ساعة موتنا!؟
"تقيم كنيستي المقدّسة اليوم تذكار سبت الأموات "سبت الرّاقدين" على رجاء القيامة والحياة الأبديّة.
الموت حدث أكيد في حياتنا، مع ذلك فإنّ يوم موتنا وساعته تبقى مجهولة. وكما أنّ يوم المجيء الثّاني للرّبّ سوف يأتي "كلصّ في اللّيل" (1 تسالونيكي 5: 2)، هكذا أيضًا بطريقة سوف يأتي الموت إلى إنسان في وقت غير معروف لأنّ ساعة الموت "تقلّد ذلك" المجيء الثّاني بما أنّها تشبهه وهي متعلّقة به، بينما يكون يوم مجيء الرّبّ فجائيًّا يكون يوم الموت جزئيًّا، وبالتّالي فإنّ نهاية حياة كلّ منّا هي صورة النّهاية .
القدّيس باسيليوس الكبير يسأل الإنسان الذي يؤجّل عمل الخلاص: "أيّها الإنسان من حدّد حدود حياتك؟ من حدّد أمد شيخوختك؟ من يكفل بتأكيد أنّك ستصل إلى يوم غد؟ ألا ترى الأطفال يخطفون بالموت وكذلك الكهول يغادرون؟ أيّها الإنسان، سوف تنتهي من بعده الحياة الحاضرة لكلّ واحد منّا. الشّيء الوحيد الذي نستطيع أن نقوله نحن البشر حول الموضوع هو هذا: سوف يأتي الموت عندما تكتمل شروط الحياة التي حدّدت منذ البداية بقضاء الله الطّيّب والعادل. الله وحده يرى مسبقًا من بعيد ويعرف مسبقًا بعمله الكلّيّ السّاعة الدّقيقة لرحيل كلّ واحد من مخلوقاته من هذا العالم الحاضر. إنّه الواحد الذي يحدّد بحكمته اللّامتناهية تخوم حياة الإنسان ويكون هذا لخيرنا الرّوحيّ دائمًا. لهذا ترتّل كنيستنا: "يا مسيحنا، انسجامًا مع قضائك الغامض والسّرّيّ فأنت قد حدّدت مسبقًا بطريقة كلّيّة الحكمة متي ستأتي نهاية حياة كلّ إنسان".
"لو أنّني عرفت ساعة موتي لعملت كلّ جهدي كي أقدّم نفسي أمام عرش الله بشكل أفضل ولكن الآن… إنّ الفضيلة التي تمارس تحت قوّة الخوف من الموت ليست بالحقيقة فضيلة. إنّ لها صفة العبوديّة والإكراه. يعلّم القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ أنّ "ما يعمل بالقوّة ليس عقلانيًّا ولا فاضلًا". ويشير الذّهبيّ الفمّ أيضًا إنّه تحت هذه الشّروط حتّى القدّيسون لا يكون لهم مكافأة على الفضيلة إذا عرفوا يوم موتهم المحدّد... لأنّه إذا عرف الرّجل الشّرير يوم موته بدقّة فإنّه سيتجرّأ أن يفعل كلّ شيء قبل ذلك اليوم، كان سيتجرّأ أن ينتقم ويعاقب أعدائه "مرتكبًا ألوانًا من الأفعال الشّريرة التي اختارها"، وكان سيموت عندئذ راضيًا لكونه قد انتقم من أولئك الذين أذوه (الذّهبيّ الفمّ). ولذلك، فإنّ عدم معرفة ساعة الموت يشكّل عائقًا مانعًا لعمل النّاس الأشرار... لو أنّ الإنسان عرف مسبقًا يوم وفاته فإنّه سيستمر يخطئ بدون خوف خلال حياته وبالضّبط قبل يومين أو ثلاثة من موته سيتوب عندئذ معتمدًا بشكل خاطئ، طبعًا على الكلمة التي قالها الله من خلال النّبيّ: "في الحالة التي أجدك فيها سوف أدينك" (القدّيس أثناسيوس الكبير). عدم معرفتنا ساعة الموت يساعدنا أيًضا أن نكون مستعدّين دائمًا للحياة الأخرى "لقد أبقى الله يوم موتنا مجهولًا لكي بسبّب عدم معرفتنا متى نتوقّعه نقدر أن نحفظ أنفسنا في الفضيلة دائمًا" (الذّهبيّ الفمّ). قال الرّبّ لتلاميذه: "فكونوا إذن أنتم أيضًا مستعدّين لأنّ ابن البشر يأتي في ساعة لا تظنّونها" (متى 24: 44). ولكنّ يوم المجيء الثّاني، يوم نهاية العالم وبالتّالي يوم الدّينونة لكلّ شخص هو ساعة الموت بشكل أساسيّ وهكذا بعد كشفه يوم موتنا فإنّ الرّبّ يريدنا أن نكون مصمّمين بشكل مستمر على الفضيلة. ذلك يعني أن نكون دومًا في حالة الاستعداد والتّحضير، حالة الجهاد الرّوحيّ الذي لا يتوقّف، يقظين ساهرين على أسوار أنفسنا، يساعدنا التّوقّع المستمرّ للموت لكي نتشجّع فنواظب على ممارسة الفضيلة (القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ)".