رياضة روحيّة مع البابا فرنسيس!
هذا الكتاب مستوحى من تأمّلات خورخي ماريو برغولي ويستند إلى الرّياضة الرّوحية للقدّيس إغناطيوس دي لويولا، وهو يخدم في الرّياضات الرّوحية سواء الفرديّة أم الجماعيّة. وتمّ إصدار النّسخة الإنجليزيّة من الكتاب العام الماضي تحت عنوان "First Belong to God. On Retreat with Pope Francis"، وتضمّنت مقدّمة كتبها البابا فرنسيس، يوضح فيها أهمّيّة الرّياضات الرّوحيّة في مسيرة الإيمان لكلّ مسيحيّ.
وبحسب "فاتيكان نيوز"، كتب البابا فرنسيس: "لقد أدرك القدّيس إغناطيوس دي لويولا بوضوح، من خلال خبرة حياته، أنّ كلّ مسيحيّ يشترك في معركة تحدّد حياته. إنّها معركة ضدّ تجربة الانغلاق على ذواتنا، لكي يتسنّى لمحبّة الآب أن تسكن فينا. فعندما نفتح قلوبنا للرّبّ الّذي يخلّصنا من اكتفائنا الذّاتيّ، ننفتح على الخليقة بأسرها وعلى كلّ مخلوق. نصبح قنوات تنقل حياة ومحبّة الآب. عندها فقط ندرك المعنى الحقيقيّ للحياة: إنّها عطيّة من الآب الّذي يحبّنا حبًّا عميقًا ويريدنا أن ننتمي إليه وإلى بعضنا البعض.
هذه المعركة قد انتصر فيها يسوع من أجلنا، من خلال موته المخزي على الصّليب وقيامته. لقد كشف لنا الآب، نهائيًّا وإلى الأبد، أنّ محبّته هي أقوى من جميع قوى هذا العالم. ومع ذلك، فإنّ قبول هذا الانتصار وجعله واقعًا ملموسًا لا يزال يمثّل تحدّيًا بالنّسبة لنا، إذ لا نزال عرضة لتجربة الانغلاق أمام النّعمة، والعيش وفقًا لروح العالم، في وهم السّيادة والاكتفاء الذّاتيّ. إنّ جميع الأزمات الّتي تهدّد الحياة وتعصف بعالمنا– من الأزمة البيئيّة إلى الحروب والظّلم الواقع على الفقراء والضّعفاء– تنبع من هذا الرّفض للانتماء إلى الله وإلى بعضنا البعض.
إنَّ الكنيسة تساعدنا بطرق كثيرة على مواجهة هذه التّجربة. فتقاليدها وتعاليمها، وممارسات الصّلاة والاعتراف، والاحتفال المنتظم بالإفخارستيّا، جميع هذه الأمور هي "قنوات نعمة" تفتحنا لقبول العطايا الّتي يريد الآب أن يفيضها علينا. ومن بين هذه التّقاليد نجد الرّياضات الرّوحيّة، ومن بينها الرّياضة الرّوحيّة للقدّيس إغناطيوس دي لويولا. وبسبب الضّغوط المستمرّة لمجتمع تنافسيّ بشكل مفرط، أصبحت الخلوات لاستعادة الطّاقة تحظى بشعبيّة واسعة. لكن الرّياضة الرّوحيّة المسيحيّة تختلف تمامًا عن "عطلة استجمام". لأنّ المحور الأساسيّ فيها ليس نحن، بل الله، الرّاعي الصّالح، الّذي لا يعاملنا كآلات، بل يستجيب لأعمق احتياجاتنا كأبناء محبوبين.
الرّياضة الرّوحيّة هي زمن يتحدّث فيه الخالق مباشرة إلى مخلوقاته، لكي يشعل نفوسنا "بمحبّته وتسبيحه"، لكي نتمكّن من "خدمته بشكل أفضل في المستقبل"، كما يقول القدّيس إغناطيوس دي لويولا. المحبّة والخدمة هما الموضوعان الأساسيّان في الرّياضة الرّوحيّة. ويسوع يأتي إلينا ليكسر قيودنا لكي نسير معه كتلاميذه ورفاقه. وعندما أفكّر في ثمار الرّياضة الرّوحيّة، أرى يسوع وهو يقول للمقعد عند بركة بيت ذاتا: "قم فاحمل فراشك وامش". إنّه أمر يجب طاعته، لكنّه في الوقت عينه دعوته الأكثر حنانًا ومحبّة.
