رسالة من البابا فرنسيس إلى المشاركين في أمسية صلاة مسكونيّة في القدس!
"إنّها ليلة مميّزة جدًّا، وأودّ أن أتقاسم معكم ما أحمله في قلبي، وفكري موجّه نحو أورشليم، المدينة المقدّسة بالنّسبة لأبناء ابراهيم. أفكّر بنوع خاصّ في العلّيّة حيث جاء الرّوح القدس، المرسل من عند الله والّذي وعد به يسوع بعد قيامته من الموت، ليحلّ على مريم والتّلاميذ، مبدّلاً إلى الأبد حياة هؤلاء والتّاريخ كلّه. أفكّر بكنيسة القدّيس يعقوب، الكنيسة الأمّ، أوّل الكنائس، كنيسة المؤمنين بيسوع المسيح، وكانوا جميعهم من اليهود. وكنيسة القدّيس يعقوب لم تختفِ من التّاريخ، لأنّها ما تزال حيّة اليوم. إنّي أفكر بصباح اليوم التّالي حيث كان يتواجد في أورشليم– كما يروي لنا سفر أعمال الرّسل– يهود من كلّ منطقة تحت السّماء، وأصيبوا بالدّهشة عندما سمعوا الجليليّين يتكلّمون بلغاتهم.
يصف لنا سفر أعمال الرّسل بعدها جماعة المؤمنين بيسوع: لم يكن يعاني أيّ منهم من العوز لأنّ كلّ شيء كان مشتركًا فيما بينهم. وكان النّاس يقولون عنهم "انظروا كيف يحبّون بعضهم بعضًا". كانت المحبّة الأخويّة تميّزهم، وجعلهم حضورُ الرّوح القدس مفهومين. يتردّد لديّ هذا المساء وأكثر من أيّ وقت مضى صدى تلك الكلمات "انظروا كيف يحبّون بعضهم بعضًا". كم هو حزين عندما يُقال عن المسيحيّين "انظروا كيف يتقاتلون"."
وأضاف البابا متسائلاً عمّا يقوله العالم اليوم عن المسيحيّين، مشيرًا إلى "أنّنا أخطأنا أمام الله وأمام الأخوة. إنّنا منقسمون، لقد فتّتنا ما صنعه الله بمحبّة كبيرة، وبشغف وحنان. ويتعيّن علينا جميعا أن نطلب المغفرة من الله، أب الجميع، وإنّنا نحتاج أيضًا لأن نغفر لبعضنا البعض". وشدّد بعدها على أنّ "وحدة المسيحيّين في إطار المحبّة المتبادلة هي ضرورة ملحّة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى"، فقال: لننظر إلى العالم، إلى الوباء الّذي لم يأت نتيجة لفيروس وحسب لأنّه أيضًا وليدُ الأنانيّة والجشع اللّذين يزيدان من عوز الفقراء، ويضاعفان ثروات الأغنياء. وقد بلغت الطّبيعة حدود إمكانيّاتها القصوى بسبب عمل الإنسان، هذا الإنسان الّذي أوكل إليه الله مهمّة الاعتناء بالأرض وجعلها تثمر".
وأكّد الحبر الأعظم أنّ "هذه الأمسية يمكن أن تكون نبوّة، وبدايةً للشّهادة الّتي ينبغي أن نقدّمها إلى العالم معًا كمسيحيّين: أي أن نكون شهودًا لمحبّة الله الّتي سكبها في قلوبنا الرّوح القدس. هذه المحبّة الّتي دعينا إليها، نحنُ المؤمنون بالمسيح. وفي هذه اللّيلة يرفع آلاف المسيحيّين في العالم كلّه الصّلاة نفسها قائلين: تعال أيّها الرّوح القدس، تعالَ يا روح المحبّة، وبدّل وجه الأرض وبدّل قلبي.
إنّي أحثّكم هذه اللّيلة على أن تطلّوا على العالم لتجعلوا من شهادة الجماعة المسيحيّة الأولى واقعًا "انظروا كيف يحبّون بعضهم بعضًا". اخرجوا معًا لتنقلوا هذه العدوى إلى العالم. لندع الروح القدس يبدّلنا كي نتمكّن من تبديل العالم.
إنّ الله أمين لا يخلّ بوعده أبدًا، ولهذا السّبب أودّ أن أذكّركم بالنّبوءة الّتي صدرت على لسان النّبيّ أشعياء: "ويكون في آخر الأيّام أن جبل بيت الرّب يوطَّد في رأس الجبال ويرتفع فوق التّلال. وتجري إليه جميع الأمم، وتنطلق شعوب كثيرة وتقول: هلمّوا نصعد إلى جبل الرّبّ إلى بيت إله يعقوب وهو يعلّمنا طرقه فنسير في سبله لأنّها من صهيون تخرج الشّريعة ومن أورشليم كلمة الرّبّ، ويحكم بين الأمم ويقضي للشّعوب الكثيرة فيضربون سيوفهم سككًا ورماحهم مناجل فلا ترفع أمّة على أمّة سيفًا ولا يتعلّمون الحرب بعد ذلك"."