زحلة تصلّي من أجل وحدة الكنائس
"نجتمع اليوم أحبّائي لنصلّي من أجل الكنيسة، ليس فقط لأجل وحدتها لكن لأجل الكنيسة بالذّات. الكنيسة حاملة سمات المسيح، لأعضاء الكنيسة الشّاهدة على قيامة ربّنا يسوع المسيح ومحبّته للبشر، وما زالت تبشّر به في كلّ أنحاء العالم. هذه الكنيسة التي تضطهد بأشكال كثيرة وفي دول كثيرة وفي أماكن متعدّدة. يختلف الاضطهاد ويأخذ أوجهًا عدّة.
في العالم المتحضّر تضطهد ممّا يسمى العولمة التي تقاوم في كثير من الأحيان قيم هذه الكنيسة، وما ائتمنها عليه الرّبّ يسوع المسيح، لذلك الكنيسة بحاجة دائمًا إلى صلاة المؤمنين من أجلها لتثبت.
الكنيسة كما نؤمن أنّها مؤسّسة إلهيّة وبشريّة. بشرية من حيث أنّ أعضاءها من البشر المعمّدين على اسم الرّبّ يسوع المسيح، والهيّة من حيث نعمة الرّوح القدس فيها. هذه الكنيسة وبكامل ثقتنا أنّها مؤسّسة على صخرة الإيمان، وأنّ الرّبّ قال كلمته إنّ "أبواب الجحيم لن تقوى عليها". هذا هو رجاؤنا كمؤمنين، ولكن هل هذا يمنع الاضطهاد؟ بالتّأكيد لا، ولكن وسط كلّ هذا، الكنيسة تنظر إلى الأشياء برجاء.
وفي ما يخصّ الوحدة، كثر من النّاس يعلّقون على موضوع الصّلاة: لماذا تصلّون؟ توحّدوا من يمنعكم؟ في الحقيقة نقول لأبنائنا إنّ الإكليروس اليوم يسعى بشكل جدّي للوصول إلى الوحدة المرجوّة، ولكن علينا أن نقول شيئًا مهمًّا، إنّه بعد المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، كانت هناك خطوات هامّةً جدًّا باتّجاه الوحدة قامت بها كنائس عديدة، واليوم الأعمال مستمرّة والحوارات مستمرّة، ولكن أريد أن أُعلّق على شيء هام، قد توجد في زحلة اليوم كنائس متعدّدة، على اختلاف قياداتها الكنسيّة، ذلك لا يعني أنّنا لسنا موحّدين. توحّدنا أشياء كثيرة، يوحّدنا الكتاب المقدّس، يوحّدنا إيماننا بالرّبّ يسوع المسيح، وتوحّدنا فوق كلّ شيء الأسرار المقدّسة، الأسرار السّبعة التي نؤمن بها، وتوحّدنا أيضًا الرّسوليّة والتّسلسل الرّسوليّ الذي نؤمن به، وإن وجدنا تحت قيادات مختلفة، وهذا لا نعتبره انقسامًا، لكنّه تنوّع، وهذا كلّه غنًى. بالحقيقة، نبدو غير منتمين إلى كنيسة واحدة، لكنّنا ننتمي إلى يسوع الواحد، وإلى كنائس هي في الحقيقة تعبد نفس الإله يسوع المسيح، لا نعبد إلهًا آخر.
وعلى المؤمنين أن تكون لديهم نظرة ايجابيّة عن هذا الموضوع، وأن يساعدوننا باتّجاه الوحدة. هناك بعض المجموعات موجودة في قلب الكثير من الكنائس، قد تتطرّف أحيانًا، تتطرّف وتتمسّك باسم كنسيتها أو بطقوسها بطريقة لا توافق الإيمان المسيحيّ. هذه المجموعات المتطرّفة قد لا تكون مسيحيّة مئة في المئة، لأنّ يسوع لم يعلّمنا التّطرّف والتّعصّب، بل التزام الإيمان والانتماء إلى كنيستنا، إلى الرّعايا. هذا واجب وحقّ، ولكن التّطرّف غير مقبول، لذلك نقول لهذه المجموعات إن صغرت أو كبرت، إنّ هذه ليست الوحدة وليست إرادة الرّبّ.
