العراق
18 تشرين الثاني 2025, 07:30

ساكو في افتتاح السّينودس الكلدانيّ: كنيسة حيّة بإيمانها وثقتها بالرّبّ ورجائها

تيلي لوميار/ نورسات
مع انطلاقة السّينودس الكلدانيّ في الصّرح البطريركيّ في المنصور- بغداد، افتتح البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو الأعمال بصلاة الصّباح والقدّاس. ثمّ أقيمت الرّياضة الرّوحيّة مع المطران رمزي كرمو، تناول فيها "الصّلاة علاقة مستمرّة مع الله"، وعكسها على واقع الحياة اليوميّة.

وفي في جلسة الافتتاح كانت لساكو كلمة، قال فيها بحسب إعلام البطريركيّة:

"الإخوة الأساقفة،

يسرّني ان أُحيّيكم جميعًا على حضوركم، وأودّ أن أؤكّد في افتتاح سينودسنا السّنويّ الدّوريّ، على بعض النّواحي الضّروريّة لتقدّم كنيستنا الكلدانيّة، والكنيسة في العراق.

1- القيادة في الكنيسة هي مواقف روحيّة، ومبادئ وقيم واضحة وأفعال منسجمة. المصداقيّة مع حقيقة كهنوتنا يجب أن تنبع من ضميرنا، ومسؤوليّتنا الكنسيّة والقيميّة، والثّقة الّتي حمّلتنا إيّاها الكنيسة، وبالوعد الّذي قطعناه علنًا يوم رسامتنا. من هنا أجدّد دعوتي إلى جميع آباء السّينودس باحترام قرارات السّينودس، وإيجاد وسائل فعّالة لتطبيقها في أبرشيّاتهم، علامةً للوحدة والجماعيّة الأسقفيّة.

2- السّينودس فرصة لمراجعة الذّات، وتجديدها، وترسيخ الانتماء إلى المسيح والكنيسة والنّموّ معًا. لهذا السّبب خصّصنا صباح هذا اليوم للصّلاة والتّأمّل والاسترشاد.

3- الكنيسة مبشّرة، هذا الحسّ الّذي كان منذ البدء عند الرّسل بالكاريزما الخاصّ بكلّ منهم، ينبغي أن يكون راسخًا عندنا، وأن نوظّف كلَّ شيء من أجل أن يتعرّف النّاس على الله والمسيح، من خلال الالتزام بمسار التّجديد بأسلوب التّعليم والوعظ واللّيتورجيا لكي يتلاءم مع التّغييرات  الثّقافيّة والاجتماعيّة، وتطلّعات كنائسنا في بلدان الشّتات، مع المحافظة على الأصالة والهويّة! كما علينا أن نفكّر برسالتنا تجاه الغالبيّة المسلمة الّتي نعيش معها.

4- متابعة تنشئة الإكليروس، تنشئة شاملة وراسخة ومستدامة، تمكّنهم من القيام برسالتهم الرّاعويّة على أحسن وجه في هذه الظّروف الصّعبة. لا تكفي الرّياضة السّنويّة الّتي تنظّمها البطريركيّة، لكن على كلّ أسقف أن يتابع تنشئة كهنته ايمانيًّا وراعويًّا بروحانيّة الأب الحنون والمربّي الواعي والحكيم، متذكّرين دومًا أنّنا آباء ولسنا أصحاب سلطة فحسب. إنّ قيمة سلطتنا الحقيقيّة هي بما نقدّمه من خدمة بإيمان ومحبّة وإخلاص، مقتدين بيسوع المسيح الّذي كان خادمًا للجميع.

5- أزمة الدّعوات. الدّعوات لا تنبع من غياب الشّباب الرّاغبين في بذل أنفسهم، بل من الجوّ السّامّ الّذي يُسيطر عليهم من خلال وسائل التّواصل الاجتماعيّ. إنّهم يعانون غالبًا من عدم الاستقرار النّفسيّ، لكن أيضًا الانتقادات بين أفراد الإكليروس لا تشجّعهم. علينا الاهتمام بالدّعوات وأن ننضجها بحرص. كما يجب أن ندرك أنّه من الحكمة أن ندقّق في ترشيح أشخاص للرّسامة الكهنوتيّة أو الأسقفيّة ممن لهم  كفاءة لاهوتيّة وروحيّة وإداريّة وراعويّة وقانونيّة. هذه الكفاءة هي ضمان الشّفافيّة والمصداقيّة والنّجاح. للأسف تردنا من حين لآخر شكاوى.

