ساكو: البشارات هي زمن مكثّف للصّلاة والتّأمّل والتّوبة
"يبدأ التّقويم اللّيتورجيّ الكلدانيّ بـزمن ܣܘܒܵܪܵܐ – سوبارا – البشارة، وينتهي بـزمن تقديس الكنيسة. أسابيع البشارة أربعة: البشارة لزكريّا وأليصابات، البشارة لمريم، ميلاد يوحنّا، والبشارة ليوسف. تمثّل هذه البشارات محطَّات أساسيّة في تاريخ الخلاص. يعرض الإنجيليّان متّى ولوقا علينا قراءة للتّاريخ من مفهوم آخر، غير التّقرير الكرونولوجيّ (في معناه الحديث)، بل في معانيه الرّوحيّة. انّه تاريخ مقدّس تتجلّى فيه علاقة حبٍّ بين الله والإنسان. يستعمل لوقا النّوع الأدبيّ literary genre الرّوائي كما نجده في أسفار العهد القديم خصوصًا سِفر التّكوين.
هذه البشارات هي لنا أيضًا. إنّها زمن مُكَثَّف للصّلاة والتّأمّل والتّوبة والانتباه لعلامات حضور الله والدّخول إلى سرّ تدبيره. بشارات تتضمّن حركة من لقاءات واستقبال وشكران.
الأحد الأوّل من موسم البشارة: البشارة إلى زكريّا وأليصابات (لوقا 1/ 1-15)
للإسم دلالة في الكتاب المقدّس، إنّه هويّة حامل الرّسالة. زكريّا يعني الله يتذكّر– يستجيب، وأليصابات الله يشبع.
البشارة تُبَلَّغ في جوّ من الصّلاة: زكريّا في الهيكل يصلّي، والشّعب في الخارج يُصلّي. هذا يعني أنّ الله يصنع المعجزة عندما نصلّي بإيمان وبثقة، وعندما تلمس الصّلاة قلبنا نقدر أن نستقبله. ثمّة تشابه مع البشارة لابراهيم وسارة. عجزٌ بشريّ، ولكن "ما يُعجِزُ النَّاسَ فإِنَّ اللهَ عَليهِ قَدير" (لوقا 18/ 27). المبلِّغ هو الملاك.
الرّسالة إلى زكريّا واضحة: "لا تَخَفْ، يا زَكَرِيَّا، فقدَ سُمِعَ دُعاؤُكَ وسَتَلِدُ لكَ امَرأَتُكَ أَلِيصاباتُ ابنًا فَسَمِّه يوحَنَّا" (لوقا 1/13). إنّ نعمة الله تحوِّل عجز البشر إلى خصب مزهر، وهذا يتطلّب الصّلاة بثقة.
الأحد الثّاني من موسم البشارة: البشارة إلى مريم (لوقا 1/ 26-37).
إسمها مريم، أيّ "المختارة – المصطفاة". كانت تعيش مع يوسف قرينِها في النّاصرة، القرية البسيطة! يدلّ هذا الاختيار على أنّ فكر الله مختلف عن فكر البشر. هنا أيضًا المُبلّغ هو ملاكٌ اسمه جبرائيل (قدرة الله). قال لها: "السّلام لك أيّتها الممتلئة نعمة، مباركة أنتِ بين النّساء. لا تخافي يا مَريَم، فقد نِلتِ حُظوَةً عِندَ الله. فَستحمِلينَ وتَلِدينَ ابنًا فسَمِّيهِ يَسوع. سَيكونُ عَظيمًا وَابنَ العَلِيِّ يُدعى، وَيُوليه الرَّبُّ الإِلهُ عَرشَ أَبيه داود، ويَملِكُ على بَيتِ يَعقوبَ أَبَدَ الدَّهر، وَلَن يَكونَ لِمُلكِه نِهاية" (لوقا 1/ 28-33).
الإضطراب أمر طبيعيّ في التّرائيّات، إذ ينكشف فقر الإنسان أمام الحضور الإلهيّ وأيضًا أمام جَسامة الرّسالة الملقاة على عاتقه.
كيف يكون هذا؟ هذا السّؤال الّذي طرحته مريم ليس لعدم ثقتها بالله، بل لرغبتها في فهم أكبر للبشارة بهدف الالتزام المطلق. ولمّا شرح لها الملاك ذلك، تقبَّلت مشيئة الله بحرّيّة وفرح: "ها أنا خادمة للرّبّ، فليكن لي كقولك". هكذا يلزم أن ياتي جوابنا بتسليم الذّات تسليمًا كاملاً لله لنكون تحت تصرّفه. وكما دخلت مريم في حلقة تسبيح الله: "نفسي تعظّم" هكذا نرفع نحن أيضًا (الحمد لله على كلِّ شيء).