وعن عنوان أسبوع الصّلاة من أجل وحدة الكنيسة "أقم لك قضاة... فيحكمون فيما بين الشّعب حكمًا عادلًا"، والعدل بحسب تعاليم الكنيسة، يدعونا لأن نكون عادلين، والعدالة هي على أشكال حسب مفهوم الكنيسة. هناك عدالة تجاه اللّه، عدالة تجاه البشر، عدالة تجاه الذّات وعدالة تجاه الطّبيعة. تجاه اللّه، العدالة تعني أن نعبد الله وأن نشكره على عطاياه ونقدّم له واجب العبادة والتّسبيح، والاعتراف بكلّ ما يصنعه من صلاح تجاهنا، ونسعى لأن نكون معه. العدالة تجاه اخوتنا البشر هي الا نكون ظالمين مع بعضنا البعض ولا نتعدّى على حقوق بعضنا البعض تحت أي عنوان، واليوم نرى كيف أصبح العالم لأنّه ليس هناك عدل تجاه بعضنا البعض، لأنّ الجشع والطّمع والكره كلّها ملأت قلوب النّاس، وهذا ليس من اللّه ولكن من روح العالم، من روح ابليس، وهذا لم يعلّمنا إيّاه يسوع، لذلك نحن مدعوّون لنعيش العدالة، وإن كانت هذه العدالة في هذا العالم نسبيّة جدًّا. وإذا كنّا نرى اليوم هذا الخراب في الطّبيعة، ونسبة التّلوّث المرتفعة، والكثير من الأماكن تعاني الفيضانات والزّلازل، فهذا كلّه نتيجة عبث الإنسان وعدم عدالته مع الطّبيعة التي وجدت لتخدم الإنسان، والله وضع الإنسان سيّدًا عليها وحارسًا لها، لكنّ الإنسان يسيء إلى هذه الطّبيعة، والطّبيعة تردّ على الإنسان الإساءة بالمثل. هناك قوانين إذا لم نحترمها تدافع عن نفسها، وهذا ما يحصل في العالم اليوم، وندفع الثّمن كبشر، لأنّ عدالتنا ناقصة تجاه الطّبيعة التي خلقها الرّبّ لنستمتع بها.
والعدالة تجاه الذّات تعني أن نعطي ذاتنا حقّها، وخاصّةً نفوسنا. وكما نعتني بالجسد من ناحية الأكل والشّرب والنّظافة والثّقافة، علينا أيضًا أن نعطي نفسنا حقّها، كونها نفحة من اللّه، حقّها بالعبادة وأن تكون دائمًا على علاقة مع اللّه، عبر فضيلة العبادة والصّلاة والصّوم وتناول الإفخارستيّا وسائر ممارسات العبادة.
وفي هذا اليوم، أضمّ صلاتي الى صلاة اخوتي الأساقفة وصلاة الحضور، وكلّ من يصلّي هذا الأسبوع من أجل الكنيسة وثباتها واستقرارها وعملها وبشارتها، من أجل كلّ ما تقوم به من أعمال صالحة، ونصلّي أن تكون كلّ الكنائس موحّدة، وأن يبعد الرّبّ خطر الانشقاقات التي نخلقها بسبب مطامعنا وحبّ السّلطة والذّات. الصّلاة الدّائمة للكنيسة ولوحدتها ولأجل رعايانا وأبرشيّاتنا وبلداتنا ووطننا. إن شاء اللّه يستجيب لصلواتنا ويعطينا أيّامًا سلاميّةً، ويحفظ هذا الشّرق ويحفظ لبنان من كلّ التّجارب، ويعطي الجميع أيّامًا مباركة."