رسالة من أساقفة العراق الكاثوليك إلى العراقيّين
"إلى أبنائنا وإخوتنا في العراق الحبيب،
يسرّنا، بفرح وإيمان، بابتهاج ورجاء، بشراكة ومحبّة، نحن مجلس الأساقفة الكاثوليك في العراق، أن نتوجّه إليكم، بعد طول غياب، فرضته الأحداث، لنشكر معًا قداسة البابا فرنشيسكوس لزيارتنا، رغم الأخطار والصّعاب، ولنؤون معًا، في صعودنا نحو الميلاد، بشارة الملائكة إلى رعاة بيت لحم: "ولد لكم اليوم مخلّص". ولكن المعترضين حتّى من المؤمنين قد يفاجئوننا بأسئلتهم وشكوكهم: أمخلّص أتى؟ أين هو؟ أقادر هو إزاء ما نمرّ به؟ لماذا، هو الّذي شقّ السّماوات ونزل، لا يظهر قدرته فيبدّل حالنا؟
أيّها الإخوة، رغم تفهّمنا للشّكوك والمخاوف، نردّد معكم وعليكم إيماننا الثّابت: تجسّد كلمة الله وسكن معنا وحلّ بيننا. هذه بشارة الميلاد الّتي يشع منها نور العيد وفرحه العظيم.
الميلاد ليس مجرّد عيد. ليس تاريخًا نستعيده كحدث مضى. إنّه سرّ. سرّ إرادة الله الخلاصيّة. سرّ وجوده معنا وبيننا وفينا. سرّ عمّانوئيل، أيّ الله معنا. هذه هي البشارة العظمى الّتي نُؤَوِنها في احتفالنا، في لقاءاتنا، في تبادلنا التّهاني. ولكن الله أوحى إلى أنبيائه كيف نعدّ ذاتنا لاستقبال كلمة الله بيننا، نحن خاصّته، على ما قال يوحنّا الإنجيليّ. فإذا استقبلناه وقبلناه، يشركنا في بنوّته الإلهيّة. هنا يحضرنا كلام النّبيّ أشعيا الّذي تبنّاه يوحنّا المعمدان، المرسل ليعدّ الطّريق للمسيح المنتظر فدعا إلى التّوبة، أيّ إلى الاتّجاه الكامل نحو الله. تأخذ كلمات النّبيّ بعدها الحقيقيّ إذ يقول عنه مرقس الإنجيليّ: "صوت صارخ: في البرّيّة أعدّوا طريق الرّبّ واجعلوها مستقيمة."
أيّها الإخوة، كلمة برّيّة وصحراء وبادية وقفر وما شابهها في الكتاب لها معاني مختلفة، جغرافيّة وتاريخيّة وروحيّة ومجتمعيّة. فنحن إجتماعيًّا وروحيًّا في برّيّة. نفتقد السّلام الدّاخليّ والمجتمعيّ. فهو يختفي من جرّاء قلق النّاس في البرّيّة. يجوع ويعطش النّاس في الصّحراء. تعترضهم الصّعاب من كلّ نواحٍ، فيجابهون الطّبيعة القاسية.
في برّيّتنا اليوم، وباء فتّاك (كورونا)، وفقر ينبئ بانتشاره وسيرورته مدقعًا. يستبدّ بنا الضّعف أمام الدّواعش وأشباههم. نتوق إلى نعيم لم يعد يحلم الكثيرون من إخوتنا وأخواتنا به في هذه البلاد المباركة فيهربون إلى المهاجر.
في هذه الصّحراء الّتي نتألّم منها، يطلب الرّبّ منّا أن نعدّ للمخلّص طرقه. في هذه الحالة العامّة الّتي تحملنا على اليأس: أمننا مهدّد، لقمة عيشنا مخطوفة في اقتصاد مترنّح، خوفنا مرتفع أمام مستقبل مجهولة اتّجاهاته ومعالمه وجوهره، مطلوب منّا إعداد طرق الرّبّ. في هذا العالم، المنهارة إلى حدّ كبير قيمه إذ الفساد المستشري يلتهمه، والحاجة تهدّده لأنّ موارده مستولى عليها، ويزيد في الطّين بلّة الوباء الجائح. الفيروس التّاجّي ينغّص عيشنا ويفترس غنانا ويشلّ قدراتنا وتتلاشى من جرّائه علائقنا، الّتي هي جوهر إنسانيّتنا. رغم هذا كلّه يدعونا الآب جميعًا لنعدّ طرق كلمته المتجسّد: بالإيمان المتجدّد المعمّق، بالصّلاة الّتي يتنفّس بها المؤمن ويقوى الرّجاء، بالأمانة لكنيستنا، أمانة تقوّي التزاماتنا العائليّة والوطنيّة، نعدّ للرّبّ طرقًا في البرّيّة.
كلّ هذا يوطّد وحدتنا ويؤسّس لسلامنا ليبزغ كالفجر وئامنا وترتفع واثقة صلاتنا، فنستحقّ أن يفتقدنا المخلّص وينقذنا. أمّا افتقاد المخلّص الّذي نحتفل به في الميلاد العتيد فقد ظهرت بوادره بزيارة قداسة البابا المقرّرة للعراق. ميلادًا سعيدًا!".
خلال الاجتماع، تمّ اختيار المطران روبرت سعيد جرجيس رئيسًا لكاريتاس "أخويّة المحبّة" في العراق.