العراق
18 كانون الأول 2018, 12:01

ساكو في رسالة العيد: ليكن الميلاد فرصة لكي تثبتوا في خدمة المحبّة والسّلام

لمناسبة عيد الميلاد، صدر عن بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو رسالة العيد نشرها موقع البطريركيّة، وجاء فيها:

"في زمن البشارات– المجيء، يستعدّ المسيحيّون في العالم، للاحتفال بعيد ميلاد المسيح الّذي يعرض عليهم، مشروع ميلاد لإنسانيّة جديدة. فالإنسان كان محور رسالته وهو محور رسالة الكنيسة، ليكما يغدو الإنسان "إنسانيًّا” وليس وحشًا مفترسًا.
في الحقيقة، لقد عرفت حالة الإنسان في المسيح ارتقاءً إلى إنسانيّة كاملة. وفي اللّغة الكلدانيّة– السّريانيّة نستعمل عوض كلمة التّجسّد، لفظة “MITHBARNASHUTHA” أيّ الأنسنة. يمثّل ميلاد المسيح بنمط حياته وأعماله وكلماته، ميلاد الإنسان الجديد: إبنًا لله . وفيه يجد كلُّ إنسان مثالاً كاملاً للإنسان، يقتدي به لتتحقّق فيه "صورة الله ومثاله" (تكوين1/26). المسيح عاش كإنسان وأحبَّ كإنسان، وخدم كإنسان، وعمل كإنسان، كما تؤكّد الرّسالة إلى العبرانيّين "وكان مثلنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة" (4/15).
يحصل الإنسان المسيحيّ على نعم كثيرة لتحقيق مشروع التّجديد الدّاخليّ (الولادة الجديدة) بالرّغم من الشّرّ المتربّص به، وذلك من خلال انضمامه إلى سرّ فصح المسيح. وفيه ومعه يفهم المغزى الخصب للألم والموت والقيامة. لذلك ينبغي أن يدرك المسيحيّ أنّ في اقتباله لكلَّ سرٍّ من أسرار الكنيسة، كالمعموديّة والإفخارستيّا، ينال نعمة عظيمة للاندماج في المسيح والاتّحاد به "فإنكم، وقد اعتمدتم جميعًا في المسيح، قد لبستم المسيح" (غلاطية 3/27). هذه الدّعوة تتطلّب التزامًا يوميًّا وجهدًا وشجاعة وتعبًا، لكن لا يهمّ، فالهواء الّذي نستنشقُه هو فرح الإنجيل، وإنّ قوّتنا وعزاءنا هما في الرّوح القدس الّذي يقودنا ويرافقنا.
وهذه الدّعوة موجهة أيضًا إلى كلّ إنسان ذي إرادة طيّبة، يفتح قلبه بصدق لنعمة الله كي تعمل فيه.
مع المسيح نغدو أبناء الله وبناته، خصوصًا حين علّمنا أن نصلّي قائلين: "أبانا الّذي في السّموات، ليتقدّس اسمك، ليأتي ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السّماء كذلك على الأرض".
من هذا الإيمان ينطلق سعينا وصلاتنا لتحقيق التّطويبات، على طريقة المسيح، فينا وحولنا، فيتحقّق ملكوته على الأرض كما في السّماء، ملكوت أخوّة ومحبّة وسلام بين جميع البشر.
“طوبى لِفُقراءِ الرُّوح فإِنَّ لَهم مَلكوت السَّمَوات. طوبى لِلوُدَعاء فإِنَّهم يرِثونَ الأَرض. طوبى لِلْمَحزُونين، فإِنَّهم يُعَزَّون. طوبى لِلْجياعِ والعِطاشِ إِلى البِرّ فإِنَّهم يُشبَعون. طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون. طوبى لأَطهارِ القُلوب فإِنَّهم يُشاهِدونَ الله. طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام فإِنَّهم أَبناءَ اللهِ يُدعَون. طوبى لِلمُضطَهَدينَ على البِرّ فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات” (متّى 5/3-10). لذا نكون في الميلاد عندما يولد المسيح في قلوبنا، وعندما نطبّق خدمة السّلام والمحبّة كما تدعونا إليه ترتيلة الميلاد هذه:
