العراق
09 نيسان 2021, 11:50

ساكو في نداء وطنيّ: خلاصنا بدولة مدنيّة

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو نداءً وطنيًّا ووجدانيًّا لأبناء العراق، كتب فيه بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"أودّ أن أنشر هذه الخاطرة على شكل نداء وطنيّ ووجدانيّ ونحن على أبواب الانتخابات. وسط ما نعيشه من تجاذبات وولاءات وعدم استقرار، ومجهول يحاصرنا سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، نحتاج إلى صحوة ضمير، ووعي مجتمعي لكي نتكاتف ونُعدّ غدًا أفضل لمواطنينا.

واقع لا يتحمّل الانتظار والسّودان مثالاً

إبتداء، يتعيّن علينا أن نتفهّم تحدّيات واقعنا وتداعياته الّتي لا تتحمّل الانتظار، علينا أن نتخلّص من التّرسّبات المعقّدة. كمواطن عراقيّ عشتُ كلّ هذه الظّروف منذ عقود، وبصدقٍ أقول إنّي لا أرى سبيلاً آخر للخلاص سوى تأسيس دولة مدنيّة secular، ديمقراطيّة قويّة تقف على مسافة واحدة من الكلّ، دولة مدنيّة مثل معظم دول العالم وآخرها كان دولة السّودان. أتمنّى أن يشكّل هذا الهاجس نقطة تحوّل رئيسيّة في اهتمام سياسيّينا، من دون تحفُّظ، لأنّ فيها خلاصنا، ولأنّ الوطن هو الهويّة الجامعة لنا، ويحتضن التّنوّع ويحميه. ولا يخفى على أحد أنّ الإنسان والأوطان تاريخيًّا قبل الأديان.

المرجع الشّيعيّ الأعلى والدّعوة إلى قيام دولة مدنيّة    

من المفرح والمشجّع أنّ هذا الطّرح ينسجم مع دعوة المرجع الشّيعيّ الأعلى سماحة آية الله العظمى السّيّد علي السّيستانيّ، الّتي وجّهها أكثر من مرّة. فوجود المرجع الشّيعيّ الأعلى، ليس واجهة لدولة طائفيّة، إنّما يبرز دوره بخصوصيّة متميّزة في إسداء النّصيحة والإرشاد في إطار الوطن.

المدنيّة (من المدينة) نظام يرتبط بحياة المجتمع بحياديّة، ويحترم المكانة المستقلّة للدّيانة وشعائرها ولا يقف ضدّها. الدّولة المدنيّة تسنّ قوانينها ودستورها على المواطنة، وبإنصاف تجاه كلّ شرائح شعبها. أساس الدّولة المدنيّة هو ضمان حقوق جميع المواطنين وواجباتهم على قدم المساواة، وتوفير حياة كريمة لهم. ليس صحيحًا أنّ النّظام المدنيّ (العلمانيّ) يناهض الدّين، بل على العكس تمامًا فالنّظام المدنيّ لا يحرم الأشخاص من حقّهم في ممارسة دينهم بحسب معتقداتهم، لكنّه لا يجبرهم على  التّديّن.

الأدلجة السّياسيّة الدّينيّة، وعودة إلى عهود القرون الوسطى

الدّولة المدنيّة تحتضن كلّ الأديان والثقافات والجماعات واللّغات وتدير شؤونهم العامّة بعدالة، وتحميهم أمام المخاطر. الدّولة المدنيّة لا تتدخّل في اختيارات مواطنيها الدّينيّة ولا تؤدلج سياستها على دوغمائيّة (عقيدة) معيّنة تصنعها هي من أجل الوصول إلى السّلطة والهيمنة كما حصل في المسيحيّة في القرون الوسطى عبر "الحكم الإلهيّ"، ويحصل هذا اليوم في طروحات تيّارات "الإسلام السّياسيّ".

في الحالتين المؤسفتين السّلطة هي الهدف وليس خدمة الإنسان. الدّولة المدنيّة تحترم "حرّيّة الضّمير"، فيها يستطيع المواطن أن يكون مسيحيًّا أو مسلمًا أو من ديانة أخرى، أن يذهب إلى الكنيسة أو الجامع أو دار آخر للعبادة لممارسة شعائره الدّينيّة بحرّيّة، لكنّها لا تجبر أحدًا على اعتناق دين معيّن، فهذا حقّ شخصيّ لا إكراه فيه.

لئلّا ينحرف مفهوم الدّين...  

الدّين هو فعل (هبة) إيمان حرّ بالله وإقامة علاقة روحيّة حيّة عاموديّة معه، والعمل بمشيئته، وينعكس الإيمان أفقيًّا على العلاقة الأخلاقيّة بين البشر. الدّين هو عبادة الله وهو رابط بين البشر.Religion  الدّين لا يؤسّس دولة بسبب تنوّع الدّيانات والجماعات. في اعتقادي، ينبغي احترام قدسيّة الدّين وعدم تسييسه وتشويهه، واحترام مدنيّة الدّولة وعدم إقحام الدّين فيها فالدّين للسّلام والإرشاد والنّصح.

أتمنّى أن يتوجّه عموم الحراك السّياسيّ نحو التّمسك بالنّظام المدنيّ وليس الطّائفي انسجامًا مع دعوة المرجع الشّيعيّ الأعلى سماحة آية الله العظمى السّيّد علي السّيستانيّ  في سبيل استنهاض البلاد".