روحانيّة عيد الصّعود
"نقترب إلى نهاية زمن القيامة المجيدة، متذكّرين أنّ كلّ أحد، على مدار السنة، حتى في زمن الصوم، هو تذكارٌ لقيامة الربّ الحيّ دائمًا، حيثُ نحتفلُ بالذبيحة الإلهية، أعظم حبّ (Agapée) "ما من حُبٍّ أعظم من أن يبذلَ الإنسانُ نفسَهُ عن أحبائه" ( يوحنّا 15: 13)، وفي القداس أيضًا "نذكر موتك يا ربّ ونعترفُ بقيامتك وننتظرُ مجيئك الثاني".
في هذا الزمن المبارك تَأَمَّلنا كيفَ أنَّ الربّ يسوع لم يشأ أن يُغادِرَنا جسديًا قبل أن يُوكلّ رِعايَةَ كنيستِهِ إلى سمعان بطرس بعد أن تأكَّدَ مِن حُبِّه له.
رَأَينا أيضًا أنَّ المسيحَ أظهرَ نفسَهُ للرسل التلاميذ "حيًا بعد آلامه بكثيرٍ من الأدلة، وهو يتراءى لهم مدة أربعين يومًا، ويُكلّمهم عن شؤون ملكوت الله (أعمال 1: 3).
لِنَصِلَ للإحتفال الخميس الماضي بعيدٍ سيّدي عظيم هو صعودُ الربّ يسوع إلى السماء إلى المكان الذي نزلَ منه، ولِيُنَفِّذَ وعدَهُ في يوحنّا الفصل 14 "لأعّدَ لكم مكانًا، وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليَّ حتى حيثُ أكون أنا تكونون أنتم أيضًا ...في منازل أبي الكثيرة".
يرسمُ لنا لوقا البشير أيقونةَ الصعود في إنجيله الفصل 24 حيثُ يُعلن أنّ الربّ أخرج الرسل إلى بيت عنيا وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وبينما هُوَ يُبَارِكُهُمُ، انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ، فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم.
بينما في سفر أعمال الرسل، الفصل الأول، نرى عند لوقا أيضًا كيف وعدَ الربّ تلاميذَه "ستنالون قوة متى حلَّ الروح القدس عليكم، ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم ... وفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ، ربما كانا الملاكَين اللذَين ظهرا على قبر يسوع، وَقَالاَ: "أَيُّهَا الْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ".
كذلك مرقس في آخر فصل من إنجيله، يختصرُ لقاءَ الربّ القائم من الموت مع تلاميذه ليوصيهم "إِذْهَبُوا إِلى العَالَمِ كلّهِ، وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كلّها ... ورُفِعَ إِلى السَّمَاء، وجَلَسَ عَنْ يَمِينِ ٱلله."
في الأحد الأخير من زمن القيامة المجيد، الربّ وقبل صعوده، يعطينا وصيّة أخيرة وحيدة في يوحنّا 34:13: "أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُم بَعْضًا". طبعًا نعرف أنّ هذه الوصية موجودة في العهدين القديم والجديد (اليوم أيضًا بسفر الأحبار)، ورأينا أنّ الربّ اختصر الوصايا بوصيّة واحدة ذو جهتين:" أحبب الربّ إِلهَكَ مِنْ كلّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كلّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كلّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كلّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ"." (لو 10: 27). إنما اليوم يسمّيها "جَديدَةً." الجديد فيها القسم الثاني من هذه الآية: "كَمَا أَنَا أَحْبَبْتُكُم".
عقيدة صعود الربّ يسوع إلى السماء تمّ تحديدها منذ أول مجمع مسكوني، في نيقية سنة 325.
من أقوال القديسين في هذه المناسبة المباركة: "لقد دخلت إنسانيّة الجميع نهائيًّا في ناسوت المسيح في الصعود، وقد تحقّقت أبديّتنا من دون رجعة، وأصبح منذئذ موطننا في السموات" (عظة مار يوحنّا فم الذهب لنص فيلبي 3: 20).
نطلب شفاعة أمنا مريم العذراء سيّدة لبنان في شهرها المبارك، وأبينا مار يوسف لننعم بثمار هذا العيد المبارك في حياتنا اليوميّة كلّ مرة نتذكر أنّنا جماعة صعود لا هبوط. نحن في العالم ولكن موطننا النهائي ليس في العالم بل في السماء.
نعيش عيد الصعود بالأسرار الإلهيّة، خاصةً في كلّ مرّة نستجيب لدعوة الكاهن في القدّاس: "لتكن أفكارُنا وعقولَنا وقلوبُنا وأخلاقنا ونفسيتنا إلى العُلى... إنّها لديك يا الله".
كذلك تلتقي السماء بالأرض عندما نقف إجلالًا عند رفع الكأس المبارك بجسد ودم المسيح الإله، القائم من الموت، والصاعد إلى السماء، والآتي كما صعد، بمجدٍ عظيم، له ولأبيه ولروحه القدّوس كلّ المجد من الآن وإلى أبد الآبدين. أمين!"