سؤال محرج من البابا فرنسيس!
"إن سألنا أحدهم: "من هو يسوع المسيح" يمكننا أن نجيب بما تعلّمناه؛ أيّ أنّه مخلّص العالم وابن الآب وكلّ ما نتلوه في قانون الإيمان، لكنَّ الإجابة تُصبح أصعب إن كان السّؤال: "من هو يسوع المسيح بالنّسبة لك؟". إنّه سؤال محرج بعض الشّيء لأنّه ينبغي على الإجابة عليه أن تأتي من القلب، أيّ من الخبرة.
في الواقع، كان القدّيس بولس قلقًا لينقل للآخرين أنّه عرف يسوع المسيح من خلال خبرته الشّخصيّة، عندما سقط عن حصانه وعندما حدّث الرّبّ قلبه؛ فهو لم يعرف المسيح انطلاقًا من دراسات لاهوتيّة حتّى وإن قرأ بعدها إعلان يسوع في الكتاب المقدّس. لقد أراد بولس أن نشعر نحن المسيحيّين بما شعر به هو نفسه. وعلى السّؤال الّذي يمكننا أن نطرحه على بولس: "يا بولس من هو المسيح بالنّسبة لك؟" سيجيبنا بواسطة خبرته البسيطة: "لقد أحبّني وبذل نفسه من أجلي"؛ لقد كان ملتزمًا مع المسيح الّذي دفع من أجله. وهذه هي الخبرة الّتي يريد بولس أن يعيشها المسيحيّون– وفي هذه الحالة مسيحيّي أفسس- هو يريدهم أن يدخلوا في هذه الخبرة لكي يتمكّن كلُّ فرد منهم من القول بحسب خبرته الشّخصيّة: "لقد أحبّني وبذل نفسه من أجلي".
نقرأ في القراءة الأولى الّتي تقدّمها لنا اللّيتورجيّة اليوم من رسالة القدّيس بولس إلى أهل أفسس قوله: "حَتّى إِذا ما تَأَصَّلتُم في المَحَبَّةِ وَأَسِّستُم عَلَيها، أَمكَنَكُم أَن تُدرِكوا مَع جَميعِ القَدَّيسينَ ما هُوَ العَرضُ وَالطّولُ وَالعُلُوُّ وَالعُمق وَتَعرِفوا مَحَبَّةَ المَسيحِ الَّتي تَفوقُ كُلَّ مَعرِفة، فَتَتَّسِعوا لِكُلِّ ما عِندَ اللهِ مِن سِعَة". ولكي نصل إلى الخبرة الّتي عاشها القدّيس بولس مع يسوع قد يساعدنا أن نتلو قانون الإيمان لمرّات عديدة ولكنَّ الدّرب الأفضل تمرُّ عبر اعترافنا بأنّنا خطأة: هذه هي الخطوة الأولى. في الواقع، عندما يقول القدّيس بولس إنَّ يسوع قد بذل نفسه من أجله هو يريد أن يقول إنّه دفع من أجله ويخبر عن ذلك في رسائله، وأوَّل تعريف يعطيه بولس عن نفسه هو أنّه رجل خاطئ إذ اضطهد المسيحيّين وينطلق من هذا الواقع أيّ أنّه خاطئ ولكنّ الرّبّ قد أحبّه واختاره. وبالتّالي فالخطوة الأولى للتّعرُّف إلى المسيح والدّخول في هذا السّرّ هي الاعتراف بخطايانا.
إنّنا نقول خطايانا في سرِّ الاعتراف لكن هناك فرق بين قولنا للخطايا والاعتراف بأنّنا بطبيعتنا خطأة، والقدّيس بولس قد اختبر ضعفه هذا الّذي كان يحتاج للفداء ولمن يدفع له الحقّ بأن يقول إنّه ابن الله؛ جميعنا أبناء لله ولكن لكي نقول هذا الأمر ونشعر به نحن بحاجة لتضحية المسيح وبالتّالي أن نعترف بأنّنا خطأة بشكل ملموس ونخجل من أنفسنا. من ثمَّ هناك خطوة ثانية في مسيرة التّعرّف على يسوع وهي التّأمّل والصّلاة الّتي نطلب فيها أن نتعرّف على يسوع، هناك صلاة جميلة لأحد القدّيسين: "أعطني يا ربّ أن أعرفك وأن أعرف نفسي" وهنا نجد علاقة الخلاص هذه ولذلك لا يجب أن نكتفي ببضع كلمات نوجّهها ليسوع لأنّ معرفة يسوع هي مغامرة، مغامرة جديّة لأنَّ محبّة يسوع لا تعرف الحدود.
وهذا ما يقوله بولس نفسه "ذاكَ الَّذي يَستَطيعُ أَن يَبلُغَ بنا، بِقُوَّتِهِ العامِلَةِ فينا، مَبلَغًا يَفوقُ كَثيرًا كُلَّ ما نَسأَلُهُ أَو نَتَصَوَّرُهُ"، أيّ بإمكانه القيام بذلك ولكن علينا أن نطلبه منه: "أعطني يا ربّ أن أعرفك، وأعطني عندما أتكلّم عنك ألّا تكون كلماتي مجرّد تكرار كلمات أعرفها كالببغاء وإنّما أن تكون كلمات نابعة من خبرتي معك". هذه هي قوّتنا وهذه هي شهادتنا. نحن لسنا بحاجة لمسيحيّين يتكلّمون وحسب هذه ليست القداسة؛ القداسة هي أن نكون مسيحيّين يعملون في حياتهم ما علّمه يسوع وما زرعه يسوع في قلوبهم.
هناك خطوتين لمعرفة يسوع المسيح: الخطوة الأولى أن نعرف أنفسنا أيّ أن نعترف بأنّنا خطأة، إذ بدون هذه المعرفة وهذا الاعتراف لا يمكننا أن نسير قدمًا؛ والخطوة الثّانية الصّلاة على الرّبّ الّذي بقوّته يجعلنا نكتشف سرَّ يسوع هذا أيّ النّار الّتي حملها إلى الأرض؛ ستكون عادة جميلة إن تعلّمنا أن نرفع هذه الصّلاة يوميًّا: "أعطني يا ربّ أن أعرفك وأن أعرف نفسي" ونسير قدمًا بهذا الشّكل.".