجدّد ثقة اللّبنانيّين أوّلًا بوطنهم ويتشجّع المجتمع الدّوليّ في دعم النّهضة الاجتماعيّة والسّياسيّة وإعادة الإعمار كي يستعيد لبنان دوره الرّياديّ.
إسمحوا لي أيّها الأصدقاء في وقفة العيد هذه أن أتوجّه إلى ضمائر القيّمين في وطني. بإسم الله، أستحلفكم أن تتخلّوا عن كلّ سياسات مضت وشوّهت أيقونة لبنان وحدّت من نموّه الشّامل الّذي يضمن العيش الكريم للمواطنين. بالله عليكم أنفضوا عنكم غبار الخيارات الّتي أودت بنا إلى هوّة الفقر والعوز والحرمان وإلى الانعزال عن بيئتنا العربيّة والدّوليّة. فالشّعب اللّبنانيّ ينتظر يومًا جديدًا لاسيّما الشّباب وقد ملّوا من السّياسات الضّيّقة والمصالح الفئويّة وهم يتوقون إلى وطن سليم وحكم يتميّز بالشّفافيّة والمحاسبة والأخلاق. العالم يريد أن يساعدنا على النّهوض من شَلَلِنا فلا نُضيعَنّ الفرصة الفريدة لتجديد مجتمعنا فيُفسح المجال للّذين هاجروا الوطن أن يعودوا إلى أرضهم ويزرعوا فيها فكرًا جديدًا وروحًا متجدّدة. فيا شباب لبنان تزيّنوا بالإيمان وتسلّحوا بالوعي الاجتماعيّ وبحسن التّمييز؛ ولا تسمحوا لأحد أن يجرّكم إلى النّهج القديم الطّائفيّ والضّيّق والبغيض. إهدموا جدران التّبعيّة والتّعصّب ورفض الآخر وابنوا جسور التّلاقي من أجل أخوة إنسانيّة واعية ومواطنة ثابتة تقود إلى ازدهار إنسانيّ وثقافيّ واجتماعيّ واقتصاديّ. فأنتم سترفعون اسم لبنان عاليًا بجدّيّتكم وانتمائكم الوحيد إليه، فلبنان يفخر بكم".
وإختتم سويف عظته: "أيّها الأحبّاء نكل حياتنا للرّبّ والوطن لعنايته، ونصلّي من أجل هذا الشّرق كي ينعم بالاستقرار والحرّيّة والسّلام. ولنجدّد إيماننا بيسوع ربّنا، ورجائنا الّذي لا يخيب، بشفاعة العذراء مريم سلطانة السّلام، وأبينا القدّيس مارون. آمین".