الفاتيكان
26 نيسان 2021, 12:30

ساندري في ذكرى الإبادة الأرمنيّة: أين أنت أيّها الإنسان؟

تيلي لوميار/ نورسات
أحيا المعهد الحبريّ الأرمنيّ في روما ذكرى شهداء الإبادة الأرمنيّة في قدّاس إلهيّ ترأّسه أسقف الأرمن الكاثوليك في أوروبا الشّرقيّة المطران روفائيل ميناسيان، شارك فيه عميد مجمع الكنائس الشّرقيّة الكاردينال ليوناردو ساندري ورئيس إدارة أملاك الكرسيّ الرّسوليّ المطران نونزيو غالانتينو.

خلال القدّاس، حيّا ساندري إيمان الشّعب الأرمنيّ في كلمة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"في كلّ عام، في زمن عيد الفصح، نجتمع للاحتفال بالقدّاس الإلهيّ لكي نتذكّر شهادة حياة إخوتنا وأخواتنا، الّذين عانوا لمائة وستّ سنوات خلت من عنف شديد لدرجة الموت بسبب انتمائهم إلى الشّعب الأرمنيّ، الّذي دخل في التّاريخ لأنّه كان أوّل أمّة تنال المعموديّة، عام 301، من خلال عمل القدّيس غريغوريوس المنوَّر.

شعب مجتهد وذكيّ، مبدع في الفنّ والثّقافة، أنار من خلال شخصيّاته العظيمة والقدّيسة البشريّة أبعد من حدود الأراضي الأرمنيّة، مثل القدّيس غريغوريوس ناريك، الّذي أعلنه البابا فرنسيس ملفانًا للكنيسة الجامعة في عام 2015. أفكّر أيضًا في القدّيس ميسروب، الّذي بفضل عمله قدّم أحرف أبجديّة لكي يتمكّن الجميع من معرفة الكتاب المقدّس والإصغاء إليه، ويكون ذلك الخبز المكسور في مسيرة تاريخ طُبعت للأسف في العديد من المناسبات بالاضطهاد والعنف. في الواقع، إنَّ الإنجيل مُزعج لمن هم في الخارج ولكنّه مزعج أيضًا لتلاميذ الرّبّ أنفسهم الّذين في إنجيل يوحنّا الّذي تقدّمه اللّيتورجيا اللّاتينيّة اليوم يقولون "هذا كَلامٌ عَسير، مَن يُطيقُ سَماعَه؟". ومع ذلك، واصلت مجموعة صغيرة إعلانها مع بطرس: "يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟ ونَحنُ آمَنَّا وعَرَفنا أَنَّكَ قُدُّوسُ الله".

لذلك، إذا كان الأمر كما يقول المزمور، "كلمتك مصباح لخطاي"، فإنّ القراءات الّتي جعلتنا اللّيتورجيا الأرمنيّة نصغي إليها اليوم هي النّور الّذي نعيش فيه ونحتفل به في هذا اليوم: إنّه ليس عملاً سياسيًّا، وهو ليس ضدّ أحد، لكنّها ذكرى مسيحيّة للّذين تركونا، تسليم لله، وصلاة من أجل ارتداد قلوب جميع الّذين فعلوا الشّرّ وكذلك ارتداد قلوبنا الّتي تحتاج على الدّوام للشّفاء من خلال بلسم الرّحمة الإلهيّة. لقد كانت المأساة الّتي حدثت لمائة وستّ سنوات خلت وصمة عار في تاريخ البشريّة جمعاء، ليس فقط للّذين كانوا روّادًا سلبيّين لتلك الأيّام أو للّذين التزموا الصّمت من خلال لامبالاتهم أو تواطؤهم. ومع ذلك، فإنّ الّذين عانوا من العنف، من خلال نسلهم، لم يفقدوا كنز الإيمان وما زالوا اليوم هنا كما مثلنا ليعلنوه ويحتفلوا به مُظهرين تعزية الله الّتي حدَّثنا عنها القدّيس بولس.

تمامًا كما اجتاح الشّعب اليهوديّ في المحرقة بعد بضعة عقود سؤال "أين كان الله في معسكرات الإبادة"، كذلك يمكننا أن نسأل أنفسنا أيضًا إزاء الألم الّذي تمَّ التّخطيط بشكل منهجيّ للشّعب الأرمنيّ. ومع ذلك، قبل أيّ مسار استجابة، نحن مدعوّون لكي نُضيف سؤالاً آخرًا، وهو يصلح اليوم أيضًا: "أين الإنسان؟ أين أنت أيّها الإنسان، وأين قلبك الّذي خُلِق من أجل الخير ولكنّه قادر على إيواء مشاعر الكراهيّة لدرجة الرّغبة في إبادة إخوتك والقيام بذلك حقًّا؟". لهذا السّبب، وإذ نتذكّر ما قاله البابا فرنسيس أيضًا في الاحتفال في الثّاني عشر من نيسان أبريل عام 2015 في البازيليك الفاتيكانيّة، لا يجب أن نفقد ما أوضحه التّقليد الأرمنيّ بالحديث عن الـ " Metz Yegern"، الجريمة الكبرى، والشّرّ العظيم. في الواقع، يجبرنا هذا التّعريف يوميًّا على النّظر في التّساؤلات حول الشّرّ في تاريخ البشريّة، وإنمّا ولاسيّما في تاريخنا الشّخصيّ، عندما نستسلم لمساومات التّجربة، وعندما نتوقّف عن الإصغاء إلى كلمة الله، وعندما نكون غير مبالين بإخوتنا وأخواتنا، أو أسوأ من ذلك عندما نحاول إلحاق الأذى بهم بدلاً من مضاعفة النّعم والخير لهم.

يعطينا الإنجيل العزاء في التّفكير في أنّ أبناء وبنات الشّعب الأرمنيّ ضحايا محاولة الإبادة لمائة وستّ سنوات خلت هم "أصدقاء الله"، وقد تشبّهوا بحياة المسيح: "لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه... لا أَدعوكم خَدَمًا بعدَ اليَوم... فَقَد دَعَوتُكم أَحِبَّائي... لم تَخْتاروني أَنتُم، بل أَنا اختَرتُكم وأَقمتُكُم لِتَذهَبوا فَتُثمِروا ويَبْقى ثَمَرُكم... ما أُوصيكُم بِه هو: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضًا". لقد كانت حياة إخوتنا وأخواتنا مثل حياة يسوع، حبّة قمح وقعت في الأرض وماتت وفي موتها أعطت الحياة للعالم كلّه وأنقذته: لقد بقيت ثمارهم، ونحن في العالم نحتفل بهذا اليوم في إيمان. لتسقط من ثمارنا إذًا بذور الحياة والقيامة في تاريخنا."