6- العلاقة مع الكنائس الأخرى. المشكلة الحاليّة ليست جديدة، إنّها قديمة لأنّه لا توجد أرضيّة صادقة للعمل معًا باحترام خصوصيّة كلِّ كنيسة. عملت كثيرًا على لمّ شمل الكنائس، ودعوت أكثر من مرّة إلى اجتماعات، لكن لم تتحقّق بسبب ولاءات بعض الكنائس لجهات سياسيّة، وخوف البعض من  تقليل وزنها، إذا انضمّت إلينا في دراسة وضعنا والتّنسيق في قضايانا. العلاقة ينبغي أن تنطلق من الإرادة الصّادقة، وليس المجاملة و ترسيخ العمل المشترك. هذا يتطلّب الجدّيَّة والانفتاح والإصغاء والحوار بعقلانيّة. حاليًّا التقيت بصاحبي القداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثّاني كريم ومار آوا الثّالث روئيل وبصاحب الغبطة البطريرك يوسف الثّالث يونان، آمل أن تكون فاتحة خير.

7- العلاقة مع المرجعيّات المسلمة طيّبة جدًّا. حضورنا فاعل لتعزيز الرّجاء، وشهادتنا واضحة ومن دون خوف. حوارنا هو حوار الحياة. عَمِلنا بوثيقة المجمع الفاتيكانيّ الثّاني في "عصرنا"-Nostra Aetate الّتي تعني بحوار الأديان مباشرة، خصوصًا أنّنا احتفلنا هذا العام بمرور 65 سنة عليها. تقدّمنا كثيرًا في تنظيم لقاءات عديدة حول  المسائل ذات الاهتمام المشترك، وقدرنا أن نفكّك خطاب الكراهيّة. وكلَّلتها زيارة البابا الرّاحل فرنسيس للأيّام 5-8 آذار 2021، حيث ترك أثرًا طيّبًا عند الجميع ببساطته، وتواضعه، ومصداقيّته ولقاءاته وخطاباته. وعندما توقّفنا بسبب جائحة كورونا تواصلنا البعض مع بعضنا من خلال الزّيارات والاتّصالات.

8-العلاقة مع الدّولة والتّعامل مع السّياسة. ليس صحيحًا ما يُروِّجُه البعض أنّ البطريركيّة تتدخّل في السّياسة. هدف الكنيسة من خلال موقعها الهيراركي تجاه مؤمنيها والآخرين، يتمثّل في إنارة الضّمائر حول القضايا الّتي تمسّ حياة النّاس في كرامتهم وحقوقهم الأساسيّة. وتندّد بالظّلم، وتطالب بتطبيق القانون ومفهوم المواطنة وتحقيق السّلام والأمان. هذا ما فعلناه وما نزال. هذه أولويّة حيويّة لكلِّ كنيسة، كما يفعل البابا على الصّعيد العالميّ. كنيستُنا لم تنخرط في الأحزاب، ولم يشترها أحد، ولم تدعم جهة سياسيّة معيّنة، إنّما دعمت ولا تزال قضيّة إرساء نظام مدنيٍّ يساوي بين جميع المواطنين على حدٍّ سواء. الكلّ يجب أن يفهم أنّنا نصارع من أجل البقاء في الشّرق الأوسط.

صحيحٌ أنّ كنيستنا فقيرة، لكنّها حيّة بإيمانها وثقتها بالرّبّ ورجائها بالرّغم من التّحدّيات الكثيرة وخدمتها المتفانية وحضورها وبشهادة العديدين عراقيًّا ودوليًّا. قال لي أحد الكرادلة: كنيستُكم هي من بين الكنائس الشّرقيّة الأكثر حضورًا. بإمكان كنيستنا أن تتقدّم بديناميكيّة أكثر عندما تعمل بروح الفريق الواحد.

الشّكر لله على كلّ النّعم الّتي أنعمها على الكنيسة من خلالكم، وعلى المحبّة الّتي زرعها في قلوبكم، وعلى الخدمة المتفانية من أجل رعاياكم. أسأل الله أن يجازي كلَّ الخدّام الأمناء بمائة أضعاف (لوقا  12/ 42)."