الأحد الثّالث من موسم البشارة: ميلاد يوحنّا (لوقا 1/ 57 – 66)
يحدّثنا لوقا عن ولادة يوحنّا المعمدان، مشدّدًا على أهمّيّة الاسم الّذي يمنحه الله إيّاه، فهو يشكّل هويّته ورسالته.
يعرض لوقا علينا أمرين أساسيّين:
1. إنّ النِّعم تُعطَى لنا عندما نُصلّي بثقة ورجاء، وإنّ كلُّ نعمة مهما كانت فهي بركة غير عاديّة، علينا استقبالها بفرح وشكران.
2. النّعمة المعطاة ليست للوالدين فحسب، بل لكلّ الأقارب والجيران: "ويفرح بمولده أناسٌ كثيرون" (1/ 14)، هذا يعني أنّ النّعمة ليست للشّخص الّذي يستقبلها، إنّما هي للكلّ.
عدم إيمان زكريّا: اغلقَ فمه، لكن الإيمان فتحَه من جديد، لذا تكلّم وبارك الله. كم نحن بحاجة اليوم إلى هذا الإيمان وسط صعوباتنا الحاليّة السّياسيّة والاقتصاديّة وجائحة كورونا!
الأحد الرّابع من موسم البشارة: البشارة إلى يوسف (متّى 1/ 18–25)
يوسف (أيّ يزيد الله) لمواجهة مشاكله: يُصلّي ويُفكر ويَبحث عن سبيلٍ مناسبٍ يتماشى مع تصميم الله ومع ضميره، فيحُافظ على حياةِ مريم والجنين! "يا يُوسُفَ ابنَ داود، لا تَخَفْ أَن تَأتِيَ بِامرَأَتِكَ مَريمَ إِلى بَيتِكَ. فإِنَّ الَّذي كُوِّنَ فيها هوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس" (متّى 1/ 20).
خروج يوسف من المحنة نتيجةٌ لتدخّل السّماء. البلاغ يصل إليه عِبر الحلم. ينال يوسف بتصرّفه المسؤول والحكيم، صفة الصّديق! نحن أيضًا، لنُواجه مشاكلَنا بصلاة وثقة وهدوءٍ وحكمة ولنترك الله يقود تاريخَنا نحو الأفضل.
تسبحة السّوبارا لباباي الكبير (+ 628)
هذه تسبحة لاهوتيّة بامتياز، توجز عقيدة إيمان المسيحيّين بعبارات واضحة، وقد شرحه باباي في كتابه "الاتّحاد- ܚܘܝܕܐ"1
تبارك [الله] الحنان الّذي بنعمته يوجّه حياتنا من خلال الأنبياء.
بعين الرّوح رأى إشعيا طفل البتوليّة العجيب،
لأنّ مريم من دون زواج ولدت [الطّفل] عمّانوئيل، ابن الله.
في أحشائها جَبَلَ الرّوح القدس الجسد المسجود له كما جاء في الكتب،
ليتَّحد بشعاع الآب ببنوّة واحدة كاملة.
منذ اللّحظة الأولى للحَبَل العجيب اتّحد به كشخص واحد،
حتّى ينجز بواسطته كلّ ما كان يروم فعله لخلاص الجميع.
في يوم بشارته (أو ميلاده) مجَّده الملائكة بتهاليل في أعلى السّماوات.
بينما الأرضيّون سجدوا له باحترام، وقدّموا له القرابين
واحد هو المسيح ابن الله بطبيعتين، الّذي يسجد له الجميع.
بألوهيّته مولود من الآب منذ الأزل،
وببشريّته ولد بجسده من العذراء مريم في ملء الزّمن.
ألوهيّته ليست من طبيعة أمّه ولا بشريّته من طبيعة أبيه.
فيه خواص الطّبيعتين مصانة في شخص واحد، وبنوّة واحدة.
كما أنّ الألوهيّة هي ثلاثة أقانيم، لكن في جوهر واحد،
هكذا الابن بطبيعتين، لكن بشخص واحد.
كما تعلّمته الكنيسة المقدّسة في إعلان ايمانها بالمسيح الابن.
يا ربّ نسجد لألوهيَّتك ولبشريَّتك من دون انفصال.
قدرة واحدة، وقيادة واحدة، ومشيئة واحدة، ومجد واحد،
للآب والإبن والرّوح القدس من الأزل وإلى الأبد آمين."