عندما نسقي عَطشانَ، كأسَ ماء، نكونُ في الميلاد
عندما نكسي عُريانَ، ثوبَ حُب، نكونُ في الميلاد
عندما نُكفكف الدموعَ في العيون، نكونُ في الميلاد
عندما نَفرِشُ القلوبَ بالرّجاء، نكونُ في الميلاد
عندما أُقَبِلً رفيقي دونَ غِشّ، أكونُ في الميلاد
عندما تموتُ فيّ روحُ الانتِقام، أكونُ في الميلاد
عندما يُرَمِّدُ في قلبيَ الجفاء، أكونُ في الميلاد
عِندما تذوبُ نفسي في كيان الله، أكونُ في الميلاد.
ليلة الميلاد يُمّحىَ البُغضُ، ليلة الميلاد تزهرُ الأرضُ،
ليلة الميلاد تُبطلُ الحربُ، ليلة الميلاد يَنبِتُ الحُبّ.
هكذا من خلال شهادة إيماننا وصلاتنا ومحبّتنا وإسهامنا في نهضة بلدنا ومجتمعنا وعالمنا، يستمرّ فينا ومن خلالنا نشيد الملائكة ليلة ميلاد المسيح: "المجدُ لله في العلى، وعلى الأرض السّلام، والرّجاءُ الصّالح لبني البشر" (لوقا2/ 14). وبالتّالي يتجلّى الله– المحبّة فينا ومن خلالنا للعالم.
وإليكم، أيّها الأحبّة، بعض الأسئلة للتّفكير ومراجعة الذّات:
ما معنى أنّك مسيحيّ؟ هل إيمانك أمر أساسيّ في حياتك، وله الأوليّة في قراراتك وتصرّفاتك، وإلّا ماذا يميّزك كمسيحيّ عن الآخرين؟
هل تصلّي؟ هل تذهب إلى الكنيسة، وتشعر بأنّك عضو وفيها ومعها تعيش إيمانك، وتدرك أنّك أكثر قوّة وتضامنًا مع الآخرين؟ وإلّا أيّ معنى لمسيحيّتك من دون شهادة الإيمان والصّلاة والخدمة هذه؟
إيمانك وصلاتك يعطيانك إمكانيّة البلوغ إلى التّطويبات، ويساعدانك على رؤية الأشخاص والأحداث والأمور بعين الله، ويتيحان لك استقبال الرّوح القدس بحيث تشعر أنّ الله "أقرب- إليك- من الوريد".
إيمانك يفتح أمامك المجال لتجسّد كلمة الله في إنسانيّتك، وتصير ابنًا لله وليس من أعوان الإبليس!!! فمن يقسّم النّاس ويخلق الفوضى على أساس دينيّ أو قوميّ أو جنسيّ لا علاقة له بالله ولا بالدّين.
أتمنّى، أيّها الإخوة والأخوات، أن يكون الميلاد فرصة لكي تعمّقوا إيمانكم وتثبتوا في خدمة المحبّة والسّلام كما دعا البابا فرنسيس في عظته أثناء احتفاله بالقدّاس في كنيسة بيت القدّيسة مرتا 2018/12/06، قائلاً: "علينا أن نستعدَّ لعيد الميلاد ساعين لبناء السّلام في نفوسنا والعائلة والعالم"، لأنّ في السّلام يتحقّق التّقدّم والازدهار.
تمنّياتنا للعراق وصلاتنا من أجل أن ينعم بالأمن والأمان وأن تشعّ المحبّة والسّلام بين مختلف مكوّناته الاجتماعيّة والدّينيّة.
عيد ميلاد مبارك للجميع والسّلام للعراق والعالم!
كلّ عام وأنتم بخير!".