كان ذلك الرّجل مشلولًا داخليًّا. كان يعتبر نفسه فاشلًا في عالم من المنافسين والمتنافسين. كان ممتلئًا بالمرارة والاستياء لشعوره بأنّه قد حُرم من بعض الأمور، وكان أسيرًا لمنطق الاكتفاء الذّاتيّ، مقتنعًا بأنّ كلّ شيء يعتمد عليه وحده وعلى قوّته الخاصّة. ولأنّ الآخرين كانوا أقوى وأسرع منه، غرق في اليأس. ولكن هناك، في قلب معاناته، جاءه يسوع برحمته ودعاه لكي يخرج من ذاته. وحين انفتح على قوّة شفاء يسوع، شُفي شلله الدّاخليّ والخارجيّ في الوقت عينه. لقد أصبح قادرًا على أن ينهض ويسير، ويسبِّح الله، ويعمل من أجل ملكوته، فتحرّر من وهم الاكتفاء الذّاتيّ، وتعلّم يومًا بعد يوم أن يعتمد على نعمته. بهذه الطّريقة يصبح الإنسان تلميذًا قادرًا على أن يواجه بشكل أفضل تحدّيات هذا العالم، وعلى أن يتحدّى العالم ويعمل وفق منطق العطاء والمحبّة.
منذ أن أصبحتُ بابا، أردتُ أن أشجّع على أن يكون انتماؤنا "أوّلًا" لله، ثمّ للخليقة ولإخوتنا، ولاسيّما الّذين ينادوننا بصوت عالٍ. لهذا السّبب، أردت أن أضع في الاعتبار الأزمتين الكبيرتين في زمننا: تدهور بيتنا المشترك والهجرات والنّزوح الجماعيّ للأشخاص. فكلاهما من أعراض "أزمة اللّاإنتماء" الّتي يتحدّث عنها هذا الكتاب. ولهذا السّبب أيضًا، أردت أن أشجّع الكنيسة على إعادة اكتشاف نعمة تقليدها السّينودسيّ، لأنّها عندما تنفتح على الرّوح القدس الّذي يتكلّم في شعب الله، تقوم الكنيسة بأسرها وتسير، وهي تسبِّح الله، وتساهم في تحقيق ملكوته.
أنا سعيد لرؤيتي مدى ارتباط هذه المواضيع الموجودة في كتاب "الانتماء إلى الله أوّلًا"، بتأمّلات القدّيس إغناطيوس الّتي كوّنتني على مرّ السّنين. لقد قدّم أوستن إيفريغ خدمة عظيمة من خلال الجمع بين التّأمّلات الّتي ألقيتها في الرّياضات الرّوحيّة لعقود خلت، وتعليمي كحبر أعظم. وبذلك، سمح للرّياضة الرّوحيّة للقدّيس إغناطيوس بأن تنير كليهما وتستنير بهما.
هذا ليس زمن الانغلاق. أرى بوضوح أنّ الرّبّ يدعونا لكي نخرج من ذواتنا، ولكي ننهض ونمضي قدمًا. هو يطلب منّا ألّا نُشيح بنظرنا عن آلام وصرخات زمننا، بل أن ندخل فيها، ونفتح قنوات نعمته. كلّ واحد منّا هو قناة لهذه النّعمة بفعل معموديّته، وبالتّالي علينا أن نفتحها ونبقيها مفتوحة. ليساعدكم هذا الزّمن، الّذي تتذوّقون فيه محبّته، على سماع دعوة الرّبّ لكي تصبحوا مصدر حياة، ورجاء، ونعمة للآخرين، فتكتشفوا هكذا فرح حياتكم الحقيقيّ. وآمل أن تتمكّنوا من أن تحقّقوا ذلك الـ"أكثر" الّذي يتحدّث عنه القدّيس إغناطيوس، والّذي يدعونا لاكتشاف أعماق محبّة الله، في العطاء الكامل لذواتنا. ومن فضلكم كلّما تذكّرتم، لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي، كي أتمكّن من مساعدتنا جميعًا على أن ننتمي دائمًا وأوّلًا إلى الله."